اقرأ في هذا المقال
- الحدود العلمية لفهم الظواهر الاجتماعية المعقدة
- مساهمة التأثير المجتمعي في حل المشكلات المجتمعية المعقدة
نظرًا لأن علماء الاجتماع مقيدون باستكشاف الارتباطات التقريبية على مدى فترات زمنية وسياقات جغرافية محددة مع بيانات غير كاملة، فإنهم بحاجة إلى أن يكونوا أكثر أهمية وشفافية في تحديد الحدود العلمية الدقيقة للظواهر الاجتماعية المعقدة وقيود البيانات والأساليب التي يطبقونها، وحول دقة وتفسير نتائجهم.
الحدود العلمية لفهم الظواهر الاجتماعية المعقدة
هل يمكن لعلماء الاجتماع إعطاء تفسيرات علمية دقيقة للظواهر الاجتماعية؟ للأجابة على هذا السؤال سيتم البحث في الرابط بين ظاهرة عدم المساواة الاقتصادية والتغيير الديمقراطي، فمنذ عالم الاجتماع السير أرسطو تمت دراسة ومناقشة السؤال حول العلاقة المحتملة بين ظاهرة عدم المساواة الاقتصادية والتغيرات الديمقراطية، واكتشف العلماء ما إذا كانت ظاهرة عدم المساواة الاقتصادية المتزايدة قد تؤدي إلى تغيير ديمقراطي بشكل أو بآخر.
وهل يمكن أن تكون هناك علاقة سببية بين هذه الظواهر الاجتماعية، ولكن من الناحية العلمية فإن قدرة علماء الاجتماع على تقييم وفهم كيفية ارتباط هذه الظواهر المعقدة محدودة أكثر مما هو معروف، ويوضح معظم العلماء والباحثين أن الأدبيات الحالية مليئة بالفرضيات والنتائج المتناقضة التي تشير إلى أن هذه العلاقة المحتملة يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية، أقوى أو أضعف، متمايزة أو غير موجودة ويمكن أن تختلف عبر البلدان وداخلها والفترات الزمنية، ومع ذلك فإن القيود المنهجية والتجريبية الأساسية للتحليل لا تسمح لهم بتقديم مثل هذه الادعاءات بقوة.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن عملية الدمقرطة والتغيرات في مستويات المساواة شديدة الدقة والخصوصية وغير المتجانسة، وبالتالي يصعب استيعابها اقتصاديًا، ويزعم بعض أبرز الباحثين في هذه الأدبيات أن المستويات المرتفعة من ظاهرة عدم المساواة تقلل من احتمالية التحول الديمقراطي، ويتحدثون أيضًا عن الآثار السببية وتأثير الديمقراطية على النتائج، وتفترض هذه الاستنتاجات مسبقًا عددًا من الافتراضات شديدة الصعوبة والمقدمات الضرورية التي لا يمكن تلبيتها بدقة.
وفي الواقع تحلل آلاف الدراسات الأكاديمية العلاقة المحتملة بين المتغيرات السياسية مثل الديمقراطية والمتغيرات الاقتصادية مثل ظاهرة عدم المساواة من خلال جمع بياناتها، واختيار أساليبها ثم المضي قدمًا في تحليلها، وتفسير النتائج التي توصلوا إليها، وربما إرشاد السياسة مع العديد من الخطوات الأخرى على طول الطريقة التي تنطوي على وضع افتراضات منهجية ضمنية مهمة، ونهج علماء الاجتماع هو الرجوع إلى الوراء بدلاً من ذلك لتحليل ما إذا كانت البيانات والطرق التي يطبقها الباحثون الرئيسيون في هذه الأدبيات قادرة على إنتاج النتائج القوية التي يدعونها.
ويؤكد هذا على أن الكيفية التي ينتج بها علماء الاجتماع ادعاءاتهم الارتباطية أو السببية لا يمكن النظر إليها بشكل مستقل عن الطريقة التي يتخذون بها القرارات اليومية غير العاكسة عادةً، مثل ما يقررون تحليله وكيف يبنون متغيراتهم وكيف يجمعونها ويستخدمون بياناتهم، والطرق التي يختارن تطبيقها وكيف يفسرون النتائج الإحصائية وما إلى ذلك. ويعد الفهم الأفضل للحدود المنهجية والتجريبية لتحليل العلاقة المحتملة بين ظواهر مثل عدم المساواة والأنظمة السياسية أمرًا مهمًا لكل من البحث والسياسة.
فغالبًا ما يدعي الاقتصاديون البارزون وعلماء الاجتماع الآخرون بشكل مضلل إنشاء علاقات سببية، وعندما يتم استخدام دراساتهم في إعلام السياسة العامة يمكن أن تؤدي مطالباتهم إلى نتائج اجتماعية سلبية، وعلى عكس الأدبيات الحالية يجادل علماء الاجتماع بأن الآليات السببية أو حتى الارتباط القوي الذي قد يربط توزيع الثروة الاقتصادية والأنظمة السياسية المختلفة لا يمكن تحديده بسبب عدد من القيود الهامة، ومثال على أحد القيود الرئيسية هو أن علماء الاجتماع مقيدون بشكل خاص في محاولة قياس الديمقراطية كمتغير إحصائي من أجل تحليلها.
وذلك لأن الديمقراطية هي مفهوم شامل يشمل أداء مجموعة من المؤسسات التي يصعب قياسها مع عدد من العوامل التي يمكن ملاحظتها وغير المرصودة، فالاختلافات بين المؤسسات الديمقراطية عبر البلدان كبيرة جدًا بحيث لا يمكن مقارنتها بشكل هادف من منظور الاقتصاد القياسي والمنهجية، علاوة على ذلك نظرًا لأن الديمقراطية بشكل عام متغير كلي يتم التقاطه بشكل إجمالي من خلال ملاحظة واحدة في البلد، فإن هذا التحليل مقيد إحصائيًا بالارتباطات التقريبية للغاية.
ومن المهم التأكيد على أن الظواهر الاجتماعية الديناميكية مثل الديمقراطية ليس لها طبيعة جوهرية ولا تلتزم بالقوانين الاجتماعية، وبالتالي فإن البيانات والأساليب المستخدمة لقياس الديمقراطية لا تسمح بقول أي شيء عن العلاقة السببية، ولا يمكن أن يؤدي استخدام مصادر بيانات جديدة أو تحليل فترات زمنية مختلفة أو استخدام تقنيات جديدة لتحليل البيانات إلى حل هذا السؤال أو تقديم استنتاجات عامة قوية حول هذه العلاقة المحتملة عبر البلدان.
مساهمة التأثير المجتمعي في حل المشكلات المجتمعية المعقدة
من المتوقع بشكل متزايد أن يساعد العلم في حل المشكلات المجتمعية المعقدة بالتعاون مع أصحاب المصلحة في المجتمع، ومع ذلك غالبًا ما يكون غير واضح تحت أي ظروف يمكن أن يحدث هذا، وأي نوع التحديات التي تحدث عندما يتفاعل العلم مع المجتمع ونوع توقعات الجودة السائدة، وهذا وثيق الصلة بشكل خاص بالعلوم الاجتماعية، والتي تعد جزءًا من الكائن الذي يدرسونه والذي تخضع معرفته دائمًا إلى المؤقت، فكيف يمكن للتأثير المجتمعي المساهمة في حل المشكلات المجتمعية المعقدة؟
وما هي التحديات التي قد تحدث عندما تتفاعل مع أصحاب المصلحة في المجتمع، وما هي توقعات الجودة التي تنشأ في هذه الترتيبات؟ يعتبر التأثير المجتمعي هو نموذج تقييم مهم بشكل متزايد في حوكمة العلوم، ويمكن رؤية هذا الاتجاه في تنفيذ أجندات التأثير على نطاق واسع في مختلف أنظمة البحث والابتكار على مدى العقد الماضي، فلم يعد يتم تقييم البحث وفقًا لأهميته العلمية وحدها ولكن أيضًا وفقًا للقيمة التي يبدو أنها تولدها للمجتمع.
ويحتل التأثير المجتمعي صدارة جدول أعمال صانعي السياسات وممولي البحوث، وإن كان ذلك في ظل مجموعة متنوعة من المصطلحات، وهذا التطور التدريجي للتأثير المجتمعي كنموذج تقييم سبقه تحول في المفهوم الأكاديمي للعلاقة بين العلم والمجتمع، والذي يمكن تلخيصه على إنه تحول من العجز إلى الحوار، ووفقًا لوجهة النظر هذه لم يعد العلم يوفر المعرفة لحل العجز ولكن يجب أن يطور معرفة قوية اجتماعيًا جنبًا إلى جنب مع أصحاب المصلحة المجتمعيين لحل المشكلات المجتمعية المعقدة.
ويمكن القول أن التأثير المجتمعي يقدم مساهمات لحل مشكلات مجتمعية مهمة، لكن هذه ليست مفهومة جيدًا لذلك يدرك علماء الاجتماع الحاجة إلى فهم التأثير المجتمعي بشكل أفضل من حيث ما يلي:
1- الدور الذي قد تلعبه هذه التأثيرات في التحديات المجتمعية.
2- المشاكل التي قد تنشأ في البيئات التفاعلية التي تشمل علماء الاجتماع وأصحاب المصلحة المجتمعيين.
3- توقعات الجودة التي توضع على تفاعلهم والتي يمكن أن تكون متضاربة.
4- الأهداف التي تحفز الدراسات الاستكشافية، ونتائج هذه الدراسات والآثار التي قد تترتب على تقييمها.
وهناك بعض الجدل حول الدور الذي يمكن أن يلعبه التأثير المجتمعي في معالجة المشكلات المجتمعية، فقد جادل بعض العلماء بأن هذه التأثيرات يجب أن تزيد وتؤكد إمكاناتها التحويلية، ويعزو علماء آخرون دورًا سلبيًا إلى حد ما، ويقترحون إنه يجب عليهم إنشاء معرفة النظام أي المعرفة التي تزيد من فهم المشكلة الاجتماعية، أو معرفة التوجيه أي المعرفة التي تساعد على تحديد إمكانيات العمل، علاوة على ذلك يمكن للمرء أن يجادل بأن القيمة العامة للتأثير المجتمعي لا يتم التقاطها بالضرورة من خلال فائدتها في حل المشكلات ولكن بدلاً من ذلك من خلال قدرتها على التفكير النقدي في المشكلة نفسها وحلولها المحتملة.