الحملات الصليبية في عهد الخليفة المستظهر بالله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المستظهر بالله:

هو أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدي بالله، ولد فى شوال من عام (470 هجري)، كان خيّراً فاضلاً، ذكياً، بارعاً، كتب الخط المنسوب، وكانت أيامه ببغداد كأنها أعياد، وكان راغباً في البر والخير، مُسارعاً إلى ذلك، لا يرد سائل، وكان جميل العشرة لا يصغى إلى أقوال الوشاة من الناس، ولا يثق بالمباشرين، وقد ضبط أمور الخلافة جيداً، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير، وله شعر حسن. بويع بالخلافة عند وفاة أبيه وعمره سبع عشرة سنة، وفي أيامه بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي. وتوفي عام (512 هجري).

الأحداث التي جرت في الحملات الصليبية:

لا يوجد هؤلاء القادة خطة على الأقل، ولم يساعد ملوك أوروبا في هذه الحملة لأن ملوك نصارى الأندلس كانوا مشغولين بقتال المسلمين، ولأن ملك فرنسا فيليب الأول وملك ألمانيا هنري الرابع كانا مطرودين من رحمة الكنيسة. بلغ عدد المشتركين النصارى في هذه الحملة التي عرفت باسم الحملة الصليبية الأولى أكثر من مليون غير أن عدد المقاتلين لم يزد فيها على ثلاثمائة ألف، والباقي إنما هم من المرافقين من الرجال والنساء.

وسارت هذه الحملات الصليبية إلى الدولة القسطنطينية وقد حسَّ إمبراطورها بالخوف منهم فاتفق مع بعض القادة على أن يمدهم بالمؤن والذخيرة وعلى أن لا يدخلوا المدينة، وأن يردوا عليه ما يستولون عليه من أملاكه. فاجتازوا البوسفور، ووصلوا إلى نيقية فحاصروها، ونقل أميرها قليج أرسلان مقره إلى قونية، واتفق مع الإمبراطور أن يدخل جنده نيقية دون القادمين من أوروبا وبهذا غضب الصليبيون لأن الإمبراطور بهذا التصرف لم يسمح لهم بنهب المدينة وبهذا يكون الإمبراطور البيزنطي قد دعم الصليبيين بكل قوته وسار معهم نحو نيقية.

وحصل خلاف بين الصليبيين القادمين من أوروبا والبيزنطيين إذ حسَّ الإمبراطور أنه لا يتمكّن من التفاهم مع هؤلاء القادمين فانصرف لاسترداد آسيا الصغرى من السلاجقة فاتجه نحو الغرب، ودخل أزمير، وأفسوس، وأخذهما من أمراء السلاجقة فيهما لانقطاعهم عن دولة السلاجقة، ولم يعد يدعم الصليبيين بل حرص أن يضم له ما أخذوه هم. فكان دعمه بقتال المسلمين بجهات ثانية، ثم بعد مُدة عاد لتقديم الدعم.

تكّون الاختلاف بين القادة الصليبيون بعضهم مع بعض فذهب بعضهم إلى الرها ليقوموا بتلبية دعوة أميرها فدخلها، كما أنه قام بتأسيس بها إمارةً نصرانية لاتينية، وكان يطمح بتأسيس دولة صليبية في أرمينيا، وقد دعمه في الأمر الأرمن. وسار باقي القادة إلى إنطاكية فألقوا الحصار عليها، ودخلوها عنوةً عام (491 هجري)، بعد حصار دام سبعة أشهر، وقتلوا من أهلها أكثر من عشرة آلاف، ومثلوا بالقتلى وبالناس، وفعلوا أبشع الجرائم، وولوا عليها أحدهم.

كما أنهم قاموا باستقبال النصارى من أهلها والأرمن الصليبيين بكامل الترحيب، ثم اتجهوا بعدها نحو بيت المقدس، فسار لقتالهم كربوقا صاحب الموصل، وصاحب دمشق دقاق، وصاحب حمص جناح الدولة غير أن الصليبيين قد انتصروا عليهم، ودخلوا معرة النعمان، ووصلوا إلى بيت المقدس، ودخلوها عام (492 هجري)، فقتلوا من أهلها أكثر من سبعين ألفاً، وخاضت خيولهم ببحر من الدماء، وانتخب غودفري ملكاً على بيت المقدس، وأخذ لقب حامي قبر المسيح.

وكان العبيديون قد عملوا على استغلال ذهاب الصليبيين من الشمال فذهبوا هم من الجنوب، ودخلوا القدس، وقاموا بطرد السلاجقة منها (قيل وصول الصليبيين إليها) وحدثت اتفاقيات بين الأفضل بن بدر الجمالي الوزير العبيدي وبين الصليبيين على أن يكون شمالي بلاد الشام للصليبيين وجنوبيها للعبيديين، ثم نقض الصليبيون العهد عندما شعروا بالنصر.

لقد خرست هذه الحملة الكثير من مُقاتليها فقد أتت بثلاثمائة ألف مقاتل، ودخلت إلى القدس بأربعين ألف مقاتل فقط، ومهما بالغنا بعدد المقاتلين الصليبيين الذين ساروا إلى الرها فإن عددهم لا يزيد على أربعين ألفاً، وبهذا يكون عدد من بقي من الصليبيين الذين جاءوا في الحملة الأولى ما يقرب من ثمانين ألفاً، ويكونوا قد فقدوا مائتين وعشرين ألفاً، قتلوا في المعارك، وقتلوا على أيدي الناس الذين كانوا يثورون على تصرف هؤلاء القادمين، يُثورون على كرهٍ.

ورغم تخوفهم الشديد، والإحساس بمصيرهم، يُثورون لأن حركات الصليبيين كانت على درجة من الإساءة والقباحة مما يؤدي إلى إثارة النفس مهما أشتد بها الإذلال والخوف. وبسيطرة الصليبيين على بيت المقدس ارتفعت معنويات سكان الإمارات، الإيطالية فبدأت سفنهم تجوب أطراف البحر المتوسط، وتقدم المساعدات والدعم للصليبيين فاستطاعوا أن يأخذوا حيفا وقيسارية عام (494 هجري).

واستولوا عكا عام (497 هجري)، واستولوا طرابلس عام (503 هجري)، بعد الحصارات التي دامت سنتين، كما أخذوا جبلة في العام نفسه، ثم أخذوا صيدا عام (504 هجري)، وطلب المسلمون هُدنة فرفض ذلك الصليبيون ثم وافقوا مُقابل مبالغ كبيرة يدفعها لهم المسلمون، وبعد أن استلموا الأموال غدروا بالمسلمين وذلك عام (504 هجري).

فتوحات وحصارات الصليبيين:

كما أنهم قاموا الصليبيون بمُحاصرة مدينة صور عام (505 هجري)، وكانت على يد العبيديين، فقاموا بتزويدهم بالمؤونات والاحتياجات طغتكين صاحب دمشق فامتنعت صور عن الصليبيين. أما من جهة الداخل فقد جاء الصليبيون من جهة الجنوب فالتقى بهم صاحب دمشق أمين الدولة وهزمهم ولاحق فلولهم الذين وصل بعضهم إلى ملاطية، وقد استطاع أن يدخلها، وأن يتملكها وذلك عام (493 هجري).

ودخلوا الصليبيون دمشق من ناحية الشمال عام (497 هجري)، ولكنهم خسروا وأُسر أمير الرها الصليبي، غير أنهم تمكنوا في السنة نفسه أن يُهاجموا حصون أفاميا. لقد دعم العبيديون الصليبيين في أول الأمر، ووجدوا فيهم حلفاء طبيعيين. ضد السلاجقة خصومهم، وقد ذكرنا أنهم اتفقوا معهم على أن يحكم الصليبيون شمالي بلاد الشام ويحكم العبيديون جنوبيها، وقد دخلوا بيت المقدس، غير أن الصليبيين عندما أحسّوا بشىءٍ من النصر تابعوا تقدمهم، واصطدموا بالعبيديين.

وحدثت النزاعات بينهما فالعبيديون قد حاربوا الصليبيين ليُدافعوا عن مناطقهم ولخوفهم على أنفسهم ولم يُحاربونهم ليُدافعوا عن الإسلام وحفظاً لأبنائه، ولو ظلَّ الصليبيون على اتفاقاتهم مع العبيديين لكان من الممكن أن يقوموا بتقسيم معهم ديار الإسلام. لقد استقبل سُكان البلاد من النصارى والأرمن الصليبيين استقبالاً حاراً، ورحبوا بهم ترحيباً كبيراً، وقد ظهر هذا في أثناء دخولهم إنطاكية وبيت المقدس،

كما قد ساعدوهم في أثناء مُكوثهم أيام مُكوثهم في البلاد، حيث قاموا بتقديم لهم كافة الإحتياجات، وحاربوا المسلمين، وكانوا يطلّعون عليهم الصليبيين. وتكونت أربع إمارات صليبية في بلاد الشام وهي: إمارة في الرها، إمارة في طرابلس، إمارة بيت المقدس، إمارة إنطاكية. لم يجد الصليبيون الأمن والاستقرار في بلاد الشام في المناطق التي سيطروا عليها.

وكونوا فيها إمارات رغم فتوحاتهم، إذ كان المسلمون ينالون منهم كلما أتضحت لهم الفرصة، كما يغير عليهم الحكام المسلمون في سبيل إخراجهم من البلاد، ودفاعاً عن عقائدهم ومقدساتهم التي كان الصليبيون يتتهكونها.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (243 – 246)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: