ما هي أبزر الحملات الصليبية؟

اقرأ في هذا المقال


الحملة الصليبية الرابعة:

بعد وفاة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله عام (589 هجري)، رأى البابا أن أمر المسلمين سيتفرق لذا فيجب الاستعداد لانطلاق حملة صليبية رابعة تستردّ القدس ثم تأخذ كل ما قد سبق واحتلوه، ودعا البابا أنوسنت الثالث أمراء النصارى إلى هذا عام (594 هجري)، وتولّى عدد من الأمراء هذه الدعوة وعلى رأسهم الفرنسيون.

ورأوا أن تسير الحملات إلى مصر ومنها تتجه إلى القدس، كما رأوا أن يحتاجوا بالأسطول البندقي لنقل المُحاربين بحراً فاشترطت البندقية مُساعدة الصليبيين لها لاسترداد مدينة (زارا) من الهنغاريين فاستجاب الصليبيون لذلك من غير موافقة البابا وتم للبنادقة ما أرادوا.

وبينما كان الكل يتجهزون للانطلاق إلى مصر إذ يثور في القسطنطينية الأمير الكسيوس على أبيه الإمبراطور إسحاق الثاني، وتفشل ثورته فيفرّ إلى الغرب، ويطلب من البابا ومن الصليبيين مُساعدته ضد أبيه، ويتعهد في حالة نجاحه إخضاع الكنيسة البيزنطية للبابوية، كما يتعهد بمُساعدة الصليبيين في حملتهم ولقي هذا المطلب هوى في نفس البابا ومن الصليبيين فساروا براً نحو القسطنطينية واحتلوها عام (600 هجري)، وخرّبوها.

وتمنى أهلها أن يكون المحتلون المسلمين لا النصارى لأنهم كانوا يجدون الرحمة المعروفة عند المسلمين والمنزوعة من نفوس النصارى. وهكذا فشلت الحملة الصليبية الرابعة ولم تؤد غرضها، وإنما أظهرت للناس جميعاً أن الحملات الصليبية كانت وحشيةً مُعبأةً بالحقد والضغينة على المسلمين، وكان من نتائجها أن ترك بعض الصليبيين بلاد الشام، واتجهوا إلى قبرص أو اليونان ليعيشوا حياةً رغيدةً بعدما عاشوا حياة مليئة بالأحداث الدامية. كما زادت من الخلاف بين النصارى البيزنطيين والنصارى الغربيين.

الحملة الصليبية الخامسة:

كان الصليبيون يُحاولون في حصن الأكراد السيطرة على حمص عام (604 هجري)، فطلب حاكمها أسد الدين شيركوه الثاني المساعدة من حاكم حلب الملك الظاهر كما أنهم قاموا بمُقاومة الصليبيين. وهاجم القراصنة الصليبيون في قبرص بعض السفن المصرية، وأخذوا من فيها أسرى فسار الملك العادل الأيوبي نحو عكا، وأجبر الصليبيين أن يردوا الأسرى المسلمين.

ثم سار الملك العادل إلى حمص لدعمها، وأغاز على حصن الأكراد، وعلى طرابلس، فاضطر صاحب طرابلس الصليبي بوهيمند الرابع إلى عقد صلح مع العادل، كما عقد الملك حنا برين صلحاً مع الملك العادل لمدة ست سنوات، ولكنه في الوقت نفسه كان يُراسل البابا، ويطلب منه الدعم والعمل لإرسال حملة صليبية جديدة تصل إلى بلاد الشام مع انتهاء الصلح الذي يمتد من (608 – 614 هجري).

قام البابا أنوسنت الثالث دعوته إلى تجهيز جيش صليبي بشكل مُباشر يوجهه نحو بلاد الشام مباشرةً، ودخلت الحملات برئاسة دوق النمسا ليوبولد، وملك هنغاريا أندريه الثاني، ثم التحق إليهما ملك قبرص بهمايو، ووصلت هذه الحملة الصليبية الخامسة إلى بلاد الشام (615 هجري)، واجتمعت جموعها في عكا، وساروا، فاستولوا على بيسان في الغور، ووصلوا إلى بلدة نوى.

ولم يكن ملك هنغاريا على وفاق مع دوق النمسا لذا قرر العودة إلى بلاده. وخرج حنا برين للهجوم على دمياط وجاءته جموع صليبية بإمرة مندوب البابا الكاردينال (بلاغيوس)، وجموع من قبرص. وتوفي الملك العادل، وخلفه ابنه الكامل الذي جاءه دعم من أخيه المُعظم صاحب دمشق.

ولكن بدأ في هذا الوقت الهجوم المغولي قام الكامل بعرض اتفاقية الصلح فلم يتقبّله الصليبيون الذين سيطروا على دمياط، وشعروا بنشوة الظفر، فقرروا الهجوم على القاهرة لكنهم فشلوا بسبب الفيضانات التي حدثت بقطع المسلمين السدود، فطلبوا الصلح، وسلموا رهائن، وهم صاغرون حتى يجلوا عن دمياط، وتم الجلاء عام (618 هجري)، وهكذا فشلت الحملة الصليبية الخامسة، ولم تحقق شيئاً.

الحملة الصليبية السادسة:

ضعف أمر الصليبيين، واهتزَّ مركزهم، وهذا ما جعل بعضهم يتجه إلى البابا ويطلب منه العمل على إرسال حملة تعيد لهم وضعهم السابق غير أن البابوية كانت في صراع مع الأمراء والمتنورين فلم يكن بإمكانها تلبية الطلب سريعاً. ومن ناحيةٍ أُخرى ضَعُفَ مركز الأيوبيين، وبدأت خلافاتهم بعضهم مع بعض تظهر فقد دب الخلاف بين أبناء الملك العادل أخي صلاح الدين، وتسلّم الكامل السلطنة، واختلف مع أخويه الأشرف والمعظم، فخاف الكامل على سلطانه.

وفي الوقت نفسه فقد هددت العراق والشام من قبل الخوارزميين الذين تجمعوا في أصفهان بعد أن شرّدهم المغول، وهذا ما جعل الملك الكامل يطلب نجدة من إمبراطور ألمانيا فريدريك الثاني الذي وافق على ذلك إذ عرض عليه الكامل تسليمه القدس، وشجعه البابا هنريوس الثالث، ثم البابا غريغوري الذي جاء بعد الأول، فأبحر فريدريك من جنوبي إيطاليا، ثم رجع عن رأيه، وعاد مُظهراً المرض، فأصدر البابا قرار الحرمان ضده عام (624 هجري).

وخاف الإمبراطور من غضب البابا وانطلق نحو المشرق مُتجهاً نحو عكا، ووصل رجاله إليها عام (625 هجري)، بينما تخلف الإمبراطور في قبرص ثم لحق بهم بعد مُدة. لم يكن لوصول هذه الحملة الصليبية السادسة أي آثار إذ أن الإمبراطور فريدريك لم يرغب في محاربة المسلمين، وإنما يرغب في الحصول على بيت المقدس، والملك المعظم قد مات، ولم يعد الملك الكامل يخشاف ولم يرغب في قتال الصليبيين لأن استعداداته قليلة، والصليبيون لم يتقبلوا مجيء الحملة لأن قائدها على خلاف مع البابا.

غير أن الكامل قد وافق وسلّم الإمبراطور القدس، فتُوِجَ فريدريك نفسه على غير رضىً من الكنيسة، وعقد هُدنة مع الكامل لمدة عشر سنوات، وذلك في يافا عام (626 هجري)، ورجع فريدريك إلى بلاده إلا أن البابا حرّض على التعدي على أملاك فريدريك في إيطاليا، ووصل فريدريك إلى إيطاليا عام (626 هجري)، وهكذا انتهت الحملة الصليبية السادسة وإن لم تقاتل إلا أنها تسلمت القدس من الكامل الذي أضاع ما بذله عمه صلاح الدين.

الحملة الصليبية السابعة:

ضعف الأيوبيون، وشجع تسليم الكامل بيت المقدس الصليبيين فهاجموا صاحب حماه الملك المظفر، وكان يدفع أتاوة لهم غير أنه انتصر عليهم، ولكنهم بقوا يغيرون على بلاده، وزاد من ضعف الأيوبيين قتالهم لخوارزمشاه، وسلاجقة الروم بقيادة علاء الدين كيقباد، ثم انقسام بعضهم على بعض إذ عمل إخوة الملك الكامل على الإطاحة به غير أنهم فشلوا، وتوفي عام (635 هجري).

وهذا كله أطمع الصليبيين في ديار المسلمين إذ توقعوا أن يحصلوا على نصر مبين، فدعت الكنيسة إلى إعداد حملة صليبية جديدة، وهي الحملة السابعة، فاستعد الفرنسيون وانطلقت بقيادة ثيبوب الرابع فوصلت إلى عكا عام (637 هجري). ولمّا كان الناصر داود أمير الأردن قد هاجم القدس وفتحها لأن الصليبيين نقضوا ماعاهدوا عليه من عدم تحصينها، وبذا رجعت منطقة مسلمة، واختلف الصليبيون فيما بينهم على جهة السير فمنهم من يرى القدس، ومنهم من يرى دمشق، ومنهم من يُريد عسقلان، وآخر يبغي مصر.

ثم اتحدت كلمتهم إلى السير إلى عسقلان، ولكنهم هزموا أمام المسلمين فرجعوا هاربين إلى عكا. وفي عام (637 هجري)، عزل العادل الثاني، وتسلم الأمر الصالح نجم الدين أيوب، فغضب من ذلك الصالح إسماعيل، وتحالف مع الصليبيين ضد بقية أمراء بني أيوب، وسلم الصليبيين مُقابل هذا الاتفاق القدس وعسقلان وطبريا.

إلا أن العزّ بن عبد السلام قد انسحب من جيشه ومعه عدد كبير، وانضم إلى جيش الصالح نجم الدين أيوب فهزموا الصليبيين هزيمة كبيرة، وبهذا فشلت الحملة الصليبية الفرنسية، واضطرت إلى العودة إلى بلادها بعد أن عقدت صلحاً عام (639 هجري)، مع الصالح نجم الدين أيوب.

حملة ريتشارد كورنول الصليبية:

وبعد عودة الحملة الفرنسية جاءت حملة إنكليزية بقيادة ريتشارد كورنول أخي ملك إنكلترا هنري الثالث، غير أن الصالح نجم الدين أيوب تحالف مع الخوارزميين ضد أُمراء بني أيوب الذين اتفقوا مع الصليبيين فاتجه الخوارزميون نحو بلاد الشام، ودخلوا القدس عام (642 هجري)، وانتصروا على الصليبيين في غزة انتصاراً باهراً، وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب بجانب الخوارزميين، ويقود جيوشه الظاهر بيبرس، وغدا الصالح نجم الدين أيوب صاحب النفوذ في مصر والشام وفلسطين، وأظهر أُمراء بني أيوب له الطاعة.

حملة لويس التاسع الصليبية:

حاول بطريق القدس أن يقوم بحملة صليبية جديدة بميوله المستمر نحو هذا الإلحاح غير أنه لم يوفق، وفي عام (646 هجري)، قاد ملك فرنسا لويس التاسع حملة صليبية فرنسية بعد أن عوفي من مرضه، ومرت الحملة على قبرص، وراسلت المغول ثم اتجهت إلى مصر فاحتلت دمياط.

وجاءت نجدة فرنسية بقيادة الفونس أخي لويس التاسع، ومات الملك الصالح نجم الدين أيوب، وملكت الأمر زوجته شجرة الدر، وقامت بإستدعاء ابنه توران شاه فجاء مُباشرة إلى أرض المعركة فانتصر على الصليبيين وقتل أخا الملك لويس التاسع وهو روبرت، فانسحب الصليبيون إلى دمياط، وفاوض الملك لويس التاسع توران شاه في أن يسلم الأيوبيين دمياط مقابل تسليمهم القدس له فرفض طلبه.

ودارت معركة أُخرى بين الطرفين انتصر فيها المسلمون نصراً مؤزراً، وأسر ملك فرنسا لويس التاسع، ولم يطلق سراحه حتى أمليت الشروط على الصليبيين فوافقوا عليها، وانسحبوا إلى عكا، ثم انسحب لويس التاسع إلى فرنسا عام (652 هجري)، بعد أن فشل في التحالف مع بعض الأمراء الأيوبيين بل ومع المغول الذين كانوا لا يزالون بعيدين عن ساحة المعركة. وبعد أن جاء المماليك قضوا على ما بقي للصليببين من آثار في بلاد الشام.


شارك المقالة: