الخليفة المسترشد بالله الفضل بن أحمد المستظهر

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المسترشد بالله الفضل بن أحمد المستظهر:

هو الفضل بن أحمد المستظهر، أبو منصور، المسترشد بالله، أنشئ في ربيع الأول سنة (485 هجري)، ووالدته أم ولد، تمَّ مُبايعته بالخلافة عند وفاة أبيه في ربيع الثاني سنة (512 هجري)، فكان عمره يومذاك سبعاً وعشرين سنة. كان ذا همةٍ عاليةٍ، وشهامةٍ زائدة، وإقدام ورأي، وهيبة شديدة، ضبط أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب، وأحيى رسم الخلافة، ونشر عظمها، وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها، وباشر الحروب بنفسه.

وقال ابن كثير: وقد كان المُسترشد شُجاع، مِقدام، ذو همة عالية، فصيحاً اللسان بليغاً، يتحدث بكلام عذب حُسن الإيراد، مليح الحظ، كثير العبادة، مُحبباً إلى العامة والخاصة، وهو آخر خليفة رؤي خطيباً، قتل وعمره خمس وأربعون سنة، وثلاثة أشهر، وكانت مُدة خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوماً.

الأحداث التي جرت بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود:

حدث خلاف بين الخليفة المسترشد بالله وبين السلطان مسعود السلجوقي، فسار أحدهما للآخر، والتقى الجمعان، ففر كثير من عسكر الخليفة فانتصر مسعود، وثبت الخليفة فأسر ومعه عدد من خاصته فساقهم مسعود إلى همذان وسجنهم بقلعة قربها، ولمّا وصل الخبر إلى أهل بغداد حثوا التراب في الأسواق على رؤوسهم، وبكوا وضجوا، وخرجت النساء سافرات يندبن الخليفة، ومنعوا الخطبة.

ووصل الخبر إلى السلطان سنجر السلجوقي عم السلطان مسعود، وعلم ما فعله أهل بغداد بأنفسهم فكتب كتاباً إلى ابن أخيه يقول فيه: ساعة يقف الولد يغيث الدُنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين، ويقبّل الأرض بين يديه، ويسأله العفو والصفح، ويتنصل غاية التنصل.

فقد تشكّلت عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا جهد لنا بالإستماع مثلها، بالإضافة عن المُشاهدة، من العواصف، والبروق والزلازل، وبقي ذلك عشرين يوماً، وتشويش العساكر، وانقلاب البلدان، ولقد خفت على نفسي من جانب الله، وظهور آياته، وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع، ومنع الخُطباء ما لا طاقة لي بحمله، فالله الله تتلافى أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزّه، وتحمل الغاشية بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا، ففعل مسعود جميع ما أمره به وقبل الأرض بين يدي الخليفة، ووقف يسأل العفو.

ثم بعث سنجر رسولاً آخر ووراءه عسكر يحثّ مسعوداً على إرجاع الخليفة إلى مكان عزّه، فأتى في العسكر سبعة عشر من الباطنية، فقد تمَّ ذكر أن مسعوداً ما علم بهم وقيل: بل علم بهم، وقيل: بل هو الذي دسّهم، فهجموا على الخليفة في خيمته، ففتكوا به، وقتلوا معه جماعةً من أصحابه، فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم، فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله.

وجلس السلطان للعزاء، وأظهر المساءة بذلك، ووقع النحيب والبكاء، وجاء الخبر إلى بغداد، فاشتد ذلك على الناس، وخرجوا حُفاةً محرّقين الثياب، والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المرائي، لأن المسترشد كان مُحبباً فيهم لبره، ولِمَا فيه من الشجاعة والعدل والرقق بهم. وكان قتل المسترشد رحمه الله، بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة سنة تسع وعشرين، وكان شاعراً، فقد قال يوم أسر: ولا عجباً للأُسدٍ إِنْ ظَفِرَتْ بها كلابُ الأعادي من فصيح وأعجم فحربةُ وحشيٍ سقتْ حمزةَ الردى وموتُ عليٍ من حسامٍ ابن ملجم.


شارك المقالة: