الدويلات في عهد الخليفة المستظهر بالله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المستظهر بالله:

هو أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدي بالله، ولد فى شوال من عام (470 هجري)، كان خيّراً فاضلاً، ذكياً، بارعاً، كتب الخط المنسوب، وكانت أيامه ببغداد كأنها أعياد، وكان راغباً في البر والخير، مُسارعاً إلى ذلك، لا يرد سائل، وكان جميل العشرة لا يصغى إلى أقوال الوشاة من الناس، ولا يثق بالمباشرين، وقد ضبط أمور الخلافة جيداً، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير، وله شعر حسن. بويع بالخلافة عند وفاة أبيه وعمره سبع عشرة سنة، وفي أيامه بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي. وتوفي عام (512 هجري).

‏دولة السلاجقة:

أصبح بركيارق سلطان السلاجقة في بغداد عام (487 هجري)، وكان عمه تُتُش تاج الدولة صاحب دمشق قد طمع بالسلطنة. وسار بالجيش نحو بغداد، ووجد آق سنقر صاحب حلب نفسه بحاجه إلى الانضمام إليه لعدم إمكانية مقاومته، وكذا صاحب الرها بوزان هذا بالإضافة إلى أن استقرار سلطنة بركيارق قد جاءت متأخرة، وقد استطاعت قوات تُتُش والأمراء المتحالفين معه الاستيلاء على أكثر مدن الجزيرة، وهزموا جيوش بني عقيل في الموصل، ثم اتجهوا إلى أذربيجان لمُلاقاة بركيارق.

وما أن التقى الجيشان حتى تمكّن آق سنقر أن يلعب دوراً لدى مصلحة بركيارق إذ أقنع بعض الأمراء بضرورة الوفاء لسلطانهم، فانسحبوا من جيش تُتُش، وانضموا إلى جيش بركيارق، وهذا ما أضعف تُتُش فانسحب بمن معه إلى بلاد الشام. كان آق سنقر مملوكاً تركياً من مماليك ملكشاه، وقد تربى معه منذ الصغر، فلما تولّى ملكشاه السلطنة عام (465 هجري)، بلغ آق سنقر عنده منزلةً رفيعة إذ كان يعتمد عليه في المهمات، وفي عام (477 هجري).

أمره ملكشاه أن يسير مع عميد الدولة بن فخر الدولة للاستيلاء على الموصل من بني عقيل، كما سار عام (479 هجري)، مع ملكشاه للسيطرة على حلب من نواب آل عقيل فلما تم لهما ذلك أعطاه ولايتها، ولقبه قسيم الدولة، كما لقبه الحاجب، تسلّم آق سنقر حلب وأعمالها مثل منبج واللاذقية وحماه، ثم فرض طاعته على شيزر عام (481 هجري)، ثم ضم إليه حمص عام (483 هجري)، وقلعة أفاميا عام (484 هجري)، وقتل في (9) جمادى الأولى عام (487 هجري).

أعطى بركيارق الأوامر لقائده الجديد آق سنقر بالذهاب إلى حلب والتضييق على عمه تُتُش، وأمدهُ بقوةٍ كبيرةٍ، وسار تتش نحو آق سنقر والتقيا على مقربة من حلب وهُزم آق سنقر وأُسر وقُتل. اتبع آق سنقر مع سكان ولايته سياسةً عادلةً. فأحسن السيرة فيهم، ونشر العدل بينهم، وكان شديد التقوى، عميق الإيمان، أنفق الكثير من الأموال على إعمار مسجد حلب، وأقام الحدود الشرعية في بلاده، وكان ‏ كما وصفه ابن واصل ذا وفاء عظيم،‏ وحسن عهد، ومروءة غزيرة.

وإنما كان قتله وفاءً لسلطانه ورب نعمته: ملكشاه، وحفظاً لولده ‏ بركيارق من بعده. وسار تتش بعد ذلك لقتال ابن أخيه بركيارق في الريّ، غير أنه هُزم وقُتل، وابنه دقاق، وكان قتله على يد أحد مماليك آق سنقر. وكان يوسف بن أبق التركماني قد سار إلى بغداد ليدعو إلى تتش فلما وصل إليه خبر مقتل تتش عاد إلى دمشق وامتلكها، وكان عبد الله بن تتش في حلب، ورضوان بن تتش في حماه.

وثار في خراسان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان على ابن أخيه بركياق فحاربه عام (490 هجري)، غير أن أرسلان أرغون قد قتل، وسلّم بركياق أخاه سنجر بلاد خراسان مكان عمه المقتول. كان المؤيد الملك بن نظام الملك من أنجب أبناء نظام الملك، وكان وزير بركيارق غير أن بركيارق لم يلبث أن عزله وولى مكانه أخاه عز الملك وأبا الفتح علي بن الحسين الطغرائي الشاعر المعروف فأصبح مؤيد الملك عدوا لبركيارق.

واستطاع أن يؤثر على الخليفة فيُقلّد السلطنة إلى محمد أخي بركيارق وقد لقبه (غيات الدنيا والدين)، وقد طالت الحرورب التي نشبت بين الفريقين حتى زادت على خمس سنوات، يتصالحان ثم يعودان إلى القتال.

توفي عام (498 هجري)، بركيارق فكان وراءه ولده ملكشاه وسماه الخليفة جلال الدولة غير أنه كان عمره صغير لم يتجاوز الخامسة من عمره، ولم يتم له الأمر سوى شهر حتى عزل وخلا الجو لمحمد بن ملكشاه وبقي في السلطنة حتى عام (511 هجري)، ولعل أهم الحوادث التي وقعت في أيامه.

1- مناوأة ابن عمه أياز الذي حاول استلام السلطنة.

2- حرب صلقة بن مزيد صاحب البصرة، والحلة، وواسط، الذي انضم إلى الأمير ابن أياز، وقد قام بالاستيلاء على تكريت عام (499 هجري)، وانتصر على السلاجقة ثم هُزِمَ، وقُتل في عام (501 هجري)، كما أسر ابنه دبيس، وهرّب ابنه الآخر إلى الحلة. وكان صدقة بن مزيد جواداً، حليماً، صدوقاً، كثير البر والإحسان، ما برح ملجأ لكل ملهوف، يلقى من يقصده بالبر والتفضيل، ويبسط قاصديه ويزورهم. وكان عادلاً، والرعايا معه في أمنٍ ودعةٍ.

وكان عفيف النفس لم يقوم بالتزوج على امرأته ولا تسرى عليها، ولم يُحاكم أحداً من مساعديه، ولا أخذهم بإساءة قديمة، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته، ويدلون عليه إدلال الولد على الوالد، ولم يسمع برعيةٍ أحبت أميرها كحب رعيته له، وكان مُتواضعاً مُحتملاً، يحفظ الأشعار ويُبادر إلى النادرة رحمه الله لقد كان من محاسن الدنيا.

ورجع السلطان إلى بغداد، ولم يقم بالوصول إلى الحلة، وبعث إلى البطيحة الأمان لزوجة صدقة وقام بإعطاءها الأوامر بالظهور، فأصعدت إلى بغداد فأطلق السلطان ابنها دبيساً، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها فلمّا لقيها ابنها بكيا بُكاءً شديداً، ولمّا وصلت إلى بغداد أحضرها السلطان، واعتذر عن قتل زوجها، وقال: وددت أنه حمل إليّ حتى كُنت أفعل معه ما يُعجب الناس به من الجميل والإحسان لكن الأقدار غلبتني، واستخلف ابنها دبيساً لأنه لا يسعى بفساد.

3- الحروب مع الباطنية: تكاثرمُتابعين الباطنية في أصبهان عام (492 هجري)، ثم توسعوا إلى العراق نتيجة الخلاف على السلطنة بين بركيارق ومحمد، فلما صفا الجو للسلطان محمد جرّد حرباً على الباطنية واستطاع عام (500 هجري)، أن يحتلّ قلعة أصبهان.

4- القتال مع الصليبيين: إذ بعث السُلطان غياث الدين محمد بن ملكشاه جيشاً كبيراً، وذهب به أيضاً أُمراء الموصل والجزيرة، واتجهوا إلى بلاد الشام، وحاصروا الرها غير أنهم لم يتمكنوا من دخولها، وتابعوا سيرهم، وسار معهم سلطان بن منقذ بن أمير شيريز، كما حصل قتال عام (507 هجري)، عند طبريا وانتصر فيه المسلمون، وقد قُتل يومئذ مودود صاحب الموصل بدمشق على يد أحد الباطنيين. كما أمر بتسيير الجيوش عام (509 هجري)، لحرب الصليبيين. وكان السلطان محمد عادلاً، حُسن السيرة، شُجاعاً، وتوفي عام (511 هجري)، وخلفه ابنه محمود، وكان عُمره أربع عشرة سنة.

دولة خوارزم:

لمّا مات أنوشتكين خلفه ابنه قطب الدين، وكان ذا همةٍ عاليةٍ فعينه السلطان بركيارق حاكماً على بلاد خوارزم، ولقبه شاه أي ملك، وعندما ملك سنجر خراسان أقرَّ قطب الدين على ما تحت يده، وبقي مُدة حياته خاضعاً للسلطان إذ توفي عام (521 هجري). وفي بلاد ما وراء النهر قُتل أحمد خان صاحب سمرقند لأنه أظهر الزندقة فقبض عليه الأُمراء وأحضروا الفُقهاء فأفتوا بقتله فقُتل.

دولة الغزنويون:

توفي ظهير الدين إبراهيم بن مسعود عام (492 هجري)، وخلفه ابنه مسعود الثالث، وظل حتى عام (508 هجري)، إذ توفي وخلفه أبناؤه الثلاثة:

  1. شيرزاد: ولقب كمال الدولة وتوفي عام (509 هجري).
  2. أرسلان: ولقب سلطان الدولة وتوفي عام (512 هجري).
  3. يهرام شاه : ولقب يمين الدولة، واستمر في حكمه حتى عام (547 هجري).

دولة العبيديون:

توفي بدر الجمالي صاحب جيوش مصر، ومدبر المملكة العبيدية عام (487 هجري)، وكان عاقلاً، كريماً، مُحباً للعلماء، وقام مقامه ابنه الأفضل، ثم توفي المستنصر العبيدي في العام نفسه، وكان قد عهد إلى ابنه الأكبر نزار إلا أن الأفضل بن بدر الجمالي قد خلع نزاراً، وولّى مكانه أخاه الأصغر أحمد ولقبه المستعلي، فهرب نزار إلى الإسكندرية وتحصّن بها، وأخذ البيعة فيها لنفسه، فسار إليه الأفضل وتمكن من هزيمته وأسرف وسجنه بين جدارين إلى أن مات، واستقر الأمر للمستعلي.

وفي عام (490 هجري)، خطب للعبيديين لمُدة شهر في حلب، وأنطاكية، والمعرة، وشيزر، ثم أعيدت الخطبة للعباسيين. وتوفي المستعلي عام (495 هجري)، وعمره ثمان وعشرون سنة، وقد حكم منها ما ينوف على السنوات السبع، وخلفه ابنه المنصور أبو علي، وعمره خمس سنوات، ولقب الآمر بأحكام اللّه، وقام بتدبير الدولة الأفضل بن بدر الجمالي.

وبقيت بجانب نزار، ولمّا مات بقيت على رأيهم الخلافة أو الإمامة في عقبه، وتعرف هذه المجموعة بالإسماعيلية الشرقية، ومنها جماعة الحسن بن الصباح أو الذين عرفوا بالباطنية كجزء من كل، وهم الذين كان لهم الدور الكبير في الاغتيالات السياسية التي تعرّض لها كثير من زعماء المسلمين وهم على ثغور الجهاد ضد النصارى في الحروب الصليبية أو في أماكنهم.

دولة آل زيري:

توفي تميم بن المعز بن باديس عام (502 هجري)، وكان من سخيار الملوك ذو حلم وكرم وإحسان، ملك ستاً وأربعين سنة، وعمر تسعاً وتسعين سنة، وملك بعده ابنه يحيى. وفي هذه السنة في رجب توفي تميم بن المعز بن باديس صاحب إفريقية، وكان شهماً، شُجاعاً، ذكياً، له معرفة حسنة، وكان حليماً كثير العفو عن الجرائم العظيمة وله شعر حسن.

قام يحيى بالأمر، وكان من قبل والياً على المهدية منذ عام (497 هجري)، من قبل أبيه، ولمّا استقل جعل الخطبة للعبيديين، وكانت للعباسيين. كان عاقلاً، شُجاعاً، محباً للفتح، بنى أسطولاً ضخماً غزا به جنوه وسردينيا، وضع على أهليهما الجزية، وله اطلاع على الأدب، كان يقول الشعر، وتركه بعد أن تولى. مولده ووفاته في المهدية.

كان قد نفى بعض إخوته من بلاد فاحتال عليه ثلاثة منهم، وأثخنوه بجراح سنة (507 هجري)، ومات بعد ذلك فجأة عام (509 هجري)، يوم عيد الأضحى، وخلفه ابنه علي، وحدثت معارك بينه وبين الأعراب، واشتد ما بينه وبين روجر الثاني صاحب صقلية فأعد عدته ليُهاجم صقلية فعاجلته المنية، وكان شُجاعاً، حازماً، توفي عام (515 هجري). أما بنو حمّاد في بجاية فقد توفي عام (500 هجري)، باديس بن المنصور، وخلفه أخوه العزيز.


شارك المقالة: