الدولة الطولونية:
تقلّد القائد (بايكباك)، مصر فأرسل إليها من قبله أحمد بن طولون، فدخلها عام (254 هجري)، وقُتل (بايكباك)، عام (256 هجري)، وتولى أمر مصر (يارجوخ)، وهو صهر أحمد بن طولون فكتب إليه (تسلّم من نفسك لنفسك)، وبذلك أقرّه على ما بيده، وزاد في سلطته بأن استخلفه على مصر كلها فقوي مركزه وتغلب على منافسيه.
وفي عام (259 هجري)، مات (يارجوخ)، حاكم قطاعات مصر الذي كان ابن طولون يحكُمها في غيابه، ويقوم بالدعوه له على منابر المسجد بعد الخليفة، فتوطدت قدمه في هذه البلاد، وأصبح والياً عليها من قبل الخليفة مباشرةً، وفي عام (263 هجري)، كتب الخليفة المُعتمد إلى ابن طولون يستحثه على إرسال الخراج، فردٌ عليه (لست أطيق ذلك والخراج في يد غيري)، فقلده خراج مصر، وولّاه الثغور الشامية.
وبذلك أضحت كافة الأعمال المصرية الإدارية والقضائية والعسكرية والمالية بين يديه. كان الخليفة المُعتمد على الله يميل إلى أحمد بن طولون غير أن أنخاه الموفق كان لا يرغب فيه وأمور الدولة بيد الموفق، وهذا ما أجبر الخليفة على عزله عن الثغور الشامية، ولكنه عاد فردّها إليه مُستفيداً من انشغال أخيه الموفق بحرب الزنج ومُحتجاً باضطراب تلك الثغور بعد إبعاد ابن طولون عنها. وعندما توفي والي الشام (ماجور)، سار إليها فدانت له مُدنها، ودُعي له على منابرها عام (265 هجري).
ووصل إلى أنطاكية وقد خاف منه الروم فبعثوا له الهدايا، ثم اضطر إلى الانسحاب منها بعد خلع طاعة ابنه العباس إذ رجع إلى مصر، فانسحب ابنه إلى برقة، فأرسل إليه جيشاً أعاده فسجنه والده حتى مات. ترك مولى ابن طولون (لؤلؤ)، سيّده، وكان واليه على الرقة، وحمص، وحلب، وقنسرين وانحاز إلى جانب الموفق فسار ابن طولون إلى بلاد الشام، وأراد الخليفة المعتمد على الله الالتجاء إليه، والتخلّص من أخيه الموفق الذي شعر بأن كل شيءٍ في الدولة أصبح بيده.
غير أن والي الموصل والجزيرة إسحاق بن كنداج قد ردّ الخليفة إلى سامراء، وأعلن الخليفة عن عزل ابن طولون عن مصر، وإعطائها إلى إسحاق بن كنداج، فضعف مركز ابن طولون، وهُزمت جيوشه في طرسوس، كما هُزمت في مكة، غير أن ابن كنداج لم يستطع الوصول إلى مصر فبقيت لابن طولون الذي توفي في العام التالي، فاختار الجند ابنه خمارويه والياً على مصر، ولم يكن للخليفة إلا أن يوافق على ذلك.
سار جيش الخليفة من بغداد وجيش خمارويه من مصر، وحققت النصر جيش الخليفة وثم سارت إلى دمشق بعد حرب الطواحين عام (271 هجري)، فذهب خمارويه بقيادة جيشه ووصل دمشق عام (273 هجري)، وواصل التقدم، ثم جرى الصلح بين الطرفين، ووافق الخليفة وأخوه الموفق على إعطاء مصر لخمارويه وأولاده لمدة ثلاثين سنة.
واختلف إسحاق بن كنداج صاحب الموصل وابن أبي الساج صاحب قنسرين فدعا ابن أبي الساج إلى خمارويه فدعمه، وحارب إسحاق بن كنداج الذي فرَّ إلى قلعة ماردين، وأخذ ابن أبي الساج الموصل والجزيرة، وخطب على منتابرها الخمارويه، ثم عاد فاختلف معه عام (275 هجري)، واقتتلا عند ثنية العقاب (الثنايا) شمال شرقي دمشق فهُّزم ابن أبي الساج، ولاحقه خمارويه من كل جهة حتى فرَّ إلى الخليفة، وعاد إسحاق بن كنداج إلى الجزيرة.
ثم زادت سلطة خمارويه بعد موت الموفق وإسحاق بن كنداج عام (278 هجري)، ثم موت الخليفة المعتمد على الله عام (279 هجري)، وبيعة المتعضد بالله إذ أقرّه الخليفة الجديد والياً على الأرض الممتدة من الفرات إلى برقة هو وأولاده من بعده لمدة ثلاثين عاماً، كما تزوج من ابنة خمارويه (قطر الندى)، وتوفي خمارويه (282 هجري).
الدولة الصفارية:
دخل يعقوب بن الليث عام (259 هجري)، نيسابور وحاصرها وحاصر قاعدة الدولة الطاهرية على غير رأي الخليفة مُدعياً أن أهل خراسان طلبوه بسبب الضعف الذي آل إليه الطاهريون، كما حارب ملوك الترك الذين يجاورون سجستان حتى أذعنوا له. وكان قد تولّى أمر بلخ، وطخارستان، وكرمان، وسجستان، والسند بكتاب من الموفق أخي الخليفة على أن يعود عن فارس عندما اتجه إليها عام (257 هجري)، فوافق ورجع.
وسار يعقوب إلى طبرستان فدخلها وهزم الحسين بن زيد الطالبي، ثم عاد فانسحب منها فرجع إليها الطالبي وذلك عام (260 هجري)، وفي العام التالي سار إلى الأهواز فدخلها ورغب في الاتجاه إلى بغداد حيث حصل بينه وبين رجال الدولة خلاف ثم أرسل رُسله إلى الخليفة وسأله ولاية خراسان، وبلاد فارس، وكل ما كان تحت يد طاهر بن الحسين، وشرطتي بغداد، وسامراء، وولاية كرمان وسجستان، وأن يُقرأ خلاف ما قرئ من قبل.
من لعنٍ له فوافق الموفق أخو الخليفة، ومع هذا فقد زادت أطماعه فاتجه نحو بغداد ودخل واسطاً قهراً فالتقى بجند الدولة وقد تقدّمهم الخليفة المعتمد على الله فثار الجند على يعقوب وهّزم وذلك عام (262 هجري)، ولكنه في العام نفسه دخل فارس، واستولى على جنديسابور عام (263 هجري)، وأخذ الآهواز من صاحبه الزنج بعد معارك عنيفة.
وتوفي يعقوب بن الليث عام (265 هجري)، في منطقة الأهواز، ومن بعده أخوه عمرو بن الليث الذي بعث كتاب إلى الخليفة بالطاعة إليه فولّاه الموفق على خراسان، وفارس، وأصبهان، وسجستان، والسند، وكرمان، والشرطة ببغداد، فأناب عبيد الله بن عبد الله بن طاهر عنه في شرطة بغداد وسامراء.
عاد الخليفة فعزل عمرو بن الليث عن خراسان عام (271 هجري)، وأمر بشتمه على المنبر، وولّى محمد بن طاهر على خراسان غير أن هذا قد آثر البقاء في بغداد وأناب عنه رافع بن هرثمة، وانتصرت جيوش الخلافة على جيوش الصفاريين، وخرج الموفق لحرب عمرو بن الليث عام (274 هجري)، غير أنه لم يستطع دخول كرمان وسجستان واضطر إلى العودة، وبقي الوضع على ما آل إليه طيلة أيام المعتمد على الله الباقية.
الدولة السامانية:
ينتسب السامانيون إلى أحد رجالات الفرس المُسمى (سامان)، والذي كان مجوسياً، واعتنق الإسلام في أواخر عهد الدولة الأموية، وسمّى ابنه أسداً باسم أسد بن عبد الله القسري والي خراسان في ذلك الحين، وظهر أولاد أسد كزعماء في عهد المأمون فولى أحمد بن أسد (فرغانة)، ونوح بن أسد (سمرقند)، ويحيى بن أسد (الشاش)، و (أشروسنة)، والياس بن أسد (هراة)، وذلك حوالي عام (204 هجري).
ولمّا مالت سُلطة خراسان والمشرق إلى حكم طاهر بن الحسين أقرَّ أولاد أسد بن سامان على ما تحت أيديهم، ولما توفي أحمد بن أسد خلفه ابنه نصر فحكم فرغانة أو أقره الطاهريون عليها، وفي عام (261 هجري)، ولّاه الخليفة المعتمد على الله بلاد ما وراء النهر كلها فجعل قاعدة ملكه مدينة (سمرقند)، وولَى أخاه إسماعيل مدينة بخارى.
ولكن وقع الخلاف بينهما فسار نصر لحرب أخيه إسماعيل عام (272 هجري)، غير أنهما تصالحاً، ثم عادت الحرب بينهما عام (275 هجري)، وانتصر إسماعيل على نصر الذي وقع في الأسر، وحمل إلى أخيه إسماعيل فلما وصل إليه ترجّل إسماعيل وقبّل يديه، وأعاده إلى سمرقند وعدّه هو الوالي أما هو فعدّ نفسه نائباً لأخيه على بخارى، وبقى الأمر هكذا حتى مات نصر عام (279 هجري)، فآلت زعامة السامانيين إلى إسماعيل .
الدولة الطالبية في طبرستان:
أصاب أهل طبرستان حيف فحدثت فوضى فاستدعى أهلها الحسن بن زيد فجاءهم فبايعوه، واستطاع أن يُخرج منها واليها سليمان بن عبد الله بن طاهر، ثم وجه جيشاً إلى الريّ فدخلها وأخرج منها الطاهريين غير أن أهل الريّ كرهوا واليهم، فوجّه محمد بن طاهر جيشاً أخذ الري التي استمر الطرفان يتنازعانها، وفي العام التالي دخل سليمان بن عبد الله طبرستان،
وفرَّ منها الحسن بن زيد إلى بلاد الديلم، وبعد مدةٍ عاد إليها، وفي عام (255 هجري).
دخل مفلح طبرستان والتجأ الحسن بن زيد إلى بلاد الديلم لكن رجع إليها لأن مفلح تركها وسار نحو بغداد. وأراد الحسن بن زيد إن يتوسع في بلاد خراسان فحاربه موسى بن بغا، وانتصر عليه، وبقي الحسن هذا شأنه حتى توفي عام (271 هجري)، بعد أن حكم طبرستان تسعة عشر عاماً وستة أشهر، وخلفه فيها أخوه محمد بن زيد، وقد هُزّم أمام جند الخليفة عام (272 هجري)، وخرج من الري.
