علاقة السن والمهن بالجريمة

اقرأ في هذا المقال


منذ الأعمال المبكرة لشيلدون وإليانور جلوك أصبح مفهوم المهنة الإجرامية راسخًا في مجال علم الجريمة، وبشكل عام يُنظر إلى المهنة الإجرامية على أنّها التسلسل الطولي للأفعال الجانحة والإجرامية التي يرتكبها الفرد مع تقدم الفرد في العمر عبر الفترة من الطفولة وحتى المراهقة والبلوغ.

ما هي المهنة الإجرامية وعلاقتها بالعمر

تم رفض ادعاء الثبات الفردي واعترف بعض الباحثين بوجود اختلافات فردية في العلاقة بين العمر والجريمة، وقد فكروا في الإساءة في سياق مهنة إجرامية، فأشار بلومستين وآخرون إلى المهنة الإجرامية على أنّها: “التسلسل الطولي للجرائم التي يرتكبها الجاني الذي لديه معدل مخالفة يمكن اكتشافه خلال فترة معينة”، وينظر منظور المهن الإجرامية إلى العلاقة بين العمر والجريمة على المستوى الفردي ويتناول مكونات الحياة المهنية مثل البداية والمثابرة والكف عن العمل.

تشير البداية إلى بدء السلوك الإجرامي، وقد ركز بعض الباحثين على سن البداية كعنصر مهم في المهنة الإجرامية، وعلى وجه الخصوص فحص البحث ما إذا كان الأفراد الذين يشرعون في ارتكاب جرائمهم في وقت مبكر من الحياة هم أكثر عرضة لأن يصبحوا مرتكبي جرائم طويلة الأجل، بينما تشير المثابرة إلى استمرار أو مدة مهنة مخالفة، ويشير الكف إلى إنهاء تلك المهنة.

وعلى الرغم من أنّ بلومستين وآخرون جادلوا بأنّه لا يوجد سبب لتوقع أي نمط أو اتجاه معين داخل المهن الإجرامية، واقترحوا أنّ التحقيق في وجود أنماط معينة (على سبيل المثال التصعيد في الجدية والتخصص في أنواع معينة من الجرائم وما إلى ذلك) مفتوح للتحقيق التجريبي، ولا يقدم منظور المهن الجنائية أي نموذج نظري معين، بل بدلاً من ذلك فهي استراتيجية منهجية وتجريبية تدرس بشكل منفصل المشاركة في الجريمة من تكرار الإجرام بين المجرمين النشطين وتسمح بإمكانية أن تكون وجهات النظر النظرية المختلفة مهمة في شرح المكونات المختلفة للمهنة الإجرامية.

من ناحية أخرى أكد جوتفريدسون وهيرشي أنّ المقارنة المناسبة لعلم الجريمة هي بين الجناة وغير المجرمين (أي الانتشار أو المشاركة)، وأنّ النظريات القادرة على التمييز بين هاتين المجموعتين كافية دون الحاجة إلى شرح المكونات المختلفة للمهنة، وبالنسبة إلى جوتفريدسون وهيرشي فإنّ الأسئلة المتعلقة بحدوث أو تكرار الجرائم ليست ذات صلة بفهم السلوك الإجرامي، وأسباب الجريمة هي نفسها بغض النظر عن العمر أو عنصر الوظيفة الإجرامية.

عوامل ترتبط بمنحى العمر والجريمة

يشير كل من منحنى العمر والجريمة ومنظور المهنة الجنائية إلى عمليات طويلة الأجل في العمل، ولمجموعة متنوعة من الأسباب فظهرت الدراسات الطولية التي تنطوي على القياس المتكرر بمرور الوقت على أنّها أفضل من الدراسات المقطعية (أي القياس في وقت واحد) في دراسة المهن الإجرامية، فجادل بلومشتاين وزملاؤه بأنّ فهم الأنماط الديناميكية للإجرام سواء كان المرء يبحث عن التباين أو الاستقرار يتطلب فعليًا بيانات طولية، وأشاروا إلى أوجه القصور في البيانات المقطعية في دراسة المهن الإجرامية.

العوامل الاجتماعية بين منحنى العمر والجريمة

يرى ستيفنسمير وآخرون بالمثل أنّ هناك العديد من العوامل الاجتماعية التي تختلف حسب العمر، والتي قد تقدم تفسيراً لشكل منحنى العمر والجريمة، وأشار جرينبيرج إلى أنّه سيتم التقليل من تأثير العوامل الديناميكية في التحليلات المقطعية اعتمادًا على استقرار أو عدم استقرار المتغير بمرور الوقت، وقد يكون التمييز بين البيانات الطولية والمستعرضة أكثر أهمية عندما يكون الترتيب السببي غير واضح.

على سبيل المثال بينما تقترح نظريات الرقابة الاجتماعية أنّ الروابط الاجتماعية الضعيفة ستؤدي إلى سلوك إجرامي، فمن المعقول أيضًا أنّ التورط في الإساءة قد يضعف الروابط الاجتماعية، ومن خلال قياس العوامل الاجتماعية والسلوك الإجرامي في نقاط زمنية مختلفة تكون الدراسات الطولية أكثر قدرة على ضمان الترتيب الزمني المناسب الضروري لإثبات السببية بدلاً من الارتباط العادل.

الجريمة بين الزمن والأقران وآثار العمر

طرح فارينجتون اعتبارًا مهمًا آخر في الاختيار بين البحث المقطعي والبحث الطولي، حيث جادل في أنّ البحث المقطعي يخلط بسهولة بين الفترة الزمنية والأتراب أو الأقران وآثار العمر، وتشير تأثيرات الفترة إلى تأثير العيش في فترة تاريخية معينة، وبغض النظر عن العمر قد يواجه الأفراد الذين يعيشون في فترات معينة (على سبيل المثال فترة الحرب العالمية الثانية) نفس الأحداث أو الظروف الاجتماعية، وقد يتم الخلط بسهولة أكبر بين التأثيرات الجماعية والتأثيرات العمرية في أنّ الأفراد في نفس المجموعة (على سبيل المثال المولودون في نفس العام) قد يتعرضون لتجارب حياة مماثلة (على سبيل المثال جيل الطفرة السكانية).

في المقابل يشير مصطلح تأثيرات الشيخوخة إلى تلك الظروف الاجتماعية التي قد تختلف حسب العمر (على سبيل المثال إصلاح النضج والتغيرات في شبكات الأقران أو الروابط الاجتماعية وما إلى ذلك)، والتي قد تؤثر على الأفراد بغض النظر عن المجموعة أو الفترة، وجادل فارينجتون بضرورة استخدام دراسات طولية متعددة الفترات للتمييز حقًا عن تأثيرات الفترة والفوج والعمر.

تفنيد حجج البحث المقطعي بين العمر والجريمة

اعترض جوتفريدسون وهيرشي على العديد من هذه الحجج، وجادل هيرشي وجوتفريدسون أنّه إذا كان منحنى العمر والجريمة هو نفسه بالنسبة للجميع فلا داعي لتقنيات خاصة لفهم هذه العلاقة، ولقد جادلوا بأنّ الدراسات المقطعية الجيدة (على سبيل المثال التجارب الحقيقية) قادرة على الإجابة على نفس الأسئلة مثل التصاميم الطولية خاصة بالنظر إلى أنّ توقيت الجريمة والأحداث الاجتماعية ليس غامضًا، ونظرًا لأنّ الترتيب الزمني لا ينبغي أن يكون مشكلة كبيرة عند دراسة السلوك الإجرامي.

وفقًا لهذا المنظور يتم رفض حجة رئيسية واحدة لصالح التصاميم الطولية، كما قللوا من الحاجة إلى فصل العمر والفترة والآثار الجماعية لأنّ الجريمة لا يمكن أن تسبب العمر أو الفترة أو المجموعة، وأيضًا جادلوا بأنّ الاهتمام بهذه القضايا قد يصرف علم الإجرام عن الشواغل الأكثر موضوعية وذات الصلة بالسياسات، وأكد جوتفريدسون وهيرشي أيضًا أنّ ارتباطات الجريمة التي كشف عنها البحث الطولي هي نفسها التي أبلغ عنها البحث المقطعي، وتوصلت إلى أنّ الدراسات الطولية قد أكدت فقط نتائج الدراسات المقطعية، وحذروا من أنّ الدراسات الطولية أكثر تكلفة بكثير وغير فعالة وتستغرق وقتًا طويلاً من الدراسات المقطعية ولا تقدم أي قيمة مضافة لدراسة الجريمة.

ومن ناحية أخرى يجادل الباحثون المهتمون بحدوث المخالفات (أي التكرار) والمهن الإجرامية بأنّ المنحنى يختلف كثيرًا على المستوى الفردي ويتطلب بيانات طولية لفهم الأنماط حقًا، فعلى سبيل المثال اقترح سامبسون ولوب أنّه على الرغم من أهمية الاختلافات بين الجناة، فإنّ الاختلافات داخل الأفراد بمرور الوقت لا تقل أهمية عن فهمها، ويتجه العلماء وخاصة أولئك الذين يعملون في المهن الإجرامية أو تقاليد دورة الحياة أو التطور بشكل متزايد إلى التصميمات الطولية على المستوى الفردي، ويستمر هذا البحث في العثور على دليل على اختلاف أنماط المهنة الإجرامية واستكشاف ما إذا كانت العوامل الاجتماعية المختلفة قد تفسر هذه الأنماط المختلفة.


شارك المقالة: