الخليفة المستظهر بالله:
هو أبو العباس أحمد بن عبد الله المقتدي بالله، ولد فى شوال من عام (470 هجري)، كان خيّراً فاضلاً، ذكياً، بارعاً، كتب الخط المنسوب، وكانت أيامه ببغداد كأنها أعياد، وكان راغباً في البر والخير، مُسارعاً إلى ذلك، لا يرد سائل، وكان جميل العشرة لا يصغى إلى أقوال الوشاة من الناس، ولا يثق بالمباشرين، وقد ضبط أمور الخلافة جيداً، وأحكمها وعلمها، وكان لديه علم كثير، وله شعر حسن. بويع بالخلافة عند وفاة أبيه وعمره سبع عشرة سنة، وفي أيامه بدأت الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي. وتوفي عام (512 هجري).
إن النزاعات والأحقاد النصرانية على الإسلام والمسلمين والذي امتد عدة قرون بسبب الانتصارات الإسلامية على النصرانية وانتزاع أجزاء واسعة من أملاك النصرانية في بلاد الشام وشمالي إفريقيا، وقد كان هذا الحقد مع كل انتصار جديد يحققه الإسلام، ولمّا كانت النصرانية وأبناؤها عاجزةً عن القيام بردّ فعل لذا فقد انتظرت حتى تمرّ موجة الفتوة الإسلامية، ولكن زاد انتظارها، وطالت مُدة هذا المدّ الإسلامي فعندما بدأ الضعف يظهر على المسلمين أرادت النصرانية أن تقوم برد الفعل السريع وشجعها على ذلك.
الخوف من عودة القوة إلى المسلمين بعد الانتصارات التي أحرزها السلاجقة عام (463 هجري)، في معركة ملاذكرد بقيادة ألب أرسلان، والانتصار في معركة الزلاّقة في الأندلس عام (479 هجري)، بقيادة يوسف بن تاشفين، والانتصارات التي تلتها، فخافت النصرانية من عودة الروح من جديد لتدب في العالم الإسلامي الذي يتوسع باستمرار، وتدخل الإسلام مجموعات محاربة جديدة مثل السلاجقة والمرابطين، وخاصة بعد تدفق السلاجقة في آسيا الصغرى.
وقاموا بتشجيعهم لدخولهم عناصر بربرية لمحاربة النصرانية وهي القبائل التي كانت تنتقل في أوروبا وهذا ما أدى إلى ظهور روح حربية جديدة تدعم النصرانية، ومن هذه المجموعات، المجموعة الجرمانية، والمجرية، وإن دخول المجر في النصرانية قد جعل الشعوب النصرانية على اتصال بعضها مع بعض من الغرب إلى الشرق في آسيا الصغرى.
وشجّعها بعض الفتوحات والإنجازات التي حصلت عليها الإمارات الإيطالية إذ تغلبت على أمراء البحر المسلمين الذين كانوا يعيقون عمل السفن الإيطالية في البحر الأبيض المتوسط إن لم تستجب لمطالبهم، فكانت هذه الإمارات الإيطالية ترغب في نشر تجارتها في البحر المتوسط، وبانتصارها على البحارة المسلمين زاد في رغبتها بل في محاولة إظهار قوتها ومدّ نفوذها إذ غدت لها قوة في البحر المتوسط تستطيع أن تستفيد منها في نقل جنودها.
وتحرك سفنها في هذا البحر، ومن الإنجازات التي شجعتها أيضاً دخول النورمانديين لجنوب إيطالية وجزيرة صقلية، وإخراج المسلمين منها عام (484 هجري). وشجعها الضعف الذي حصل على دولة السلاجقة عقب موت السلطان ملكشاه عام (485 هجري)، فأحبت النصرانية أن تستغل هذه الفرصة قبل العودة إلى القوة ثانية، وخاصة أن العبيديين الذين هزموا أمام السلاجقة وتخلوا عن بيت المقدس عام (471 هجري)، ورأوا زيادة قوة السلاجقة خصومهم في العقيدة أيضاً لذا قد استنجدوا ببعض أُمراء أوروبا لدعمهم ضد السلاجقة.
أهم الجوانب النصرانية:
ولعل أهم الجوانب النصرانية التي دفعت بالموضوع هي النفوذ الذي حصل عليه البابا إيربان الثاني الذي اختير بابا لروما عام (481 هجري)، إذ أصبح السيد المُطاع بين الشعوب النصرانية بل وبين الأمراء وهذا ما جعله أهلاً لأن يستغل نفوذه لدى النصارى، ويدعوهم للحرب الصليبية فدعا إلى اجتماع لرجال الدين عام (489 هجري)، في كليرمونت بفرنسا، ودعا إلى الحرب الصليبية، ونادى الأمراء بترك الخلافات القائمة بينهم، وقدّم لهم الصليب.
وجعل فرصة لهذه النزاعات ما يفعل به السلاجقة من مُضايقات للحُجاج النصارى الذين يُحاولون أخذ بيت المقدس، وعمل على مُحاصرة النصارى لبيت المقدس، ودعم لدى هذه الدعوات بطرس الناسك، وسار بجميع المتطوعين وسبق جيوش الأمراء النصارى النظامية.
ولمّا كان هؤلاء المتطوعون يذهبون بلا نظام فقد عملوا على الفوضى والكوارث لكافة المناطق التي ساروا عليها حتى النصرانية منها حتى أن إمبراطور القسطنطينية كان يشتكي منهم وعندما وصلوا إلى بلاد المسلمين صبوا جام غضبهم فأهلكوا الزرع والضرع، وأحرقوا الأخضر واليابس، وعاثوا في الأرض الفساد، وقتلوا ومثّلوا، وانتهكوا من الحرمات ما شاء لهم هواهم أن يفعلوا ذلك، وتصدى لهم السلاجقة فالتقوا بهم في نيقية فأفنوهم عن بكرة أبيهم عام (489 هجري).
وكان إمبراطور القسطنطينية كان يريد أن يتقي شرهم فقام بمُساعدتهم على السير إلى آسيا الصغرى والتقدّم إلى نيقية. في هذه الأثناء كانت جيوش الأمراء النظامية تتحرك نحو القسطنطينية وقد أمر البابا أن تجتمع خارج أسوار القسطنطينية، ولم تكن هذه الجيوش أقل حقداً من الأولى ولا أقل فساداً ودماراً، كما لم يكن لها قائد واحد ينظمها ويصدر أوامره لها جميعاً وإن كان لها عدد من القواد أغلبهم من فرنسا.