اقرأ في هذا المقال
- توثيق علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية
- تنافر علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية
- مقابلة السلطان طغرل بك الخليفة القائم بأمر الله
توثيق علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية:
توثقت علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية قبل دخول السلطان طغرل بك بغداد بما يقارب ثمانية عشر عاماً، وذلك حين كتب السلطان السلجوقي للخليفة العباسي القائم بأمر الله، عقب إعلان قيام الدولة السلجوقية مباشرة، ووضح في رسالته أن السلاجقة على الطاعة والولاء للخلافة العباسية، وأنهم على أتم الاستعداد ليكونوا عبيداً للخليفة العباسي في القيام بإدارة البلاد التي فتحوها. وقد دفع هذا التجاوب الخليفة العباسي إلى الاعتراف بدولة السلاجقة، وكان اعترافه نابعاً من رضاه الشخصي عن السلاجقة، ولم يكن مرده خوفاً من قوتهم.
أخذ الخليفة العباسي يواصل تأييده للسلاجقة في كل فتوحاتهم ويبعث إليهم بالخلع والألقاب. وعلى سبيل المثال لمّا سقطت مدينة نسا في يد السلاجقة في سنة (442 هجري)، أرسل الخليفة إلى السلطان طغرل بك الخلع وأمر التقليد فبعث إليه السلطان بدوره هدايا نفيسة من الجواهر والطيب والثياب، وصادف حضور رسل السلطان الى بغداد عيد الفطر في سنة (443 هجري)، فأمر الخليفة بالاحتفال بتلك المناسبة، ويذكر الراوندي أن الخليفة أمر أن يذكر اسم السلطان طغرل بك على منابر بغداد، وأن ينقش اسمه على السكة، ولقبه: السلطان ركن الدولة، يمين أمير المؤمنين.
تنافر علاقة السلاجقة بالخلافة العباسية:
مع كل هذا التجاوب والتقارب بين الخلافة العباسية وبين دولة السلاجقة، إلا أن سوء التفاهم سرعان ما قام بين السلطان السلجوقي وبين الخليفة القائم بأمر الله، عقب دخول السلاجقة بغداد مباشرة، وذلك لعدم التزام السلطان طغرل بك بعهوده مع الخليفة، ولتسلطه التام على أزمة الأمور في بغداد بطريقة أثارت سخط الخليفة الذي كان مستبشراً بالعهد الجديد، لدرجة أنه استقبل طغرل بك عند قدومه إلى بغداد استقبال الفاتحين، بالرغم من أنه جاء بناء على دعوة الخليفة.
وكان سبب ذلك الاختلاف المُبكر بين الخليفة والسلطان هو أن الأخير قبض على الأمير البويهي الملك الرحيم وعلى أصحابه وفي نفس الوقت نهب الجند السلجوقي بعض أحياء مدينة بغداد، فاعتبر الخليفة ذلك انتهاكاً للعهود والمواثيق التي أخذت على السلطان للخليفة وللأمير البويهي ولأمراء الجند في بغداد.
عبّر الخليفة عن اسّتنكاره لِمَا قام به السلطان السلجوقي في رسالة بعث بها إليه وطالبه فيها باطلاق سراح الملك الرحيم وأصحابه، وهدده الخليفية بأنه سيغادر بغداد إذا لم ينفذ ما ورد في الرسالة. وجاء في رسالة الخليفة: (فإني، إنما اخترتك واستدعيتك اعتقاداً مني أن تعظيم الأوامر الشريفة يزداد، وحرمة الحريم تعظم، وأرى الأمر بالضد). ولمّا تسلم السلطان طغرل بك رسالة الخليفة أطلق سراح بعض أصحاب الأمير البويهي وأخذ جميع إقطاعات البويهيين، وأمر بنهب أموال الأتراك البغداديين، وأرسل الملك الرحيم مُعتقلاً إلى الريّ، فسجن في إحدى القلاع حتى مات.
وفي نفس العام (447 هجري)، بعث السلطان طغرل بك إلى الخليفة القائم بأمر الله يطلب منه مبلغاً كبيراً من المال، فأنزعج الخليفة لذلك، هذا فضلاً عن كونه غير قادر على تدبير ذلك المبلغ للسلطان. ولما لم يقدر السلطان ظروف الخليفة، وافق الأخير على اطلاق يد أحد عمال السلطان في استخراج ما أراده من أموال، على أن يستخدم الرفق في ذلك.
مقابلة السلطان طغرل بك الخليفة القائم بأمر الله:
وفي سنة (449 هجري)، قابل السلطان طغرل بك الخليفة القائم بأمر الله، فقام بتفويضه مفاوضات كاملة في حكم البلاد، وتمثل هذا في قول الخليفة: (أمير المؤمنين حامد لسعيك، شاكر لفضلك، آنس لقربك، زائد الشغف بك، وقد ولّاك جميع ما ولّاه الله تعالى من بلاده ورد إليك فيه مُراعاة عباده، فاتق الله فيا ولّاك، واعرف نعمه عليك، وعبدك في ذلك، واجتهد في عمارة البلاد، وإصلاح العباد ونشر العدل وكف الظلم).وكتب الخليفة للسلطان عهداً بتفويضه الحكم نيابة عنه.
ولمّا أنهى السلطان طغرل بك على أفعال البساسيري المُفتنة، وأعاد الخليفة القائم بأمر الله إلى بغداد، عمل على الاستفادة من ضعف الخلافة، وأخذ يستأثر بجميع السلطات في العراق حتى ما كان يتعلق منها بالخليفة، وعمل على حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية، ففي سنة (451 هجري)، ضمَّن السلطان السلجوقي أبا علي بن فضلان مدينة واسط بمائتي ألف دينار، وفي السنة التالية ضمَّن أبا الفتح المظفر ابن الحسين العميد بغداد وأعماها بمائة ألف دينار عن سنة (452 هجري)، ولسنتين بعدها بثلث مائة ألف دينار.
وكان السلطان قد ضَمِّن قبل ذلك أبا سعد الأغرسابور بن المظفر مدينة البصرة. وقبل أن يعود السلطان السلجوقي إلى الريّ (عاصمة السلاجقة آنذاك)، أناب عنه في حكم العراق موظفاً سلجوقياً كان يطلق عليه العميد، كما عين موظفاً آخر لحفظ الأمن في بغداد يُعرف بالشحنة. وترك في خدمتهم فرقة من الجيش السلجوقي.
وهكذا أصبح الخليفة العباسي مُجرداً تماماً من سلطاته، حتى في داخل عاصمة الخلافة، واستأثر نواب السلطان بالسلطة فيها وفي العراق بأجمعه. لم يكتف السلطان السلجوقي بتركيز السلطة في يده، وإنما تجاوز ذلك كثيراً، وتقدم يخطب ابنة الخليفة العباسي، وذلك فيما يبدو وسيلة لتدعيم نفوذه السياسي، برابطة أدبية قوية مع الخلافة العباسية، وكان ذلك تجاوزاً لتقاليد الخلافة، ولم تجر به العادة من قبل.
فانزعج الخليفة القائم بأمر الله من ذلك، وأستعفى من السلطان، فلم يعفه، فاشترط الخليفة صداقاً كبيراً للتعجيز وابطال الزواج، فلجأ السلطان عند ذلك إلى الشدة، فأمر وزيره عميد الملك الكندري بأن يقبض الاقطاعات العائدة للخليفة ولا يترك له إلا ما كان باسم الخليفة القادر بالله سابقاً، كما أن الوزير الكندري أخذ أيضاً يضيق الخناق على عمال الخليفة، ويوقف أرزاقهم.
وعند ذلك وافق الخليفة على مضض على طلب السلطان، وتم الزواج في سنة هه (445 هجري)، وعبّر الخليفة العباسي عن استيائه من معاملة السلطان الجائرة له بقوله في رسالة بعث بها للسلطان: (ما رجونا من ركن الدين ما صنع، وما توقعنا ما وقع، وبين يديك الاقطاعات فاقطعها، وقد ارتفعت الموانع فأمنعها). ولمّا تم زواج السلطان من ابنة الخليفة، أمر السلطان برفع الحجز عن أملاكه.
وفي سنة (534 هجري)، تزوج السلطان مسعود ابنة الخليفة المُقتفي لأمر الله، ولم تذكر لنا المصادر أن هذا الزواج سبب أية مشكلة بين الخليفة وبين السلطان السلجوقي إلا أنه من الواضح أن السلطان مسعود استغل الظروف التي بويع فيها المقتفي لأمر الله بالخلافة، بعد مقتل الخليفتين المسترشد بالله والراشد بالله، فطلب الزواج من ابنته، فلم يعارضه المقتفي.