العلاقات الخارجية في عهد المعتصم

اقرأ في هذا المقال


العلاقة مع البيزنطيين:

توقف القتال بين المسلمين والبيزنطيين في الفترة الأولى لولاية المعتصم، بسبب ضعف الخلافة بالقضاء على ثورة بابك الخرّمي. وفي المقابل فقد انشغل الأمبراطور البيزنطي ثيوفيل إلى التخطيط لإرجاع جزيرة صقلية من أيدي المسلمين فشهدت مناطق الحدود هدوءاً يكاد يكون تاماً.

إلا أنه لم يمّض على ولاية المعتصم أربع سنوات حتى نظر ثيوفيل إلى أن يقوم بمحاربة المسلمين على الحدود الشرقية لمملكته، وقد دفعه على ذلك نجاح المفاوضات التي عمل بها مع بابك الذي وعده باعتناق الديانة المسيحية مُقابل مساعدته في قتالهم، وظناً منه أنَّ باستطاعته إحراز نصر عسكري عليهم فأغار على منطقة أعالي الفرات ليؤمن اتصالاً مع الخرّمية في أرمينيا وأذربيجان، واستولى في طريقه على زبطرة مسقط رأس والدة الخليفة وأسر من فيها من المسلمين والمسلمات، كما هاجم سميساط وملطية وأحرقها.

تجهيز الجيوش ضد البيزنطيين:

أخذ المعتصم هذه الغارة البيزنطية واعتبرها تحدياً شخصياً له قبل أن تكون تحدياً للخلافة العباسية، فقبل التحدي وعزم على أن يثأر لزبطرة. فما كاد ينتهي من إخماد ثورة بابك الخرمي، في عام (223 ه/(838 ميلادي)، حتى أعدَّ جيشاً كثيفاً بهدف توجيه ضربة قاصمة للأمبراطورية، تقضي بدورها على هيبة الأمبراطور. وخرج هو على رأس هذا الجيش مُتجهاً صوب عمورية مسقط رأس أسرة ثيوفيل عازماً على تدميرها. والجدير بالذكر أن الاستيلاء على عمورية يُعتبر خطوة للوصول إلى القسطنطينية.

خرج القائد سامراء وهو على تجهيزه لهم، وشكّل منطقة أنقرة أول أهدافه للحملة، فقام بتعيين أشناس التركي على المقدمة، وإيتاخ على الميمنة، وجعفر بن دينار على الميسرة، وعجيف بن عنبسة على القلب، وشارك الأفشين في الحملة على رأس فرقة عسكرية، وكتب على ألوية الجيش وتروسه (عمورية)، وقرر دخول الأراضي البيزنطية من ثلاثة محاور.

فتوجه جيش الشرق برئاسة الأفشين باتجاه مدينة سروج ليحاصر الأراضي البيزنطية في يوم محدد عن طريق درب الحدث، أما جيش الغرب، بقيادة أشناس، فكان عليه أن يتقدم على جبال طوروس إلى مدينة الصفصاف الواقعة قرب قلعة لؤلؤة على أن يلتقي بجيش الشرق في سهل أنقرة. وقاد الخليفة القسم الثالث من الجيش، وزحف مباشرة نحو أنقرة. ورسم الخليفة خطته التكتيكية على أن تجتمع الأقسام الثلاثة عند سهل أنقرة لمهاجمة المدينة.

وغادر القسطنطينية في هذه الأثناء، الأمبراطور البيزنطي ثيوفيل بعدما علم بما وضعه الخليفة من خطط عن أنقرة وعمورية، وتوقف في دوريليوم على بعد ثلاثة أيام من عمورية وأمر بتحصين هذه الأخيرة، ويبعث الإمدادات إليها. أما الخطة القتالية التي وضعها فكانت تقضي بمهاجمة القوات الإسلامية أثناء زحفها نحو الشمال باتجاه أنقرة، ومن أجل ذلك عسكر على نهر هاليس، واستعد لعبوره ليفاجىء المسلمين ظناً منه بأن هذه القوات سوف تجتاز درب كيليكيا في طريقها إلى أنقرة، ولم يكن يعلم شيئاً عن جيش الأفشين.

ثم حدث أن أمر الخليفة بإصدار أمر التوقف ريثما يستطلع أخبار الجيش البيزنطي، وبعث برسالة إلى أشناس وكان وقتئذ قد بلغ مرج الأسقف القريب من لؤلؤة يبلغه بتطورات الموقف العسكري، ويأمره بالتوقف حتى توافيه الساقة لأنها تحمل العتاد الحربي.

ويبدو أن ثيوفيل قد عَلِمَ بزحف جيش الشرق برئاسة الأفشين فقام بتغيير خطته، واضطر أن يقسم جيشه إلى قسمين، ترأس هو القسم الأول ليواجه الأفشين، في حين ترك القسم الثاني من الجيش للتصدي لجيش الخليفة حتى يمنعه من التقدم، محاولاً بذلك منع التقاء الجيشين الإسلاميين.

ولمّا توقف المعتصم على خطط ثيوفيل أراد أن يُنبه الأفشين بمسير الامبراطور إليه. لكن الأفشين كان قد توغل في آسيا الصغرى، فلم يبلغه أي كتاب. أما أشناس فقد تابع زحفه بإتجاه أنقرة وسار الخليفة وراءه، بينهما مسيرة يوم واحد دون أن يعلما شيئاً عن مصير الأفشين. وفي الوقت الذي كان فيه جيش الخليفة يقترب من أنقرة، كان الأفشين يجتاز سيواس إلى توقات، فتحتم عليه عند ذاك، أن يشتبك في معركة مع الأمبراطور.

ابتدأت المعركة في ساعات الصباح الأولى من يوم الخامس والعشرين من شهر شعبان عام (223 هجري) شهر تموز عام (838 ميلادي)، وعلى الرغم من أن البيزنطيين أحرزوا نصراً أولياً إلا أن فرسان المسلمين حوّلوا الموقف من الهزيمة إلى النصر. ووقع الاضطراب
في صفوف البيزنطيين عندما شاع خبر بأن الأمبراطور لقي مصرعه والمعركة دائرة،
فانهزم البيزنطيون وهربوا لا يلوون على شيء.

وترجل الأمبراطور ساحة المعركة بعد كثير من التعب والعناء، وسار حتى بلغ قرية خليوكومن، وهي في شمالي أماسيا حيثُ قام بجمع فلول جيشه الهارب، ورجع بهم إلى أسطوله على نهر هاليس، وبعث أحد خصيانه إلى أنقرة للدفاع عنها لكنه وصل بعد فوات الأوان. ذلك أنه حدث أن اجتمعت الجيوش الإسلامية المتفرقة في سهل أنقرة وأنزلوا بالمدينة الخراب والدمار.

لم يستطيع ثيوفيل على الانتصار مما أدى إلى هزيمته وسقوط أنقرة، ثم أرسل إلى المعتصم يطلب الصلح يتأسف عن مذابح زبطرة التي قام بفعلها، ومتعهداً بإعادة بنائها وإعادة السكان إليها، وإطلاق سراح من عنده من الأسرى المسلمين، إلا أن الخليفة رفض عرض الصلح، وتابع زحفه باتجاه عمورية. أما ثيوفيل فقد توجه نحو دوريليوم منتظراً ما سوف يحل بعمورية من المصير المحتوم.

وتوجه الخليفة نحو منطقة عمورية بعد أن قام بتدمير أنقرة فوصلها خلال سبعة أيام وشرّع في حصارها، وعلى الرغم من مناعتها وحصانتها إلا أنها استسلمت في السابع عشر من شهر رمضان عام (223 هجري) شهر آب عام (838 ميلادي)، بعد أسبوعين من الحصار، فأسر المسلمون كثيراً من أهلها وغنموا غنائم وفيرة، وهدم المعتصم أسوارها، وأمر بالمقابل، بترميم زبطرة وتحصينها.

سبَّبت حملة المعتصم شكل من أشكال ضعف الأمبراطورية البيزنطية، مما شجَّع الخليفة على مواصلة زحفه باتجاه القسطنطينية، التي باتت الطريق إليها مفتوحة، إلا أنه اضطر للعودة إلى العراق لأنه كشف مؤامرة دبرها الجند لصالح العباس. وفي مطلق الأحوال، تبقى حملة المعتصم إلى بلاد البيزنطيين مميزة عن باقي الحملات السابقة التي كانت تستهدف الأطراف. فعمورية تقع بعيداً في جوف آسيا الصغرى، إذ اعتبرها الطبري من أعظم ما يُقصد له من بلاد الروم.

وما نتج على حرب المعتصم من كوارث في آسيا الصغرى، وما حدث من انجاز مسلمي إفريقية نحو جزيرة صقلية، وما فعلوه المسلمون في جزيرة كريت بالأمبراطورية من هزائم، كل ذلك أدّى إلى إقناع ثيوفيل بأن الأمبراطورية عاجزة عن مواجهة قوة المسلمين المتزايدة، فمال إلى الصلح. وأخيراً تقررت الهدنة بين الطرفين في عام (227 هجري)/(842 ميلادي). ثم حدث أن عرش الأمبراطورية البيزنطية ميخائيل الثالث بوصاية والدته تيودورا.

وفاة المعتصم:

احتجم المعتصم في اليوم الأول من شهر محرم عام (227 هجري) شهر تشرين الأول عام (841 ميلادي)، فأُصيب عقب ذلك بالمرض الذي قضى عليه لثمان ليالِ مضت من شهر ربيع الأول أواخر شهر كانون الأول من العام الميلادي المذكور وكان قد ولَّى عهده ابنه هارون، ولم يشرك معه في الولاية أحد.


شارك المقالة: