الغزو المغولي في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


الغزو المغولي في العصر العباسي:

في الوقت الذي كان فيه الصليبيون في حالة احتضار نشأت قوة مُخيفة في شرق بلاد المسلمين، وسط الصحارى، تلك هي قوة المغول التي تملك إمكانات قتالية كبيرة إذ أن أبناءها من أهل البوادي الأشداء الذين يندفعون إلى هدفهم من غير تفكير لا يصدُّهم عنه مانع، وهم على غير دين، من الوثنيين، الذين يعبدون عدداً من الآلهة، وبخاصة تلك الحيوانات الشريرة التي كانوا يقدّمون إليها القرابين والضحايا لما كانوا يعتقدون فيها من السلطان والقدرة على إيذائهم.

كما أنهم يعبدوا في دياناتهم أرواح أجدادهم في الزمن القديم الذين كانوا يعتقدون أنها ذات شأنٍ وقيمةٍ عظيمة في حياتهم الدنيوية، وكان المغول يلجؤون إلى القسيسين، وهم الشامانُ والسحرة، أو إلى رجال الحكمة الذين كانوا يعتبرونهم ذوي نفوذٍ خفي وسلطانٍ غريبٍ على أرواح الموتى إذا ما أرادوا الفوز في الدنيا والآخرة، وقد كانت حياتهم رعوية، ونظامهم قبلياً، مع طاعةٍ لرؤسائهم، وحبٍ للحرب والسلب والنهب، وكانت ديانتهم عبادة الكواكب، يسجدون للشمس عند طلوعها، ولا يُحرّمون شيئاً.

فكانوا يأكلون جميع الدواب حتى الكلاب والخنازير، وكانوا إباحيين لا يعرف الولد منهم أباه، ويدين بعض أفرادٍ من جنسهم بصورةٍ سطحيةٍ بديانات الإسلام أو النصرانية أو البوذية وهم غالباً الذين يعيشون على أطراف ديار المغول. نظر الصليبيون إلى هذه القوة نظرة خوفٍ من شدّتها، وخشوا أن تدخل في الإسلام باحتكاكها مع المسلمين كما حدث لغيرها من أبناء جنسها كالسلاجقة وغيرهم.

وإذا ما تمَّ هذا فإن أمر النصرانية في خطر ليس في الشرق فحسب وإنما قد يتعدى ذلك إلى الغرب وخاصة إذا ما اندفعت هذه القوة الجديدة نحو أوربا، لذا حاولوا أن يتداركوا الأمر قبل وقوعه فعملوا على جذب هؤلاء المغول نحو النصرانية هذا من جهةٍ ومن جهة ثانية فقد حرّضوا المغول ضدّ المسلمين، وبنوا على ذلك آمالاً بأنه إذا ما تمَّ هذا فإن المسلمين سيقعون بين نارين، نار النصرانية من الغرب، ونار المغول من الشرق، واتخذوا لذلك عدة أساليب.

الأطراف التي جرت في الغزو المغولي:

اتخذوا طريقة النساء ليغروا المغول من ناحية، ولتحرّض هذه النساء أزواجهن من داخل بيوت المغول من ناحية ثانية، ولتحاول جذبهم نحو النصرانية من جهة ثالثة، فقد تزوج (جنكيزخان)، فتاةً نصرانية من أُسرة تتارية تدين بالنصرانية بطريقة ما، وتزوج ابنه الثالث وخليفته (أوجتاي)، فتاةً نصرانية بالطريقة نفسها أو بالأحرى كانت عنده خليلة نصرانية.

وكان (جغطاي)، الابن الثاني لجنكيزخان من ألدّ أعداء الإسلام، وكذلك ابن أخيه (كيوك بن أوجتاي)، وذلك تحت تأثير النصرانية والبوذية. وتزوّج (هولاكوا)، فتاةً نصرانية كانت الدافع الرئيسي في شرّه الذي حلّه في العراق والشام، وتزوّج ابنه وولي عهده على الأسرة (الإيلخانية)، (أباقاخان)، ابنة أمبراطور القسطنطينية، ونشأ ابن هولاكو الآخر (تكودار)، على النصرانية، وذلك قبل أن يدين بالإسلام.

أسباب غزو المغول للمسلمين:

ونتيجة إسلامه قُتل بيد ابن أخيه (أرغون)، وكان أرغون هذا (ابن أباقاخان)، من أشدّ أعداء الإسلام وأعنفهم على أهله. كما اعتنق عدد من المغول النصرانية في جورجيا وأرمينيا عن طريق الإغراء. وفي الوقت نفسه كان البوذيون من جهة أخرى يحرّضون المغول على المسلمين، وكلاهما يصف لهم جنات بلاد المسلمين وأنهارها، وفاكهتها، وإنتاجها الوفير، وخيرها العميم، والمغول أهل صحارى تتوق نفوسهم لهذا، وتتعطش لمثله.

وساعد على هذا ما علمه جنكيزخان عن اختلاف المسلمين وقتال بعضهم بعضاً، وأثاره قتل شاه خوارزم لرُسله فبينما كان مُيمّماً وجهه نحو الشرق يُقاتل خصومه توقف واتجه نحو الغرب، وسارت وراءه جموعه كالذئاب الجائعة، وبأعداد الجراد، فلم تأت عل شيء إلا تركته كالرميم، فخافها الناس، وفرّت من وجهها القبائل، وذُعرت الأهالي فتركت مُدنها وقُراها وتحرّكت نحو الغرب، وتخاذلت الجُند عن قتال المغول، ورهب القادة نزالهم، وتقدمهم الرعب مسيرة شهر لِمَا فعلوه من فسادٍ وقتلٍ وتمثيل تقشعرُ له الأبدان، وتعجز عن وصفه الأقلام.

نتائج الغزو المغولي للمسلمين:

وهذا ما زاد المسلمين ضعفاً على ضعف فمنهم من رغب في مهادنة المغول، ومنهم من فضل التفاهم معهم، ومنهم من فكر في الخضوع لهم، وهرب بعضهم من وجههم، وحاول بعضهم الوقوف أمامهم وجهادهم، وهذا التفرّق ما ساعد المغول على اقتحام البلاد، ودخول مدينة بغداد بعد خيانة ابن العلقمي الذي تهاون في الدفاع عن المدينة وترك فيها ثغرات، ودلّ الأعداء على هذه الثغرات، وترك جماعته مواقعهم، وشجّع الخليفة على مُقابلة هولاكو والسير إليه، وكان أمر الله قدراً مقدوراً فسقطت الدولة العباسية على أيدي هؤلاء المغول، وانتهى أمرها. وهكذا فإن ضعف الدولة العباسية إنما يعود إلى:

  1. تسلّط العسكريين على الحكم.
  2. نشوء الدويلات.
  3. الترف.
  4. الحركات الباطنية.
  5. الغزو الصليبي.
  6. الغزو المغولي.


ويمكن أن نُضيف اختلاف العباسيين بعضهم مع بعض، وولاية العهد لأكثر من واحدٍ الأمر الذي يؤدي إلى الخلاف، وتولية الصغار أحياناً، وهذا ما يؤدي إلى ضعف الخلفاء أنفسهم فينتج تسلّط غيرهم عليهم.


شارك المقالة: