الفرد ومقاصده عند ريمون بودون في علم الاجتماع:
خلال فترة الستينيات كان يريد ريمون بودون التوجه إلى العلوم الإنسانية لكن دون أن يعرف على وجه الدقة أي ميدان سوف يختار، في تلك الفترة كانت الفلسفة قد قلت حظوتها، فقد اهتمت بدراسة الاقتصاد، لكن بدا ميداناً حديث العهد، كان لديه شعور يدفعه بأن يبقيه على سكة مكتملة التشييد، وأنّه لم يكن ممكناً سوى تقديم بعض الإضافات لما كان موجوداً بشكل مسبق.
كان لدى ريمون بودون انطباع بأن السوسيولوجيا أكثر أهمية ﻷنّها بدت له متبلورة، وكذلك مشوشة بسبب المقاربات المتنوعة جداً، إنّها الاهتمامات الفكرية أكثر من الاجتماعية هي التي قادته إلى السوسيولوجيا.
ففي فرنسا كان يشعر بودون بانجذاب إلى جان شتوتزل، الذي كان يبدو هامشياً إلى حد ما بين السوسيولوجيين بسبب رغبته بأن يقدم عملاً علمياً حقيقياً، لكن بول لازارسفلد على وجه التحديد كان يجسد في نظر بودون هذه الرّغبة بجعل السوسيولوجيا علماً، فقد حصل بودون على منحة لمدّة سنة أمضاها في جامعة كولومبيا عام 1962 لدى لازارسفلد الذي كان معلم حقيقي، لكن لا بدّ كان بودون ساذجاً إلى حد ما في تلك الفترة ﻷنّ الرياضيات في الواقع لم يكن لها في السوسيولوجيا أبداً الأهمية التي كنّا نتصورها في حين كانت تأخذ هذه الأهمية.
كما تتألف نواة السوسيولوجيا العلمية وهي ما يدعى النزعة الفردية المنهجية، وهو موضوع يرجع إلى ماكس فيبر، وبعده بشكل أكثر وضوحاً إلى جوزيف شمبتر، للأسف فقد استعاد هذا التعبير فريدريك هايك وكارل بوبر وجعلاه متماهياً مع مواقف الفلسفة السياسية من النمط الليبرالي، الأمر الذي جرّ كثيراً من الغموض، فهناك خطأ آخر هو التفكير بأنّ النزعة الفردية المنهجية تعني توضيح اﻷداء البشري بطريقة تقول بالنفعية، إنّ سوء الفهم الثنائي هذا يبيّن الرفض الذي جوبهت به أحياناً النزعة الفردية المنهجية.
تغطي النزعة الفردية المنهجية والنزعة الفعلية لدى فيبر وتوكفيل بدهيتان رئيسيتان تشكلان أساس النزعة الفردية المنهجية، أولاً، لا يمكن تفسير الظواهر الاجتماعية إلا إذا اعتبرناها منتجات ﻷفعال الأفراد ولمعتقداتهم، وثانياً، لهذه المعتقدات والأفعال معنى، مبرر وجود بالنسبة للفاعل الاجتماعي، قد يكون المصلحة، وهنا نلتقي بالنماذج النفعية لكن ليس بالضرورة.