اقرأ في هذا المقال
- الفروق التي تهم دارسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية أكثر من غيرها
- القسط الأعظم من اهتمام علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية
- الحقائق أو الظواهر الاجتماعية هي موضوع اهتمام دارس المجتمع في الأنثروبولوجيا
- الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من علم الاجتماع
ربما يتعين علينا أن نتساءل أي من الفروق تهم دارسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية أكثر من غيرها؟ وفي هذا المقال سنتحدث عن هذا الموضوع وعن القسط الأعظم من اهتمام علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية وأيضاً عن مواضيع أخرى تخص الأنثروبولوجيا.
الفروق التي تهم دارسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية أكثر من غيرها:
هناك فروق تهم دارسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية إذ يلاحظ المسافر مثلاً أن بعض الشعوب تأكل الجبن مع الإفطار، والبعض يفضل الاستضافة في المطعم بدلاً من الاستضافة في المنزل، والبعض يتكلم أفراده جميعاً في وقت واحد بصوت مرتفع، بينما آخرون يتكلم منهم واحد والباقون ينصتون دون أن تكون هناك علاقة بين موضوع حديث الواحد والآخر. إلا أن هذه الفروق هي فروق سطحية.
فالذي يقضي فى بلد مدة أطول من الأسبوعين اللذين يقضيهما في إجازته سيكتشف صفات أكثر أهمية في الأغراب الذين يعيش بينهم. إذ سيلاحظ أن هناك قواعد معينة تحدد الطرف الذي يمكن أن يقترن به الفرد بالزواج وما يجب عمله ليصبح الزواج قانونياً، ومن له الحق في المطالبة بممتلكات المتوفى، ومن له الحق في إصدار الأوامر التي تطاع. وطريقة اختيار هذه القواعد. كما سيلاحظ أيضاً معتقدات هذه الشعوب عن طبيعة العالم والمخلوقات غير المرئية التي تهتم بالشؤون البشرية.
إذاً هذه هي المواضيع التي يركز عليها عالم الأنثروبولوجيا حيث لا يهتم فقط بما يراه من تصرفات الناس الاعتيادية، بل يهتم بما وراء تلك التصرفات، يعني أسلوب تنظيم تلك التصرفات بما يجعلها اجتماعية، وليس مجرد مجموعة من الناس تصادف أنها تعيش في نفس البقعة من العالم.
القسط الأعظم من اهتمام علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية:
لقد ظل القسط الأعظم من اهتمام علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية ينصب على الشعوب أو غيرها من الدول الصناعية التي تختلف اختلافاً بعيداً عن “هذه الدولة” التي يطلق عليها اسم الدول الغربية بغض النظر عن المفهوم الجغرافي. أي أن اهتمامها كان ينصب على الشعوب التي يطلق عليها اسم “البدائية” أو “الشعوب ذات التكنولوجيا البسيطة”، وهي الشعوب المحرومة من معداتنا وآلاتنا.
ولا يقصد بذلك الرادار ووسائل النقل الآلي فحسب، ولكنها الشعوب الفقيرة والجاهلة. فبدون هذه الآلات وبدون المال والعلم لا يعرف هؤلاء الناس كيف يصرفون أمورهم. فيضطرون إلى أن ينظموا حياتهم بطريقة تختلف عن طريقتنا أشد الاختلاف. ولكن إذا درسنا نوعية المجتمعات التي يعيشون فيها وقارناها بمجتمعات الغرب، لوجدنا أن هناك مبادئ أساسية مشتركة بيننا وبينهم للحياة في المجتمع. ويمكن التعرف على هذه المبادئ المشتركة بمقارنة مختلف أنواع المجتمعات.
هذا وتختلف المجتمعات “البدائية” أو “البسيطة” بعضها عن بعض أكثر مما تختلف المجتمعات الصناعية فيما بينها، فهل يمكننا تفسير هذه الاختلافات والفروق وتعليلها؟ يظن البعض أنها ترجع إلى طبيعة الشعوب المختلفة أي إلى الصفات التي توارثوها في دمهم من أسلافهم وآبائهم. أم هناك مؤثرات مصيرية في بيئتهم ومصادر رزقهم أو في طقس بلادهم.
إن تفسير الفروق بين الشعوب وأحياناً بين الأفراد بوصفها تعبيراً عن الطابع القومي كموضوع مثير للاهتمام لدى البشر. حيث أن لكل شخص فكرة معينة عن الألماني الأصل أو الروسي أو الهندي الغربي في ذهنه. وعندما نسمع أن الحكومة الألمانية أو الحزب الشيوعي الروسي أو كمساري أتوبيس ملون قد أتى بشيء لا نقره لو كنا في مكانهم، أو شيء لا نرضاه نفسر ذلك بالطابع الخاص الذي نربطه بتلك الصورة الذهنية.
وكثيراً ما نسمع الناس يقولون عن الأغراب الذين لا يحبونهم إن بعض الصفات مثل “القسوة” أو “الكسل” هي في دمائهم. وإذا حدث وكان رجل أو امرأة مميز في شيء ما، فيقال إن الموسيقى مثلاً أو حب البحر في دمه أو دمها. وفي الواقع إذا وجدت نابغة في الموسيقى قد تربى في أسرة موسيقية فيرجع ذلك إلى أنه قد تعود على المران على الموسيقى منذ كان في الثالثة من عمره، وليس لأنه قد ورث هذه الموهبة. إن العلاقة بين القدرات التي تولد بها وبين نوعية الشخص الذي سنكونه هي علاقة معقدة للغاية وسنتناولها بالتفصيل في مقال قادم.
حيث أنه من الضروري ومنذ البداية تحذير أي متخصص أو مهتم لعلم الأنثروبولوجيا من أمرين :
أولهما، أن الصفات الطبيعية (الجسمية) التي نرثها لا تكون في الدم، رغم افتراض الناس لذلك لمدة طويلة، بحيث يصعب عليهم عدم استخدام العبارة الشائعة “قرابة الدم”.
وثانيهما، إن طريقة سلوك الشخص الفرد لا علاقة لها إطلاقاً بطريقة تنظيم المجتمعات.
فلا يمكن تفسير الفروق الموجودة بين المجتمعات بقولنا أنها مكونة من أنماط مختلفة من الناس فبعض هذه الفروق الموجودة بين المجتمعات تعكس اختلافات في مدى التكنولوجيا الموجودة بها. فهناك فروق شاسعة بين المجتمعات الصناعية التي تستخدم القوة الآلية على نطاق واسع، وتلك التي تضطر إلى عدم استخدام الآلات. ولكن هناك اختلافات كثيرة في إطار كل من النوعين لا يمكن تفسيرها بالفروق التي يسببها تكوينها الوراثي.
أما بالنسبة عن التفسير الجغرافي، إن الذين يعيشون في بلاد تقل فيها المياه يضطرون إلى تكييف أنفسهم بحيث يستغلون ما لديهم من مياه، أي الانتقال بماشيتهم إلى حيث يجدون المرعي، أو بناء مساكنهم بالقرب من مصدر المياه الدائم، أو إرسال شبانهم بعيداً مع ماشيتهم للرعي.
والناس الذين يعيشون في بلاد منكوبة بذبابة “التستيسي” يضطرون إلى الاستغناء عن الماشية. أما الذين يعيشون في الجزر فيتعلمون بناء السفن ويعرفون كيف يبحرون بواسطة النجوم. ولو أن هناك شعوباً في حوض النيل لم يبنوا قارباً واحداً في حياتهم. فالناس الذين يزرعون احتياجاتهم الغذائية على رقعة محدودة من الأرض، يضطرون إلى وضع قواعد تحدد من له أحقية استخدام الأرض.
إلا أننا لا نجد تشابهاً بين مجتمعات الرعاة أو سكان الجزر مثلاً، كما لا يمكن إيجاد علاقة بين هذه الفروق وبين البيئة. فالبيئة الصعبة تحد مما يمكن لأهلها أن يقوموا به. وأكبر مثال على ذلك قبائل “توركانا” في شمال كينيا. إذ تضطرهم أرضهم البور إلى مداومة التنقل بماشيتهم بحثاً عن المرعى والماء. ولا تقل المجموعة البدوية منهم عن ست أفراد ينتقلون معاً.
وحتى ما يعتبر سكان قرية صغيرة، أي مائة شخص تقريباً لا يجدون قوتهم أو قوت ماشيتهم في وقت واحد وفي مكان واحد، ولذا فليس لقبائل التوركانا أي قرى أو رؤساء للقرى أو مجالس للقرى يعرض فيها السكان مشاكلهم ويحلونها. فهم بذلك يكادون يفتقرون إلى أي تنظيم سياسي. إلا أن هناك في العالم شعوباً قليلة جداً تضطر إلى مواجهة مثل هذه الصعاب الشديدة.
فغالبية سكان العالم يستطيعون العيش في قرى مستقرة، أو تجمعات أكبر من القرى، حيث تتعاقب الأجيال في العيش فى نفس المكان. وليست كل هذه الشعوب متشابهة، كما لا يمكن تفسير الفروق بينها بسقوط المطر أو درجة الحرارة أو نوع الزراعة التي تنتجها الأرض.
الحقائق أو الظواهر الاجتماعية هي موضوع اهتمام دارس المجتمع في الأنثروبولوجيا:
إن قواعد السلوك التي يتكون منها هذا التنظيم، أي الحقائق أو الظواهر الاجتماعية هي موضوع اهتمام دارس المجتمع في الأنثروبولوجيا. فهل يمكن تفسيرها بشيء مما وراء المجتمع أو منفصل عنه؟ هل يمكن تفسيرها بأوعية تفكير الإنسان، أو بمدى طول موسم الأمطار في أنحاء مختلفة من العالم؟
إن دوركايم عالم الاجتماع الفرنسي المشهور، الذي استلهمه كثيرون من الأنثروبولوجيين البريطانيين، يقول “لا” فكل ما هو اجتماعي لا بد أن يفسر بظواهر اجتماعية أي من النوع نفسه. بعبارة أخرى، سنجد أن بعض الإجراءات والأوضاع هي عبارة عن طابع مميز لبعض الشعوب ذات التكنولوجيا البسيطة أو أن بعض قواعد الميراث مرتبطة ببعض قواعد الزواج وملازمة لها. ولكن من العبث الخروج إلى خارج المجتمع للبحث عن تفسير لما يحدث في داخله.
الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من علم الاجتماع:
من ذلك نرى أن علم الاجتماع هو دراسة المجتمع وأن الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي فرع من علم الاجتماع. والسؤال هو: لماذا يطلب من البعض أو لماذا يرغبون في دراسة المجتمع؟ إننا جميعاً أفراد في المجتمع، والمفروض أننا نعرفه من خلال تجربتنا فيه. فمعظمنا ينشأ وهو يعرف كيف يتصرف تجاه الآخرين، وعندما يتم نموه، يصبح من البديهي لديه أن هناك طريقة واحدة للسلوك.
وعندما يسافر إلى الخارج لقضاء إجازة أو لقضاء مدة أطول، سرعان ما يكتشف أن قواعد السلوك مختلفة في الدول المختلفة. ويظن بعضنا أن هذا دليل على حطة الدولي الأخرى، ولا يخطر ببالنا أننا في نظر الدول الأخرى التي تنتهج قواعد أخرى في السلوك أقل مكانة منهم.
وقد قال ديكنز على لسان بودسناب أحد شخصيات رواياته: “لا توجد دولة أخرى محظوظة كهذه الدولة”. وعندما سأله أحد ضيوفه الأجانب الجالسين إلى مائدة العشاء: “وماذا عن الدول الأخرى” أجابه “إنهم للأسف يتصرفون ولكني مضطر للأسف أن أقول، إنهم يتصرفون بطريقتهم الخاصة”.