الفلسفة السلوكية الساذجة في التعامل مع السلوكيات الإنسانية المعقدة:
كثيراً ما تتهم السلوكية بأنها ساذجة، فهناك من يقول إن الإجراءات العلاجية السلوكية سطحية، ولا تعمل على معالجة الأسباب الحقيقية للمشكلة، فكما يرى النقاد تحاول السلوكية معالجة السلوكيات الظاهرة، وهي ما ينظر إليها على أنها مجرد أعرض للمشكلات النفسية الداخلية.
واستناداً إلى هذا الرأي اقترح الكثيرون أن معالجة السلوك نفسها لا تكفي، وأن ذلك سيؤدي إلى مشكلة نفسية داخلية عن نفسها بشكل آخر، وذلك من خلال ظهور سلوكيات وأعراض جديدة مختلفة؛ لأن الاضطراب سيبقى موجود داخل الإنسان بعد المعالجة، قد أطلق على هذه القضية اسم قضية الأعراض البديلة.
إن بحث الإنسان عن أسباب سلوكه داخل جسده، قد ترتب عليه طمس العوامل المتوافرة للتحليل العلمي بشكل مستمر، هذه العوامل توجد خارج الإنسان في بيئته المباشرة وفي تاريخه البيئي، وإن نتائج البحوث العلمية لم تدعم هذا الافتراض، فالأعراض البديلة نادراً جداً ما تظهر بل على العكس تماماً.
فالدراسات تشير إلى أن تقليل السلوكيات غير المرغوب بها غالباً ما يترتب عليها زيادة في السلوكيات المرغوب بها، وليس ظهور سلوكات جديدة غير مرغوب بها، وفي الحالات النادرة التي تظهر فيها سلوكات جديدة غير مقبولة، بعد التوقف عن المعالجة فإن لدى تعديل السلوك تفسيرات أخرى بديلة لتفسيرات نظريات علم النفس التقليدية.
التفسير السلوكي:
والتفسير السلوكي هو أنه ليس صحيحاً القول إن هذه السلوكيات في حال حدوثها هي بالضرورة أعراض بديلة للسلوكيات التي عولجت، ولكن ذلك يعزي إلى أنه لا يوجد طريقة علاج تستطيع خلق مناعة لدى الإنسان ضد تأثيرات الظروف البيئية.
فالظروف البيئية التي أدت إلى ظهور المشكلة السلوكية القديمة هي نفسها المسؤولة عن ظهور أي مشكلات سلوكية سابقة، لا يعني بالضرورة أن هناك سبباً داخلياً لذلك بل والأكثر من ذلك، فإن نظريات علم النفس كالتحليل النفسي مثلاً تحذر من عواقب عدم معالجة تلك السلوكيات.
إن عدم معالجة السلوك غير المرغوب به قد يزيد من شدة المشكلة السلوكية التي يواجهها الفرد، أو قد يتسبب هو نفسه في ظهور مشکلات جديدة، وهناك أيضاً من يتساءل قائلاً كيف تستطيع السلوكية أن تعالج السلوك دون أن تحاول معرفة أسبابه؟، وهذا التساؤل هو الآخر ليس أكثر من محصلة لعدم تفهم حقيقة ما تقوله السلوكية.
فالسلوكيون كغيرهم يحاولون ضبط العوامل المسؤولة عن السلوك وأسبابه بهدف تعديله، ولكن الفرق بين السلوكية والنظريات الأخرى يتمثل في طبيعة النظر إلى ماهية أسباب السلوك، ففي حين ترى نظريات علم النفس التقليدية أن أسباب السلوك توجد في الحالات النفسية الداخلية، تبحث السلوكية عن أسباب السلوك في تفاعلات الإنسان مع بيئته.
أسباب السلوك الإنساني:
إن ما يهمنا إذن هو أسباب السلوك الإنساني، إننا نريد أن نعرف لماذا يفعل الإنسان ما يفعله، فأي ظرف أو حدث يتبين أن له أثراً في السلوك أخذه بالحسبان، وباكتشاف هذه الأسباب وتحليلها نستطيع التنبؤ بالسلوك، وإلى المدى الذي نستطيع معه التحكم بهذه الأسباب، نستطيع التحكم بالسلوك.
كذلك تتهم السلوكية بأنها عاجزة عن تحليل السلوكيات الإنسانية المعقدة، وأنها لا تستطيع التعامل إلا مع السلوكيات البسيطة، صحيح أن المنحى السلوكي حالياً غير قادر على تحليل كل المظاهر السلوكية الإنسانية، ولكن أين هي نظرية علم النفس التي تستطيع أن تدعي ذلك.
وكما اشار (سكنر) فالذين يتهمون السلوكية بأنها لا تستطيع التعامل مع السلوكيات المعقدة، يقومون بالإيحاء بأن لديهم هم التفسير، ويضيف (سكنر) أنهم في معظم الأحيان، لا يقدمون أكثر من التخمين والتفسيرات الخيالية.
ويرى (سكنر) أن عالم السلوك بالذات عرضة لأن يتهم بالسذاجة والسطحية؛ لأنه لا يستخدم المصطلحات التقليدية ولأنه من الصعب أن نتخيل أن قانوناً بسيطاً كقانون التعزيز مثلاً له كل هذا الأثر البالغ في سلوك الإنسان.
إن بساطة مفهوم التعزيز لأمر خادع، فلقد استخدم (سکنر) وباحثون آخرون التعزيز لحث الحيوان والإنسان على تأدية سلوكيات بالغة التعقيد، وحتى لو حكم على نموذج (سكنر) بالبساطة، فهل ذلك شيء سيء بالضرورة؟ هل النموذج المعقد بطبيعته أفضل من النموذج البسيط اليس المهم أن نسأل أي النماذج أكثر فائدة ويعود بنتائج أفضل؟
إن السلوكية لن تستطيع اكتشاف كل قوانين السلوك مرة واحدة، مثلها في ذلك مثل كل العلوم التطبيقية، ومن جهة أخرى، فإنه من الخطأ القول أن السلوكية لا تستطيع التعامل إلا مع السلوكيات البسيطة، فلقد انتقلت السلوكية منذ زمن ولكن ببطء.
واستناداً إلى العلاقات الوظيفية المكتشفة إلى دراسة السلوكيات الإنسانية المعقدة، كالتفكير والابداع والنمو الأخلاقي والنمو الإدراكي والضبط الذاتي والنمو اللغوي، وما يحدد درجة تعقيد النظرية ما ليس المفاهيم والمصطلحات التي تستخدمها وإنما قدرتها على تعديل السلوك بشكل فعال.
وإذا احتكمنا إلى هذا المعيار فستكون السلوكية من أكثر نظريات علم النفس فعالية وفائدة صحيح، وأن من يقرأ نظرية (فرويد) مثلاً قد بشعر أنها بعيدة النظر، وتبحث في أعماق النفس الإنسانية، وقد يبهره النظام النفسي المعقد والجذاب الذي تقترحه.