القبيلة وأسس تصنيف القرابة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


في هذا المقال سنتحدث عن القبيلة وأسس تصنيف القرابة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية.

القبيلة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

القبيلة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية هي جماعة قرابية كبيرة تتكون من تجمع لعدد من البدنات (أو البيوت) كما في المجتمع النوبي وكما هو لدى جماعات البدو. وكما هو معروف في الكتابات الأنثروبولوجية، مع مراعاة أنه لا تتفق القبيلة في خصائصها مع البدنة من حيث الاكتفاء الذاتي والتمايز وصغر الحجم.

يرجع انتماء القبيلة مع ذلك إلى جد واحد مشترك، إذا نظرنا من الناحية البنائية للقبيلة ومكوناتها، نجدهم قد يتقاربوا ويتباعدوا بنائياً حسب التسلسل الجينيالوجي لمؤسس القبيلة. أما بالنسبة للأولاد المكونة للقبيلة، تجدها أقرب بنائياً لبعضهم البعض عن أي جماعة أخرى تنتمي إلى بيت آخر من بيوت القبيلة.

ولهذا نجد أنه يسود بينهم نظام الزواج الداخلي الواحد فيما بين “الأولاد”. أي أن الشاب عندما يتزوج يبدأ الاختيار فيما بين البيوت الأخرى من نفس القبيلة كما يراعى فيه أن يكون الزواج لنوع خط النسب السائد في القبيلة، أي إذا كان نسب أبوها يختار فيما بين الأقارب العاصبين أما إذا كان نسباً في خط أمومي فيختار فيما بين أقارب الأم.

ولهذه الجماعة الكلية (القبيلة) قواعد وحقوق والتزامات لا بد أن يراعيها أعضاؤها نظراً لاشتراك أغلب الأعضاء في الحرفة والملكية وبعض الشؤون الأخرى. في الملكية مثلاً تنقسم طبقاً لأقسام القبيلة (البيوت) ولكن ليس للفرد حق التصرف بالبيع فيما يملكه، لا يجوز له ذلك طبقاً للعرف أو قانون القبيلة لأنه عار.

وقد يستقر رأي الباحث أن تختار من كل مجتمع من مجتمعات بحثه قبيلة، ويقوم بدراستها جينيالوجيا. ففي القرية يتم اختيار قبيلة من أكبر القبائل في القرية من حيث الحجم لأنها تضم حوالى ٤٠% من ساكني القرية. وفي مجتمع البدو يختار الباحث قبيلة نظراً لقرب توزيع فروعها من المدينة. وفي مجتمع المدينة يختار الباحث قبيلة نظراً لقربها أيضاً من المدينة.

أسس تصنيف القرابة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية:

لقد أظهرت لنا الدراسة الميدانية لمجتمعات البحث، ما اتفق عليه علماء الأنثروبولوجيا من أن معنى القرابة لا يقتصر على الرابطة البيولوجية (الدموية)، ولكن هناك صلات وعلاقات اجتماعية تسود في مجتمعات البحث، موضوع الدراسة الحالي، بحيث يستخدم لها نفس مصطلحات القرابة الدموية.

بالإضافة إلى ذلك تتميز مجتمعات البحث في الحديث اليومي بين الأقارب بمصطلحات خاصة من خلالها توضح لنا نوع القرابة إذا كانت من جهة الأب فلهم مصطلحات خاصة بهم. وإذا كانت من ناحية الأم فلهم مصطلحات خاصة بهم، بالإضافة إلى أن هناك مصطلحات خاصة تستخدم للأقارب المصاهرين.

ومن أسس تصنيف القرابة السائدة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية نذكر:

الأساس الأول الجيل: تقسم الأقارب في مجتمعات البحث إلى أجيال وكل جيل له مصطلحات خاصة به. ففي جيل الوالدين: نجد في مجتمع المدينة يطلق على الأم مصطلح (يايو أو أمي) ويطلق على الأب مصطلح (يابويه أو بابا). الجيل الثاني: هو جيل الأبناء الأخ والأخت وأبناء العم والعمة (الذكور والإناث) وأبناء الخال والخالة (الذكور والإناث).

ويعامل أعضاء هذا الجيل في المجتمعات على أنهم إخوة وأخوات بالنسبة لجيل الوالدين. الجيل الثالث: جيل الأحفاد الابن يعامل جميع أفراد هذا الجيل في المجتمعات معاملة تتصف بالحنان من جانب الأخوال وأقارب الأم، أما من ناحية الأعمام وأقارب الأب فهي علاقة تأخذ طابع السلطة كامتداد لسلطة الأب.

الأساس الثاني النوع: تفرق مجتمعات البحث بين الأقارب طبقاً للنوع (ذكر أو أنثى) ويخصص لكل نوع منهم مصطلح معين. يعامل الأقارب الذكور من جيل الأب في مجتمعات البحث الثلاثة حتى الدرجة الخامسة والسادسة كأخوة الأب فيطلق على الذكور منهم مصطلح عم وعلى الإناث منهم مصطلح عمة.

والأقارب الإناث من ناحية الأم ومن هن في جيل الأم مصطلح خالة والأقارب الذكور من هم في جيلها مصطلح خال. أما في جيل الأبناء فيستخدم مصطلح أخ والإناث مصطلح أخت وللأقارب الذكور من ناحية الأب ومن نفس الجيل يستخدم مصطلح أبناء العم، والإناث بنات العم. والأقارب الإناث من ناحية الأم ومن نفس الجيل مصطلح بنات الخالة والأقارب الذكور من ناحية الأم ومن نفس الجيل مصطلح أبناء الخال.

الأساس الثالث أساس صلة القرابة (خط الانتساب): تفرق مجتمعات البحث بين نوعين من الأقارب: أقارب عاصبون (اللزم) و (لحمة) والأقارب من ناحية الأم. بمعنى أن المجتمعات الثلاثة تفرق بين الأقارب بحسب صلة القرابة التي تربطهم بهم. فالأب وأخوته الذكور وأبناؤهم وبناتهم يمثلون الدرجة الأولى والملزمة من ناحية الحقوق والواجبات، كذلك يمثلون امتداد سلطة الأب وعائلته.

وتشاركهم العمة فقط في نفس المكانة خصوصاً العمة الكبيرة في السن، أما أبناؤها الذكور والإناث فلا يمثلون درجة قرابية ملزمة أو عاصبة لأنهم ينتسبون إلى عائلة والدهم وهم يعاملون مثلهم مثل الأقارب من ناحية الأم (الخال والخالة وأبناؤهم) فهناك الأقارب العاصبون (اللزم) من ناحية الأب، والأقارب فقط وهم من ناحية الأم.

الأساس الرابع الصلة الدموية والمصاهرة: يلاحظ في مجتمعات البحث الثلاثة أن علاقة المصاهرة لا تخلق علاقة جديدة بل هي تقوى من علاقة القرابة الدموية قبل الزواج، وذلك نظراً لسيادة نظام الزواج الداخلي من العائلة في المدينة قديماً ومن داخل القبيلة في القرية والبدو.

ولذا لا يوجد مصطلحات خاصة لقرابة المصاهرة إلا في المدينة حالياً. فأبو الزوج يطلق عليه مصطلح (عم أو خال) وأم الزوج يطلق عليها مصطلح عمة أو خالة. كما في المدينة فظهرت مصطلحات خاصة بعلاقة المصاهرة نتيجة لتغير نظام الزواج من الزواج الداخلي إلى الزواج الخارجي فأصبح هناك ارتباط بين عائلتين لا تربطهم صلات دموية إنما تنشأ بينهم علاقة أو صلة من خلال زواج أحد أعضائهم.

الأساس الخامس ظروف الإقامة والمعيشة: إذا نظرنا إلى نظام الإقامة في مجتمعات البحث الثلاثة، فنجد أنه في المدينة في الماضي كان يقيم الأبناء الذكور بعد زواجهم مع عائلة والدهم، وتفرض المعيشة المشتركة على الأعضاء نوعاً من الالتزامات لا يستطيع التخلي عنها. ففي حالة وفاة أحد الإخوة الذكور يتقدم أحد أخوة الزوج للزواج من أرملة أخيه (وعادة الأخ الأعزب). وإذا لم يكن هناك من هو في سن الزواج، يتقدم أحد الإخوة المتزوجين للزواج منها لكي يقوم بتربية أبناء أخيه المتوفى والمحافظة على الملكية الجماعية للأسرة من دخول أحد الأغراب يشاركهم فيها في حالة زواج أرملة أخيهم من شخص خارج الأسرة.

أما حالياً، فلم يعد لنظام المعيشة أو الإقامة المشتركة في المدينة وجود، وحل محله نظام السكن المنفصل. هذا النظام ساعد على تخلي الشاب عن شرط الزواج من أرملة أخيه المتوفى. ويكفي أن يقوم أخوة المتوفى بزيارة أرملة أخيهم وأبنائه بصورة دورية وتقديم العون المادي لهم في صورة تقديم مبلغ شهري.


شارك المقالة: