المادية التاريخية ودورها في التغير الاجتماعي عند كارل ماركس

اقرأ في هذا المقال


ينطلق كارل ماركس من افتراض أساسي عن العلاقة بين الوجود والفكر، وذلك من خلال افتراض أن أولوية الوجود على الوعي وبالتالي يصبح الفعل الإنساني وما يترتب عليه من واقع اجتماعي الذي يعد أساس تشكيل وعي الأفراد والوعي الاجتماعي فيفسر طرق التفكير وأنماطه في العلاقات الاجتماعية.

المادية التاريخية ودورها في التغير الاجتماعي عند كارل ماركس:

قام كارل ماركس بمعارضة أفكار هيغل التي تفترض أن أساس الحقيقة تكمن في عالم الأفكار التجريدية وأن حركة هذه الأفكار المستقلة هي التي تحكم الأفراد وطريقة سير التاريخ التي تنتهي بفكرة نشوء الدول، حيث يعتقد كارل ماركس أن الإنسان غير حامل للأفكار وإنما منتج للأفكار.
فتظهر الأفكار وتتطور من خلال إطار معين للبناء التاريخي للعلاقات الاجتماعية فلا تقوم الأفكار ذاتها كما أنها ليست بشكل كلي انعكاس للمحيط المادي، وأن الفرد هو أساس الفكر في العلاقات الاجتماعية المستمرة.
يبدأ كارل ماركس بالقول إن الفعل الأول للإنسان هو إنتاج الحياة المادية ويعد شرط أساسي وضروري ولازم من أجل حياته واستمرار بقاء الأفراد، فالحياة والبقاء يتطلبان تلبية الحاجات الضرورية من أجل البقاء مما يجعل العملية الإنتاجية أساس من أجل الحياة والقاعدة التي تقوم عليها أوجه الحياة الأخرى.
يترتب على الفعل الإنتاجي وهو فعل اجتماعي بطبيعته، بناء علاقة بالبيئة الطبيعية ومواردها كما أن عملية الإنتاج تتطلب نوع من العلاقات والتنظيم الاجتماعي، ويفترض ماركس أن عملية الإنتاج في علاقة الإنسان بالبيئة وتحديد الموارد والتجهيزات والأدوات والتي تشكل في مجموعها مفهوم وسائل الإنتاج.
فإذا تم إضافة الإنسان المنتج تصبح معاً قوى الإنتاج والعلاقة الاجتماعية هنا العمل الجماعي ويتضمن علاقة الفرد بالآخرين وعلاقة بما قام من وسائل الإنتاج وبشكل خاص من حيث الملكية ويطلق عليها علاقات الإنتاج.
وتمثل حصيلة العلاقات بين قوى الإنتاج وعلاقاته في ما سماه كارل ماركس بنمط الإنتاج، وهو مفهوم تجريدي يتضمن معناه تشكيلات اجتماعية وتاريخية التي يمثل كل منها نموذج اجتماعي، قام نتيجة علاقة محددة بين قوى الإنتاج وعلاقاته، فنمط الإنتاج الرأسمالي يتضمن معناه احتكار الطبقة البرجوازية لملكية وسائل الإنتاج ويتمثل في تشكيل اجتماعي تاريخي مثل المجتمع البريطاني.
يتألف كل من هذه التشكيلات الاجتماعية التاريخية من مستويين مترابطين في علاقات جدلية هما: المستوى الفوقي أو البنية الفوقية والمستوى أو البني التحتية، حيث يتضمن المستوى الفوقي الأفكار الحقوقية والسياسية والأفكار والفنون عامة وارتباط الوضع كامل بالمستوى من الوعي الاجتماعي، أما البنية التحتية تمثله قوى الإنتاج وعلاقاته التي تمثل القاعدة الاقتصادية.

التغير الاجتماعي من وجهة نظر كارل ماركس:

عملية التغير الاجتماعي تعتمد على التغير في المستوى التحتي أساساً والذي يترتب على التغير فيه تغير في المستوى الفوقي، وبالتالي تصح القاعدة الاقتصادية هي أساس النمط الاجتماعي القائم كما يؤدي تغيرها إلى تغير أوجه الحياة الاجتماعية.
تتضمن المادية التاريخية نوع من الحتمية وكأن عملية التغير الاجتماعي تسير حسب قوانين لادخل لإرادة الإنسان فيها، وقد عمل انجلز على تصحيح هذه النظرة بالقول أن الإنسان له دور كما أن الأخذ بالجدلية يتضمن أن علاقة المستوى التحتي بالمستوى الفوقي لا تبقى من جهة واحدة.
إذا يصبح للمستوى الفوقي بعد قيامه بدوره في التأثير في القاعدة الاقتصادية وأن كانت هذه الأخيرة تمثل أساس عمليات التغير الاجتماعي، بهذا فإن عمليات التغير الاجتماعي وحركة التاريخ ترتبطان بشكل أساسي بالقاعدة الاقتصادية وتغيرها.
تتبدل العلاقات بين قوى الإنتاج وتتبدل بشكل سريع لا ترافقها تغيرات موازية لعلاقات الإنتاج فتصبح العلاقات القديمة تقف عقبة في طريق التقدم الاجتماعي وتقدم قوى الإنتاج مما يؤدي إلى وجود تناقضات بين قوى الإنتاج، ويؤدي هذا التناقض إلى قيام تناقض آخر في البناء الاجتماعي إذا ترتبط مصالح العاملين بتغير قوى الإنتاج واستبدالها بعلاقات جديدة.
هنا تبدأ تشكل الطبقات والصراع الطبقي والذي يعتبره ماركس مضمون ومظهر تاريخ المجتمعات الإنسانية، ويتضمن التناقض التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته من جهة وبين التجمعات المختلفة المصالح التي ترتب وجودها على التناقض الأول وهو مفهوم الثورة.
وهذا التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته وما يترتب عليه من صراع وتناقض طبقي بأشكاله المختلفة من حيث أطراف عملية الصراع تمثل بمجموعها تاريخ الإنسانية، والذي مثله ماركس في مراحل أساسية متتالية يمثل كل منها نمط إنتاج معين.
وتشمل أنماط الإنتاج البدائي القديم والنمط الآسيوي والإقطاع والرأسمالي ثم الاشتراكي الذي يفضي إلى النمط الشيوعي.


شارك المقالة: