الملك خفرع وهرمه

اقرأ في هذا المقال


الملك خفرع وهرمه:

ليس في المستطاع أن يتم التحدث ما إذا كان (رع – ددف)،‏ قد مات ميتة طبيعية أو أنّه كان ضحية مؤامرة من المؤامرات. وتلاه على العرش أخوه خفرع الذي طال حكمه فزاد عن حكم أبيه إذ من الثابت أنّه لم يقل عن خمسة وعشرين عاماً بل ربما وصل إلى تسعة وعشرين عاماً.

وأراد خفرع إنشاء هرمه ربوة خلف هرم أبيه، ولا ريب في أنَّ كل أهرامات خفرع من أجمل ما تم أنشاؤه من مبانٍ في الدولة القديمة، ولكن يتم ملاحظته أنَّ مهندسيه وصُناعه لم يصلوا إلى ما وصل إليه زملاؤهم في عهد خوفو من إتقان. وهو لا يقل في ارتفاعه إلا أمتاراً قليلة عن هرم أبيه إذ كان ارتفاعه الأصلي (143.5) متر، وطول ضلع قاعدته المربعة (215.5) متر أمّا داخله فبسيط إذا قيس بالهرم الأكبر، وله مدخلان من الناحية الشمالية.

وكان هذا الهرم كغيره من الأهرام مكسوا من الخارج بأحجار جيرية من النوع المفضل والمميز نزعت منه ومن غيره في العصور الوسطى ابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي لاستخدامها هي وغيرها ممّا بقي من أحجار المقابر والمعابد في الجيزة وهليويوليس ومنف. وجبانتها وغيرها من الآثار، لبناء أسوار القاهرة وبعض مساجدها لعظماتها، بل إنَّ أخذ الأحجار من الأهرام والمعابد لأجل البناء كان مستمراً حتى القرن التاسع عشر.

ولم يظل من الكساء الخارجي إلّا أجزاء بسيطة في أعلى الهرم، أما فيما يخص المجموعة الهرمية فهي كما هي في حالة لا مثيل لها من مثيلتها في هرم خوفو ويتمكن الزوار المنطقة أنّ يرى بقايا معبده الجنازي و (معبد الوادي)،‏ وبقايا الطريق الصاعد الموصل بين الإثنين كما يستطيع أن يرى حول الهرم الأماكن التي كانت توضع فيها المراكب اللازمة لرحلة الشمس، وقد عثر منها على خمسة على الأقل، كما يستطيع أيضاً أن يرى بقايا مدينة العمال في الجهة الغربية منه وهي مقسمة إلى قاعات وتتسع لإيواء عدد يتراوح بين (3500 – 4000) عامل. ويعطينا المعبد الجنازي لهذا الهرم فكرة عمّا وصلت إليه هندسة بناء المعابد بوجه عام في ذلك الوقت كما يُعطينا أيضاً فكرة عما كان عليه قصر الملك أو غيره من الأثرياء القادرين.

يدخل الزوار من بابه الخاص وهو الشرقي عند نهاية الطريق الصاعد، فيصل في دهليز ضيق يؤدّي إلى بهوين كبيرين، كان يحمل سقف كل منهما أعمدة من الجرانيت، ثم يرى بعد ذلك بهواً كبيراً لا سقف له وعلى جوانبه بواكي محملة على أعمدة كبيرة الحجم، ويلي ذلك خمس حجرات صغيرة يرجح أنَّ كل واحدة منها أقيمت لأجل اسم من أسماء الملوك الخمسة،‏ وأنَّ جدرانها كانت مزخرفة برسوم للملك.

ويأتي فيما بعد جزء مميز من المعبد كان لا يمنح بزيارته إلّا للكهنة العاملين على خدمته، وكان فيه الهيكل والمخازن التي كانوا يضعون فيها الأدوات التي تلزمهم في تقديم القرابين أو أداء الصلوات (الملك – الإله). وكان الطريق الموصل بين هذا المعبد ومعبد الوادي مسقوفاً، ونرى بعض بقايا جدرانه عند معبد الوادي الذي شيدوا جدرانه وأعمدته من جرانيت أسوان وينوا بعض حجراته وأرضيته من كتل المرمر التي أتوا بها من محاجر حتنوب في الجبل الشرقي خلف تل العمارنة.

وكان هذا المعبد يتم استخدامه في بعض الطقوس الدينية الخاصة بغسل الجثة وتطهيرها ثم تحنيطها وكان في الوقت ذاته مدخلاً للمجموعة الهرمية. وله بابان يوصلان إلى بهو مستطيل ثم إلى قاعة محمولة على أعمدة جرانيتية مربعة تمتد في وسطها فتكون بهواً آخر (الاثنان يُكونان شكل حرف T)، كان يقوم إلى جانب كل عمود في الجزء المستطيل تمثال للملك.

فن المواد المصنوعة لتماثيل وهرم خفرع:

كانت تماثيل خفرع متوزعة في كافة نواحي المعبد وبعضها من حجر الديوريت، ومن بينها ذلك التمثال الشهير الذي يُعتبر آية من آيات الفن المصري ليحميه، وقد نجا هذا التمثال وغيره من تماثيل هذا الملك، لأنّ كهنة المعبد حفروا في وقت من الأوقات حفرة عميقة في البهو الشرقي المستطيل أودعوها تلك التماثيل التي بقيت في ذلك المكان حتى عثر عليها عند تنظيف مصلحة الآثار لذلك المعبد في القرن الماضي.

وصل فنّ النحت إلى أعلى عظمته وهيبته في عهد خفرع، وأصبح في استطاعة الفنان المصري أنّ يسيطر سيطرة تامة على أقسى أنواع الحجر، ويكفي أنّ يقف الإنسان أمام هذا التمثال المصنوع من الديوريت وهي مادة أصلب من الجرانيت والبازلت، ويرى نجاح الفنان في التعبيرات التي ظهرت على وجهه ودقنه في إظهار عضلات الجسم، ‏ومظهره بوجه عام، ليُدرك مدى تقدم الفنان المصري في فنه،‏ ذلك التقدم الذي لم يتفوق عليه هو نفسه في العصور التالية.


شارك المقالة: