النظرية الاقتصادية الكلاسيكية ونقدها في الأنثروبولوجيا الاقتصادية

اقرأ في هذا المقال


يتناول هذا المقال طرح لموضوع النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، كما يتناول أيضاً النقد الذي تعرضت له النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية.

النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

خلال السنوات الأخيرة نجد أن بعض الاقتصاديين يتحدون دور النظرية الاقتصادية الكلاسيكية خارج المجتمعات الغربية، وتمثل هذه المجموعة من الاقتصاديين والتي كان يقودها كارل بولاني اتجاه “النوعية الاقتصادية” في علم الاقتصاد.

وفي الأنثروبولوجيا كان بول بوهانون وجورج دالتون Dalton من الرواد البارزين لهذا الاتجاه. وفي عمليات بسيطة للغاية يذهب أصحاب اتجاه النوعية الاقتصادية إلى أن النظرية الاقتصادية القائمة قد تطورت في ضوء علاقاتها باقتصاد السوق المميز للأمم الصناعية الغربية، ذلك الاقتصاد الذي يتضمن على الأقل نظرياً دوراً حراً للعرض والطلب في تحديد القيمة، وممارسة تأثير قوى الإنتاج والاستهلاك.

ولقد ذهب هؤلاء العلماء منذ البداية إلى أن الاقتصاد “البدائي” كان موجهاً أساساً نحو مواجهة احتياجات الإعاشة، ومن ثم فهو يختلف في طبيعته عن اقتصاد السوق. أما المبادئ التي كانت تحكم تبادل السلع في اقتصاد الإعاشة فهي المقايضة وإعادة التوزيع، مع عدم وجود فعلي أو كامل للترشيد ولمبادئ عملية السوق، وتحقيق أقصى ربح ممكن.

أما المقايضة فتتضمن تبادل السلع والخدمات تبادلاً نوعياً أو طبقاً للقيم التقليدية حينما نتناول عملية المقايضة سلعاً غير متشابهة. في حين نجد إعادة التوزيع تتضمن الميكانيزمات التي تتضمن تحقيق مساواة كبيرة فيما يتعلق بالسلع، أي نقل السلع من الأفراد والجماعات التي لديها فائض، إلى تلك التي لا تمتلك هذه السلع، والحيلولة دون تراكم السلع.

ويؤكد أصحاب اتجاه “النوعية الاقتصادية” قضية أساسية هي، أن اقتصاد الإعاشة البدائي يختلف في طبيعته عن اقتصاد السوق الصناعية، وذلك على النقيض مما يذهب إليه أولئك الذين يؤكدون أن الاختلافات بينهما ليست اختلافات في النوع، بل في الدرجة. وتبدو النشاطات الاقتصادية في مجتمعات الإعاشة كجزء متغلغل في النسق الاجتماعي، وأن هذه النشاطات تضم نظاماً لتبادل الأخذ طبقاً لمعايير متكافئة، ويخضع لتوجيه كرم الضيافة.

وفي هذه المجتمعات توجد علاقات تعاونية تعمل على إزالة العدوات ودعم التضامن. وعلى النقيض من ذلك فإن اقتصاد السوق يتضمن المساومة للوصول إلى سعر مرض للجميع تدعمه الرغبة في تحقيق كسب أو ربح شخصي، وهذا يؤدي إلى ظهور التناقض والعداوة والقلق.

نقد النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

هذا وقد تعرضت النظرية الاقتصادية الكلاسيكية لنقد مرير من جانب سكوت كوك، الذي أوضح أن أصحاب اتجاه هذه النظرية الاقتصادية قد منحوا الإعاشة صورة مثالية رومانسية، في حين ربطوا الاقتصاد الموجه نحو السوق بعيوب ونقائض اجتماعية مختلفة. ولقد ذهب كوك إلى أنه لما كان أصحاب النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، وأصحاب النظرية الاقتصادية الصورية، قد تجاهلوا إلى حد كبير وجهات نظر بعضهم فيما بينهم (بدلاً من الدخول في مناقشة وجدل)، فإن كلاً منهم يتحدث عن موضوعات مختلفة.

ولقد أوضح أن أصحاب النظرية الاقتصادية الكلاسيكية قد اضطروا إلى تعديل وجهات نظرهم بسبب وجود مجتمعات فلاحين بسيطة تلعب فيها مبادئ السوق دوراً واضحاً. على أن أصحاب اتجاه النظرية الاقتصادية الكلاسيكية تناولوا هذه المشكلة بوجه عام، وذلك بصياغة فئة وسيطة من مجتمعات الفلاحين تأثرت بدرجة متفاوتة بمؤثرات اقتصاد السوق.

إلا أن ذلك لا يحل كل المعضلات، ذلك لأن الدراسات الجيدة التي تناولت اقتصاديات الإعاشة التي لم تتعرض إلا لتأثير خارجي ضئيل، قد أوضحت أن مبادئ السوق تلعب فيها بوضوح دوراً هاماً إلى حد ما. كذلك ذهب كوك إلى أن الغالبية العظمى من شعوب العالم التي تعيش خارج نطاق اقتصاديات السوق الصناعية تمثل مجتمعات فلاحين تؤدي وظيفتها طبقاً لمبادئ السوق إلى حد ما.

والوظيفة الأساسية للأنثروبولوجيا الاقتصادية الحديثة عند كوك تتمثل فى ارتباطها بمشكلات التنمية وفي نقد آخر لاتجاه النوعية الاقتصادية يذهب لوكلير أن التوصل إلى نظرية اقتصادية عامة هو أمر ممكن. وأن النظرية الاقتصادية الحالية قد لا تكون كافية، لأنها تستند استناداً كلياً إلى حالة خاصة هي الاقتصاد الغربي. وأنه يجب البرهنة على أن الاقتصاديات غير الغربية تمثل حالات خاصة يمكن انضواؤها تحت النظريات القائمة، أو أن يستعان بتلك الاقتصاديات في إقامة أو توسيع نظريات عامة.

ومن وجهة النظر هذه فإن وظيفة الأنثروبولوجيا الاقتصادية هي تقديم وصف لهذه الحالات الخاصة، ومحاولة ربطها بالنظرية الاقتصادية. وتسيطر وجهة النظر هذه على المناقشة التالية، فالوظيفة الهامة لعالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية هي دراسة الوسائل المختلفة التي من خلالها يمكن أن تتوزع وظائف النسق الاقتصادي على النظم التي تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك التى تؤدي نفس الوظائف في المجتمع الغربي. إن ذلك يمثل المهمة التي أعد من أجلها عدد قليل من الاقتصاديين.


شارك المقالة: