النمذجة كأحد إجراءات تشكيل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة

اقرأ في هذا المقال


النمذجة كأحد إجراءات تشكيل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة:

في أغلب الأحيان يتأثر سلوك الشخص بملاحظة سلوك الأشخاص الآخرين، فالأشخاص يتعلمون الكثير من الأنماط السلوكية، سواء كانت محببة أو غير محببة، ومن خلال ملاحظة الآخرين وتقليدهم، ويسمى التغيير في سلوك الفرد الذي ينتج عن ملاحظته لسلوك الآخرين بالنمذجة.

وتسمى عملية التعلم هذه تسمى بأسماء مختلفة، ومنها التعلم بالملاحظة، التعلم الاجتماعي، التعلم المتبادل والنمذجة، قد تحدث بشكل عفوي أو قد تكون مخرجات لعملية هادفة وموجهة، ويتضمن قيام نموذج بتأدية سلوك معين؛ بهدف إيضاح ذلك لشخص آخر يطلب من الملاحظة والتقليد.

كذلك فالنمذجة عملية حتمية، فالأبناء يقلدون الآباء والطلاب يقلدون المعلمين والمتعالجون يقلدون المعالجين، وهكذا ومن أولى الدراسات العلمية التي استخدمت النمذجة، الدراسة الكلاسيكية التي أجرته (ماري جونز) فلقد استخدمت هذه الباحثة قوانين التعلم لمحو الخوف لدى الطفل.

وفي الثالثة من عمره كان الطفل يبدي خوفاً غير عادي من الأرنب، واشتملت طريقة العلاج التي تم استخدامها، على وضع الطفل مع أطفال آخرين لا يخافون من الأرنب في غرفة واحدة، وبعد ذلك كانت (جونز) تدخل الأرنب إلى تلك الغرفة، ومرة تلو أخرى، أصبحت تقربه أكثر فأكثر من الطفل، وإلى أن أصبح في النهاية يقترب منه، ويلاعبه دون أن تبدو عليه علامات الخوف.

وبالرغم من أن هذه الدراسة كانت بمثابة الأرضية، التي انبثق منها إجراء النمذجة إلا أن ما نعرفه عن النمذجة حالياً، وكان إلى حد كبير محصلة لقوانين التعلم من خلال الملاحظة التي وصفها عالم النفس الأمريكي (البرت باندورا) في كتابه قوانين تعديل السلوك، وفي كتب وأبحاث أخرى.

ففي قوانين تعديل السلوك (لباندورا) يوضح النمذجة، إن الشخص يكتسب الأنماط السلوكية الصعبة، عن طريق ملاحظة أداء النماذج الملائمة.

ويمكن التغلب على سلوك الخوف أو التجنبي، عن طريق عرض نماذج التي تتعامل مع الشيء الذي يسبب الخوف، ودون تعرضه لعواقب على تأدية السلوك، وأخيراً يمكن المحافظة على استمراريه أداء الفرد للاستجابات المتعلمة، وتنظيمها وضبطها اجتماعياً من خلال الأفعال التي تصدر عن النماذج المؤثرة.

وقد أوضحت الدراسات العلمية أن نتائج ملاحظة الفرد النماذج السلوكية المختلفة، قد تأخذ أحد الأنماط التالية، قد يكتسب الملاحظ سلوكات جديدة لم تكن موجودة لديه من قبل، وقد تؤدي الملاحظة إلى تقليل أو زيادة السلوكات الموجودة أصلاً لدى الملاحظ.

ومن الأمثلة على ذلك الطفل الذي لا يكتسب صفة الخوف من خلال الخبرة المباشرة مع المثير المخيف، وإنما من خلال ملاحظة طفل آخر يمر بخبرات غير إيجابية (مخيفة) مع المثير، ومن ناحية أخرى، فخوف الطفل من شيء ما، وقد يقل بعد مشاهدته طفلاً آخر يمر بخبرات إيجابية معه.

وعند الحديث عن النمذجة لا بد من التمييز بين اكتساب الاستجابة وتأديتها، إذ إن اكتساب الفرد للاستجابة لا يعني أنه سيقوم بتأديتها، حيث أن أدائه له يتوقف بطريقة مباشرة، على نتائج تقليده للنموذج، وعلى سلوك النموذج أيضاً.

واحتمال تقليد الملاحظ الذي يرى أن سلوك النموذج يؤدي إلى نتائج إيجابية (تعزيز)، والذي تكون مخرجات تقليده لسلوك النموذج إيجابية أيضاً، أكبر من احتمال تقليد الملاحظ الذي يرى أن مخرجات سلوك النموذج سلبية (عقاب)، والذي تكون نتائج تقليده لسلوك النموذج سلبية.

أنواع النمذجة في تشكيل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة:

1- النمذجة الحية- Live Modeling:

يطبق النموذج من خلال تحديد السلوك المستهدف، وبالإضافة إلى الفرد الذي يحتاج إلى تعليم تلك السلوكات، وفي هذا النوع لا يحتاج من الفرد اجتياز سلوكات النموذج، وإنما ملاحظته فقط.

2- النمذجة المصورة- Filmed Modeling:

ويسمى بالنمذجة الرمزية يقوم المراقب بمشاهدة سلوك النموذج من خلال الأفلام أو أي وسائل أخرى، فالنمذجة الحية وإن كانت من أكثر أنواع النمذجة فعالية إذا استخدمت بنجاح، إلا أن لها سيئاتها أيضاً، ولعل أهمها هي أن النموذج يحتاج إلى تدريب مكثف لتكون نمذجة فعالة، وإلا قد يحدث الكثير من الممارسات الخاطئة.

3- النمذجة من خلال المشاركة- Participant Modeling:

وعلى عكس النوعين السابقين حيث يراقب الفرد النموذج فقط، في هذا النوع يقوم الشخص بمشاهده نموذج حي أولاً، وثم يقوم بتأدية الاستجابة بمساعدة وتشجيع النموذج، وأخيراً فإنه يؤدي الاستجابة بمفرده.

العوامل التي تزيد فعالية النمذجة في تشكيل السلوك لذوي الاحتياجات الخاصة:

1- انتباه الملاحظ للنموذج- Attentional Processes:

والتفسيرات التي يقدمها النموذج للملاحظ ذات قيمة قليلة إذا لم ينتبه الملاحظ إليها، لذلك يجب التأكد من أنه الطفل يتابع سلوك النموذج، وهذا قد يحتاج إلى التلقين أحياناً.

وقد يأخذ التلقين شكلاً لفظياً كأن نقول مثلاً، أنظر ماذا سيحدث الآن، أو قد يكون التلقين جسدياً، كذلك يمكن تشجيع الملاحظ على الانتباه عن طريق نماذج جذابة، وتقديم تفسيرات مختلفة ليس تفسير واحد.

2- دافعية الملاحظ – Motivational Processes:

تتأثر احتمالية الملاحظ للنموذج بدافعيه الملاحظ، في حال لم يكن لديه دافع للتقليد فستفشل النمذجة، وأحد الأسس المهمة التي تؤثر بطريقة مباشر على دافعية الملاحظ للسلوك، هو توقعاته لنتائج التقليد.

لا يجوز للملاحظ تقليد النموذج، إذا توقع أن نتائج سلوكه ستكون سلبية، ولكنه سيقلده إذا كان يتوقع أن النتائج ستكون إيجابية، كذلك فدافعية الملاحظ تتأثر بعوامل أخرى منها، عمر النموذج وجنسه ومكانته.

فاحتمالية تقليد الملاحظ للنموذج تكون أكبر إذا كان النموذج شبيهة بالمراقب، فاحتمالية تقليد الملاحظ الراشد للنموذج الراشد أكبر من احتمالية تقليده للنموذج الطفل.

3- مقدرة الملاحظ الجسمية على تقليد سلوك النموذج- Motor Reproductio- Processes:

ولكي تكون النمذجة عملية فعالة، يجب التأكد من أن لدى الملاحظ القدرة الجسدية اللازمة لأداء المهارات الحركية الازمة، إذا كان الهدف هو تعليم تلك المهارات الازمه، ولذلك يجب تحديد صعوبة المهمة المطلوبة من الملاحظ.

وعندما يفتقر الملاحظ لهذه المهارات فقد يكون من الضروري استخدام إجراءات مختلفة لإنجاز الهدف، كالتشكيل والممارسة المتكررة والتعزيز.

4- مقدرة الملاحظ على الاستمرار بتأدية السلوك بعد اكتسابه- Retention- Processes:

يجب علينا تشجيع الملاحظ على الاستمرار في أداء السلوك المستهدف بعد الحصول عليه، وإن النمذجة طريقة فعال لتكوين العديد من الأنماط السلوكية، وأظهرت العديد من الدراسات إمكانية استخدام هذا الأسلوب لتعليم الأطفال، مهارات العناية بالذاتية، وأظهرت العديد من الدراسات إمكانية استخدام النمذجة بفعالية لمساعدة الأفراد على اكتساب المظاهر السلوكية المعقدة.

فالنمذجة تلعب دور هام في اكتساب المهارات اللغوية والاجتماعية والشخصية والمهنية، وعلى أي حال، فعلى الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه النمذجة في برامج تعديل السلوك الإنساني، إلا أنه لا يوجد اتفاق نظري حول كيفية تأثيرها في السلوك.

وعلى وجه العموم، تصبح النمذجة أكثر فاعلية عند استخدامها مع إجراءات سلوكية أخرى، مثل المشاركة الموجهة ولعب الأدوار والتعزيز والتغذية الراجعة والممارسات السلوكية.

المصدر: 1- جمال الخطيب. تعديل السلوك الإنساني. عمان: دار الفكر.2- فاروق الروسان. تعديل وبناء السلوك الإنساني. عمان: دار الفكر.3- فاروق الروسان. دراسات وبحوث في التربية الخاصة. عمان: دار الفكر.4- عادل محمد. مدخل إلى التربية الخاصة. الرياض: دار الزهراء.


شارك المقالة: