الوزير الصاحب بن عباد وزير بني بويه

اقرأ في هذا المقال


الوزير الصاحب بن عباد وزير بني بويه:

كان في أول أمره من صغار الكُتاب العاملين في خدمة الوزير أبي الفضل بن العميد، ثم أصبح كاتباً للأميرمؤيد الدولة بن ركن الدولة. ويذكر بعض المؤرخين أن الأمير مؤيد الدولة، قدم الريّ في سنة (366 هجري)، ليخلف والده ركن الدولة في الإمارة، وحضر معه كاتبه الصاحب بن عباد، فخشي الوزير أبو الفتح بن العميد أن ينافسه الصاحب في الوزارة لمكانته الرفيعة لدى مؤيد الدولة، ولكفايته الإدارية.

فأشار على مؤيد الدولة أن يُعيد الصاحب إلى أصفهان للأشراف على شئونها، وفي الوقت نفسه حرض الجند على الصاحب فهموا بقتله، فاضطر مؤيد الدولة إلى إعادة الصاحب إلى أصفهان، فسار الصاحب إليها بعد أن خلع عليه مؤيد الدولة خلع الوزارة. وبعد فترة وجيزة قُتِلَ أبو الفتح بن العميد، فقدم الصاحب بن عباد إلى الريّ وتولى الوزارة خلفاً له.

الأحداث التي جرت بين فخر الدولة والوزير الصاحب:

كان للصاحب بن عباد الفضل في وصول الأمير فخر الدولة إلى الإمارة،‏ ففي سنة (373 هجري)، توفي الأميرمؤيد الدولة،‏ وكان فخر الدولة إذ ذاك مُلتجئاً لدى السامانيين خوفاً من أخيه عضد الدولة خلاف كان بينهما، فأشار الصاحب على كبار رجال الدولة باستدعاء فخر الدولة،‏ ليتولى الإمارة خلفاً لأخيه لكونه أكبر أولاد ركن الدولة، وحاكم تلك البلاد قبل مؤيد الدولة، هذا فضلاً عن كونه مؤهلاً للإمارة والحكم، فأستجابوا لطلبه، وعند ذلك أناب الصاحب أحد أبناء ركن الدولة في الإمارة، واستدعى فخر الدولة، فقدم إلى الريّ وتولى حكمها.

ويبدو أن الصاحب أراد أن يعرف نوايا فخر الدولة نحوه، فطلب منه أن يعفيه من الوزارة، فلم يعفه، وقال له: (لك في هذه الدولة من إرث الوزارة ما لنا من إرث الإمارة، فسبيل كل منا أن يحتفظ بحقه).

كان الصاحب بن عباد يتطلع إلى تقلد الوزارة ببغداد، وظل يترقب الفرص لتحقيق غايته، فلما توفي الأمير البويهي شرف الدولة، سنة (379 هجري)، بعث الصاحب إلى الأمير فخر الدولة من يطمعه في الاستيلاء على بلاد العراق، ويسهل عليه فتحها وأحجم هو نفسه عن ابداء رأيه خوفاً من العواقب.

فلما سأله فخر الدولة عن رأيه قال له: (الأمر لشاهنشاه، وما يذكر من جلالة تلك الممالك مشهور لأخفاء به، وسعادته غاليه، فإذا هم بأمر خدمته فيه،‏ وبلغته أقصى مراميه، فعزم فخر الدولة حينئذ على المسير إلى العراق، فلما علم بهاء الدولة بنبأ وصوله إلى الأهواز، سار لمُحاربته، والتقى الجيشان في معركة بالقرب من خوزستان، كان النصر فيها لبهاء الدولة. وبذلك لم تتحقق رغبة الصاحب بن عباد في ولاية الوزارة ببغداد.

ازدهار الحضارة في عهد الوزير الصاحب:

يُعد الوزير الصاحب من أميز وزراء البويهيين وقد منحه الأميران مؤيد الدولة ثم فخر الدولة سلطة مطلقة في تنظيم شئون الدولة التابعة لهما، وكانا يحترمانه،‏ ويُنفذان أوامره حتى ولو كانت تتعارض مع رغباته. نجح الصاحب بن عباد في ضبط أمور الدولة، وقام بتدبير شئونها من النواحي الإدارية والعسكرية خير قيام.

وقد ساعده على ذلك ما كان يتمتع به من خبرة إدارية وكفاية حربية، وما كان له من هيبة وإجلال في نفوس كبار الدولة حتى قيل أن قواد بني بويه وحكامهم كانوا يقفون ببابه ومن يؤذن له في الدخول عليه، يظن أنه قد بلغ الأمال، ونال الفوز بالدنيا والآخرة، فرحاً وشرفاً وتعظيماً.

فإذا دخل عليه في مجلسه قبل الأرض عند وقوع بصره عليه ثلاث مرات أو أربعاً، إلى أن يقرب منه، فيجلس من كانت رتبته الجلوس إلى أن يقضي كل واحد منهم غرضه، ثم يقبل الأرض مراراً وينصرف. كما رفع الصاحب بن عباد من شأن الوزارة، وحفظ ها هيبتها وحشمتها فظلت الأنظمة الإدارية التي استحدثها نافذة في عهد من خلفه من الوزراء.

وبلغ من شأن موضع الصاحب بن عباد وأثره في سياسات البلاد أن الأمير عضد الدولة كان يقول لجلسائه أنه لم يقم بحسد أحداً من الملوك إلا مؤيد الدولة ليُعطي الولاية الصاحب بن عباد وزارته.

وكان الأمير عضد الدولة كان بنفسه يستقبل الصاحب إذا أتى إليه، كما فعل في سنة (370 هجري)، حينما خرج من بين كبار رجال دولته إلى خارج مدينة بغداد لتلقّي الصاحب بن عباد واكرامه. كذلك كان هذا الوزير على جانب عظيم من العلم والأدب والفضيلة ومكارم الأخلاق، ويصفه الفارقي بقوله: (كان الصابىء‏ وابن عباد قلائد الدهر وفرائد العصر، وكان الله سبحانه أدبهما وخصهما بالفضل والأدب والشعر والرسائل).

استفاد الصاحب بن عباد كثيراً من كثرة مُخالطته للعلماء ورجال الأدب، وكان كثير الإحسان إليهم، حتى أنه كان يصرف في كل عام ما يزيد على مائة ألف دينار في أعمال الخير والصدقات. وكان يبعث في كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق على الفقهاء والأدباء. وكانت صدقاته في رمضان خاصة تُعادل صدقاته في العام كله.

دأب هذا الوزير على عقد مجالس لأهل العلم والأدب، وكان يحسن معاملة جلسائه ويتبسط معهم، ويقول لهم: (نحن بالنهار سلطان، وبالليل اخوان)، وكان ذلك مما حببه إلى قلوب الناس. وبلغ من حب الصاحب لرجال العلم أنه أنفق عليهم كل أمواله.

توفي الوزير الصاحب بن عباد في سنة (385 هجري)، بعد أن ولي الوزارة لمُدة عشرين عاماً تقريباً، وسُدت مدينة الريّ بسبب وفاته، وتقدم الأمير فخر الدولة وكبار رجال دولته لتشييع جنازته، ومشى الأمير فخر الدولة أمام نعشه، ثم جلس لاستقبال المعزين فيه عدة أيام.


شارك المقالة: