الوزير محمد بن بقية:
هو وزير الأمير البويهي عز الدولة بختيار بن مُعز الدولة، كان يعمل في عهد الأمير مُعز الدولة ضامناً لمدينة تكريت وأعمالها، ثم تقلد بعد وفاته الإشراف على مطبخ الأمير عز الدولة بختيار، ومن ثم أخذ ابن بقية يعمل على توثيق علاقته بهذا الأمير عن طريق الهدايا الثمينة التي كان يقدمها له، حتى بلغ من علو مكانته لدى الأمير البويهي، أنه أصبح من المتعذر الاتصال به إلا عن طريق ابن بقية وبوساطته.
أدى هذا النفوذ الذي تمتع به ابن بقية إلى الاصطدام بالوزير أبي الفضل الشيرازي فانتهز أعداء هذا الوزير الفرصة، وأخذوا يلتفون حول ابن بقية ويدفعونه إلى طلب الوزارة، مع أنه كان غير مؤهل لها، وساعدهم في ذلك حاجب الخليفة القائد سبكتكين. وهكذا وصل ابن بقية إلى منصب الوزارة مع أنه لم تكن له دراية بالأعمال الإدارية، ولا يحظى بتقدير الناس واحترامهم لضعف شأنه.
ومع اتفاق المؤرخين والكتاب على أن ابن بقية كان لا يستحق الوزارة إلا أن بعضهم وصفه بالكرم والسماحة وسعة الصدر، وأن كرمه كان يغطي عيوبه. كان لابن بقية نفوذ كبير أثناء وزارته، وقد استطاع أن يكسب ولاء الجند البويهي له بما كان يبذله لهم من أموال على شكل هدايا وصلات وولائم ومن ثم استخدمهم لتحقيق مصالحه الشخصية، فاستولى على أموال الدولة، ورتب للأمير البويهي عز الدولة بختيار مبلغاً مُحدداً من المال لنفقاته، فإذا طالبه الأمير بأكثر من ذلك حرض الجند على الشغب عليه.
وقد حاول الأمير عز الدولة أن يضع حداً لنفوذ وزيره، لكنه فشل في ذلك لتعصب الجند له. ولمّا انتزع الأميرعضد الدولة إمارة العراق من ابن عمه عز الدولة بختيار في سنة (364 هجري)، قدم له ابن بقية مُساعدات كثيرة خلال إقامته ببغداد فكافأه عضد الدولة بأن عيّنه وزيراً لابنه أبي الحسين، وعرض عليه ما يشاء أن يتقلده من أعمال، فاختار ابن بقية واسط وتكريت وعكبرا وأوانا، فعينه عضد الدولة ضامناً لتلك الأعيال.
ويبدو أن ابن بقية كان يطمع أن يوليه عضد الدولة وزارته هولا وزارة ابنه، مما جعله ينقم على عضد الدولة، ويعمل فور وصوله إلى واسط على تأليب حكام مدن العراق ضده، مما أضعف موقف عضد الدولة. ولما تجدد النزاع بين الأميرين عضد الدولة وعز الدولة بختيار بعد وفاة الأمير ركن الدولة سنة (366 هجري)، قبض عز الدولة بختيار على ابن بقية بحجة أنه كان السبب في الهزائم التي لحقت به في تلك الحرب.
وفي نفس الوقت أرسل عضد الدولة إلى ابن عمه بختيار يطلب منه انفاذ ابن بقية إليه، ويعوضه عنه بما يريده من مال، وكان غرض عضد الدولة هو الانتقام من ابن بقية لموقفه العدائي منه في سنة (364 هجري). فخشي بختيار أن يعفو عضد الدولة عن ابن بقية، فيُساعده عليه، فعمد عندئذ إلى سمل عينيه، وأرسله إليه في شهر ربيع الأول من عام(367 هجري). فلا استقرت الأمور لعضد الدولة ببغداد أمر بأن يلقى بابن بقية تحت أرجل الفيلة، فقتلته، ثم أمر بصلب جثته على أحد الجسور ببغداد.
الوزير نصر بن هارون:
هو أبومنصور، وزير الأميرعضد الدولة، وكان نصرانياً. ولمّا استقر الحكم بالعراق لهذا الأمير إتخذ المطهر بن عبد الله وزيراً ثانياً، وأشركه مع نصر بن هارون في الوزارة. ثم انفرد نصر بن هارون بالوزارة بعد وفاة المطهر بن عبد الله سنة (369 هجري).
أناب الأمير عضد الدولة وزيره نصر بن هارون في القيام بأعمال فارس فبقى كذلك حتى توفي الأميرعضد الدولة سنة (372 هجري)، وكان أبو الريان أحمد بن محمد ينوب عن هذا الوزير في ديوان عضد الدولة ببغداد.
لمّا ولي صمصام الدولة الإمارة بعد وفاة عضد الدولة كتب لنصر بن هارون يستدعيه إلى بغداد ليل الوزارة، غير أن الأمير شرف الدولة بن عضد الدولة خرج عن طاعة أخيه صمصام الدولة، وسار إلى شيراز وأستولى عليها، وقبض على نصر ابن هارون وقتله. ويقال أن شرف الدولة نكل بنصر بن هارون حتى توفى.
ويعلل بعض المؤرخين قتل شرف الدولة لوزير أبيه نصر بن هارون بأن الأخير كان يسىء معاملة شرف الدولة في حياة أبيه. وقيل أن أصحاب شرف الدولة كانوا يحقدون على نصر بن هارون، لمكانته الرفيعة في الدولة، فأخذوا يوغرون صدر شرف الدولة عليه عندما استولى على فارس، فاستجاب شرف الدولة لهم وقتله.
كان الوزير نصر بن هارون ذا كفاية إدارية، وله معرفة كبيرة بصناعة الكتابة، وعلم الحساب، ويلقبه مسكويه بـ (شيخ الكتاب)، ومما يجدر ذكره أن نصر بن هارون يُعد أول وزير غير مسلم يلي الوزارة في الدولة الإسلامية.