الولاء أو الامتعاض عند ألبرت هيرشمان في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الولاء أو الامتعاض عند ألبرت هيرشمان في علم الاجتماع:

في كتابه التخلي، الاعتراض والولاء، يقيم ألبرت هيرشمان تمييزاً بين ثلاثة أنماط من تصرفات الفاعل الاجتماعي، سواء أكان مستهلكاً أو موظفاً أو مواطناً، وهي التخلي والاعتراض والولاء، فعندما يكون مشبعاً لن يكون لدى المستهلك مثلاً أي سبب لتبديل المنتج، وهو يبدي ولاءه له، لكن إذا كان منزعجاً سيتمكن من التعبير عن امتعاضه عن طريق التخلي، إلا إذا ترجم استياءه باختيار التكلم، الاستنفار، الشكوى، والأمر ذاته بالنسبة للموظف في مواجهة منشأته أو المواطن في مواجهة المنتخبين.

وفي هذه الظروف، فإنّ بنية مغلقة، كالاحتكار قد تكون أكثر فعالية من بنية مفتوحة، على غرار السوق التنافسية، إذا تفوق الاعتراض على التخلي، إن ذرائعية ألبرت هيرشمان لا تقوده مع ذلك إلى تفضيل مؤسّسة (السوق أو الاحتكار أو الدولة) أكثر من غيرها، كل شيء يعتمد على السياق.

يترجم هذا التحليل رؤيته السياسية للاقتصاد، وفي كتاب قرنان من الخطاب الرجعي يبين ألبرت هيرشمان وجود اتصالية منذ خطابات المفكرين والسياسيين الرجعيين الذين اتخذوا موقفاً معارضاً للأفكار الليبرالية والتقدمية للثورة الفرنسية، وحتى الاقتصاديين الليبراليين الجدد الذين ينتقدون عدم صلاحية السياسات الاقتصادية أو الدولة الراعية.

نجد في الواقع ثلاث حجج لدى هؤلاء المفكرين، حجة التأثيرات الفاسدة، القائلة بأنّ الإصلاح يؤدي عن طريق تسلسل العواقب غير المرغوبة، إلى نتائج نقيضة للهدف المنشود، ثم حجة اللا جدوى، التي تسعى إلى تبيان أن السياسات الإصلاحية محكومة بالإخفاق، وأخيراً حجة التعرض للخطر، والتي ترى أنّ الإصلاحات تهدد بالمجازفة بالمكاسب السابقة.

هذا التنديد بالنزعة المحافظة الذي يقوم به بذكاء وبمزاج طريف، يؤدي كذلك إلى نقد الخطاب التقدمي، فهذا يستخدم كي يسوغ الإصلاحات، حججاً مثل الخطر الجسيم بغياب فعل إصلاحي أو حجة معنى التاريخ.

يعتبر ألبرت هيرشمان حداثي جداً عندما يعطي أولوية إلى الفاعلين وعقلانيتهم المخبأة، وعندما يعبّر عن عدم ثقته تجاه المخططات المتماسكة، وهو كمنظّر لعدم التوازن يظل أحد أسياد الفكر بين علماء اقتصاد النمو الذين يحللون التحولات على المدى الطويل.

يراوح الاقتصاد بين تصورين عليهما أن يتحاورا، الأول تصور الترابط المنطقي، ووضع القواعد، ووضع قضايا قابلة للدحض، بخصوص اقتصاد منغلق على نفسه ويدعي العملية، والثاني على العكس، هو تصور لاقتصاد سياسي يهدف إلى استيعاب المنظومات المعقدة والعقلانيات المخبأة، ومكائد التاريخ.


شارك المقالة: