اقرأ في هذا المقال
- دخول عبدالواحد بن يزيد الإسكندراني إلى الأندلس
- إنجازات عبدالواحد بن يزيد الإسكندراني في الأندلس
- وفاة عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني
كان عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني من أهم الشخصيات التي دخلت الدولة الأموية في الأندلس وكان لها دور كبير في حكمها، حيث تمكن عبدالواحد الأسكندراني بفترة زمنية بسيطة أن يتدرج في مناصب الدولة الأموية حتى وصل إلى الوزارة.
دخول عبدالواحد بن يزيد الإسكندراني إلى الأندلس
لقد تمكنا من الحصول على المعلومات عن هذه الشخصية البارزة والمؤثرة في الدولة الأموية في الأندلس عن طريق المؤرخ ابن حيان القرطبي، فقد ذكر مساعدة الحاجب الخاص بالأمير عبد الرحمن الثاني عيسى بن شهيد لعبد الواحد الأسكندراني في إيصاله لبلاط الأمير فقال: “فمن مشهور ذلك فعله في عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني، فإنه قدم إلى الأندلس وهو فتى متأدب ظريف، كان يشدو شيئاً من الغناء على مذاهب الفتيان، فاعتلق بحبل ابن شهيد وهو صاحب الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فبلا منه فضلاً وحجى. فقال له: أمسك عن الغناء البتة، فإنه يريبك لدينا، وتحقق بأدبك، وتنبه لحظك، فلك خصال تجذب بضبعك! ففعل عبد الواحد ذلك، ولزم عيسى، فألقى دكره إلى الأمير عبد الرحمن، وأوصله إليه، فأصابه على ما وصفه له عيسى، فقبلته نفسه، وحركه عنده حظه، فأدنى منزلته، ومكن خصوصيته، حتى نادمه وأنس به، ثم استخدمه ونقله في منازل الخدمة حتى خوله المدينة، ثم رقاه إلى الوزارة والقيادة”.
عند قراءتنا للنص السابق نتعرف على بداية الطريق التي جلبت عبدالواحد الأسكندراني إلى قرطبة وكان ذلك في عهد الأمير عبد الرحمن الثاني، كان عبدالواحد الإسكندراني طليق اللسان وأحاديثه ظريفة ومؤدبة، وكان يغني بعض الأغاني، عندما التقى بالحاجب الخاص بالأمير عبد الرحمن الثاني عيسى بن شهيد، لمس عنده الذكاء والفطنة، وأحبه وبدأ ينصحه بالتوقف عن الغناء والالتزام بالأدب.
استمع عبدالواحد الإسكندراني لنصيحة الحاجب، وعمل ما أمره به وقد حظي بمكانة مقربة من الحاجب والذي بدوره كان حلقة الوصل التي ربطت بينه وبين الأمير عبدالرحمن، أُعجب الأمير به وقربه منه وجعله من الخاصة والمقربين، وبدأ يتدرج بالوظائف شيئًا فشيئًا حتى وصل الوزارة.
إنجازات عبدالواحد بن يزيد الإسكندراني في الأندلس
في عهد الأمير عبدالرحمن الثاني اندلعت الكثير من الثورات داخل الأندلس، واستطاع الوزير القائد عبد الواحد الإسكندراني من إطفاء نار الثورات الداخلية التي انتشرت في الدولة، فقد كلفه الأمير عبد الرحمن الأوسط بقيادة حملة عسكرية إلى طليطلة في سنة (836م)، من أجل السيطرة على الفتنة التي قام بها أهلها ضد الحكومة الأموية في قرطبة.
اتجهت الحملة من قلعة رباح الواقعة في جنوب طليطلة وقامت بمحاصرة مدينة طليطلة وقطعت عنها المؤن، تعب سكانها من الحصار، وبعد ذلك اتجه إليهم القائد عبد الواحد الإسكندراني بجيش، واستطاع عبور أسوار طليطلة، وقام بفتحها في شهر (رجب سنة 837م)، ونظم أمورها الداخلية، وأصدر أمر بإعادة تعمير “القلعة” التي كان قد أسسها عمروس الوشق، في أثناء حكم الأمير الحكم بن هشام الربضي، وبذلك تمكن عبدالواحد الإسكندراني من ضبط مدينة طليطلة وإعادة النظام والأمن فيها، والتي كانت لفترة طويلة مصدر ثورات وفتن للدولة الأموية.
لم يكتفي القائد عبد الواحد الإسكندراني بإطفاء نار الثورات التي وقعت داخل الأندلس، وإنما قاتل المسيحيين في جليقية ومسيحيين قطالونية، في عام (840م) بعث الأمير عبد الرحمن الأوسط حملة عسكرية إلى مملكة جليقية، وكان قائدها ابنه المطرف ووضع مساعدًا له القائد عبد الواحد الإسكندراني وهزمهم شر هزيمة، ورجعوا إلى قرطبة منتصرين.
وفي عام (841م) بعث الأمير عبد الرحمن الثاني حملة عسكرية إلى قطالونية والتي تُعرف اليوم باسم كاتالونيا، وكان على رأس الحملة القائد عبد الواحد الإسكندراني والذي تمكن من دخول الأراضي القطالونية، وقام بتدمير حصونهم حتى وصل إلى إقليم شرطانية الذي يقع على الحدود مع بلاد الغال “فرنسا”، وظل القائد عبد الواحد الإسكندراني يتوغل في أراضيهم حتى وصل أربونة الواقعة في جنوب فرنسا.
قام النورمانديين بشن بعض الغارات على سواحل الأندلس من الجهة الغربية في عهد الأمير عبد الرحمن الأوسط (844م)، حيث قدمت مراكب تابعة للنورمانديين (وهم مجموعة عرقية من شمال فرنسا) من ساحل أشبونة وتقاتلوا مع المسلمون، تمكنوا من احتلال جزيرة قبطيل والتي تقع بالقرب من إشبيلية وبقوا فيها (3) أيام.
ذهب النورمانديون إلى قرية قورة، ووقعت بينهم وبين المسلمين معركة، في حصن قورة، وكانت نتيجتها خسارة المسلمين، بعد ذلك دخل النورمانديون إلى مدينة طليطة الواقعة في جنوب اشبيلية، وقتلوا الكثير من سكانها، ولم يستطيعوا الصمود، وبعدها تمكنوا من الوصول إلى إشبيلية، وقاموا بالتخريب والفساد والقتل، حتى أنهم أحرقوا جامع إشبيلية.
أعلن الأمير عبد الرحمن الثاني الجهاد، وجهز جيشًا كبيرًا خرج من قرطبة، وكان يترأس الجيش الحاجب عيسى بن شهيد والكثير من القادة الأقوياء ومنهم عبد الواحد الإسكندراني، وابن كليب، وابن رستم، بدأت المعركة بين المسلمين والنورمانديين، واستطاع المسلمون إلحاق الهزيمة بأعدائهم والذين هربوا إلى مراكبهم.
وقعت معركة ثانية في مدينة طليطلة، استطاع فيها المسلمون أيضًا من هزيمة النورمانديون وقتلوا منهم (500) رجل، وكان من بين الذين قُتلوا قائدهم، وتم حرق حوالي (30) مركب من مراكبهم، وبعدها قاموا بالانسحاب إلى مدينة لبلة، وبعدها ذهبوا إلى مدينة أشبونة وانقطعت أخبارهم.
بعدما فرغ المسلمون من كبح جماح الثورات والهجمات النورماندية على سواحل الأندلس، قام الأمير عبد الرحمن بتنظيم حملات جديدة من أجل مواجهة الخطر المسيحي في الشمال في عام (848م) جهز حملة وكان قائدها ابنه المنذر وساعده الوزير عبد الواحد الإسكندراني.
ذكر المؤرخ ابن الأثير أن الهدف من هذه الحملة العسكرية الهجوم على مدينة ألبة الواقعة في الشمال وتأديب سكانها وضبطهم من مهاجمة الثغور الأندلسية المجاورة لهم، وفي عام (850م) أرسل عبد الرحمن الثاني حملة عسكرية أُخرى بقيادة عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني فمن أجل تأديب الإفرنج ووصلت الحملة حتى حدود مدينة أربونة.
وفاة عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني
توفى الوزير عبد الواحد الإسكندراني في عام (851م)، سطر الوزير الإسكندراني أروع مشاهد البطولة والشجاعة في تاريخ الأندلس، فقد أسهم في بناء الدولة الأموية والحفاظ عليها من الثورات والفتن الداخلية والخارجية.
لم تذكر المصادر التاريخية معلومات عن ذرية عبدالواحد الإسكندراني إلا المؤرخ ابن عذارى المراكشى الذي ذكر أحد أحفاده واسمه عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الإسكندراني، وقد توفى في بداية حكم الخليفة عبد الرحمن الناصر في عام (309هـ)، ومن الجدير بالذكر أن ابن عذارى لا يذكر في كتابه إلا الشخصيات ذات الشأن والمهمة في عهد الأمويين.