بداية الثورات على طغيان الحجاج بن يوسف الثقفي

اقرأ في هذا المقال


ثورة عبد الله بن الجارود على الحجاج بن يوسف الثقفي:

كان الحجاج بن يوسف الثقفي من أشهر الولاة في الدولة الأموية؛ وذلك بسبب طغيانه وطغيان ولي نعمته عبد الملك بن مروان، فكانا وجهان لنفس العملة، ويعتبر الحجاج أداة طاعة في يد عبد الملك وسهماً من سهامه ينفذ به الخطط، ولهذا السبب أوصى عبد الملك لابنه الوليد أن يبقي الحجاج بجانبه ولا يتركه، حتى أن الوليد بن عبد الملك عندما علم بوفاة الحجاج قال: لأشفعن في الحجاج عند الله.
كان اسم الحجاج لا يذكر في التاريخ إلا في الطغيان والظلم، وكانت أول قثورة تخرج ضد الحجاج في البصرة، وعندما توجه الحجاج إليها وخطب في رستقباذ؛ ليشد أزر المهلب بن أبي صفرة في حربه ضد الخوارج، وخلال هذه الخطبة قام الحجاج بإسقاط الزيادة التي زادها عبد الله بن الزبير.
خطب الحجاج بالناس بشأن الزيادة قائلاً: لا وإن الزيادة التي زادها ابن الزبير في أُعطياتكم زيادة فاسق منافق لسنا نجيزها، فردَّ عليه أحد أشراف البصرة وهو عبد الله بن الجارود قائلاً: إنها ليست بزيادة ابن الزبير وإنما هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان قد أنفذها وأجازها على يد أخيه بشر بن مروان، فكان الرد من الحجاج: ما أنت والكلام، لتحسن حمل رأسك أو لأسلبنك إياه.
تعجب ابن الجارود من رد الحجاج عليه، وقال له: ولِمَ؟ إني لك لناصح وإن هذا قول من ورائي، وبهذه تكون أول ثورة واعتراض على طغيان الحجاج وظلمه، وكانت بسبب النفقات وهي المُرتبات التي يتم صرفها للجنود، وكان ابن الجارود يتكلم باسم الجنود المتضررين في البصرة.
ويتابع هذه الأحداث من أول من أول فترات استلام الحجاج للحكم والذي فعله عند دخوله للكوفة والبصرة، وقيامه بقتل كل من تأخر في الخروج للقتال معه ضد الخوارج، وتجمع عند ابن الجارود المعارضين ضد حكم الحجاج، والذين يرغبون في العصيان ضده، ورغبتهم بخلعه لظلمه وطغيانه وإنقاصه لرواتبهم، وكان الحجاج يرغب بأن يظهر لأهل العراق مدى قوته وطغيانه.

الخروج ضد طغيان الحجاج بن يوسف الثقفي:

وكانت الخطوة التاية لرد طغيان الحجاج هو الخروج ضده، فاجتمع المعترضون عند ابن الجارود وعلى رأسهم عبد الله بن حكيم المجاشعي والهذيل بن عمران، والعديد من أشراف وزعماء البصرة، وأعلنوا بيعتهم له للوقوف ضد ظلم الحجاج وقالوا: إن الحجاج غير كافٍ حتى ينقصنا هذه الزيادة فهلم نبايعك على إخراجه من العراق ثم نكتب إلى عبد الملك بن موان أن يولي علينا غيره فإن أبى خلعناه، فإنه هائب لنا ما دامت الخوارج.
وبهذا تكون قد ظهرت الخطة التي ستقام في البصرة، وكانت هذه الثورة في عام 76هـ وعندما علم الحجاج بها جهز جيشاً وقطع الجسر الذي يحول بين الناس وخزائن الدولة، وأرسل إلى عبد الله حتى يتفاوضا فقال ابن الجارود لرسول الحجاج: لا، ولا كرامة لابن أبي رغال، ولكن يخرج عنا مذموماً مدحوراً وإلا قتلناه.
فرد عليه الرسول بكلمات قالها الحجاج في حال رفض ابن الجارود طلبه، وهي رسالة شفوية: أتطيب نفساً بقتلك وقتل أهل بيتك وعشيرتك والذي نفسي بيده لئن لم تأتني لأدعن قومك عامة وأهل بيتك خاصة حديثاً للغابرين، فقال ابن الجارود للرسول: لولا أنك رسول وارسل لا تقتل لقتلتك.
عاد الرسول إلى الحجاج يخبره مدى إصرار ابن الجارود على رحيله، وهو أمرٌ مرفوضٌ تماماً من قِبَل الحجاج، إلا إذا عزله عبد الملك بنفسه، وزحف الثائرون على فسطاط الحجاج فنهبوبها وأخذوا كل ما يقرون على أخذه، وأسروا زوجته بنت النعمان بن بشير وأم سلمة بنت عبد الرحمن بن إسماعيل بن عمرو؛ وذلك حتى يشعروا الحجاج بالخوف، ولكنه لم يأبى لهم وبدأ بتجميع أتباعه، وظلَّ يتوعد لكل من وقف ضده.
أما عبد الله بن الجارود شاور أصحابه في الأمر، فكان الغضبان بن القبعثري الشيباني يرى أن يكمل ابن الجارود ما بدأ به، وقال له: تعشَّ بالجدي قبل أن يتغدى بك أما ترى من أتاه منكم ولئن أصبح ليكثر من أنصاره، فقال له ابن الجارود: قد قرب المساء ولكنا نعاجله بالغداة.
وعند انضمام الناس لعبد الله ابن الجارود حوصر الحجاج ومن في البصرة، فشاور من معه فأشار عليه زياد بن عمرو العتكي بأن يأخذ الأمان له من ابن الجارود كي يلحق بالخليفة في دمشق، أي أنه أشار على الحجاج بأن يهرب إلى مركز الخلافة في الشام.
أما عثمان بن قطن أشار عليه بالصمود فقال له: إن أمير المؤمنين قد شركك في أمره وخلطك بنفسه واستنصحك وسلطك فسرت إلى ابن الزبير وهم أعظم الناس خطراً فقتلته فولاك الله شرف ذلك وسناه وولاك أمير المؤمنين الحجاز، ثم رفعت فولاك العراقين، فحيث جريت إلى المدى وأصبت الغرض الأقصى تخرج على قعود إلى الشام.
قام سمع بن مال بتثبيط الناس عن الحجاج وكان ذلك بأمر من الحجاج نفسه، حتى جاء الصباح والتفَّ حول الحجاج ستة ألآف مقاتل، وحينها ندم ابن الجارود أنه لم يسمع نصيحة الغضبن الذي أشار إليه بأن يهجم على الحجاج ولا ينتظر إلى الصباح.
دارت الحرب بين الحجاج وعبد الله بن الجارود، وكان النصر حليفاً لجيش ابن الجارود في بداية الأمر حتى قُتل، وبعدها انهزم صحبه وانتهت المعركة لصالح الحجاج، وبهذا تكون نهاية ثورة ابن الجارود.

ثورة الزنج على إثر ثورة عبد الله بن الجارود:

التعريف بالزنج:

هم العبيد الذين تم جلبهم من القارة الأفريقية، ويتم اصطيادهم بواسطة تجار الرقيق ويقومون ببيعهم في البصرة، وتوكل إليهم أصعب المهمات وأشقاها مثل حفر الآبار والأنهار وكسح السباخ، ولهذا كان الناس ينظرون إليهم باحتقار ولا يعتبرونهم من البشر، وبسبب تلك المعاملة شعر الزنوج بالحقد على أسيادهم من أهل البصرة، وكانوا يعلنون الثورات عليهم وحدث ذلك في زمن الحجاج بن يوسف.
ثار الزنوج مع ابن الجارود، وتكررت هذه الثورة من بعده أيضاً، فقاموا بجمع صفوفهم تحت قيادة رباح شيرازنجي والذي يطلق عليه أسد الزنج، وكان الحجاج مشغولاً وقتها بإطفاء ثورة ابن الجارود، فأرسل شيرازنجي رسالة لكراز السلمى وهو نائب الحجاج تقول: أما بعد، فقد حضرت ولادة سكة أم أمير المؤمنين فأرسل إليها امرأتك لتقبلها، والسلام، وبهذا يكون قد أعلن نفسه أميراً للمؤمنين وأرسل لنائب الحجاج بأن يرسل زوجته لتكون قابله لامرأته.
وعندما رأى كراز السلمى الرسالة هرع وخاف وكان الأمر عجيباً، ثم قام بالهرب من البصرة، وعندما انتهى الحجاج من ثورة ابن الجارود أمر قائد شرطة البصرة زيادة بن عمر أن يرسل جيشاً وعليه حفص بن زيادة قائداً ليحارب الزنج، وبالفعل ذهب ليقاتل الزنج فهزم شر هزيمة وقتل وعلا شأن الزنج.
عندما أتى الحجاج بن يوسف الثقفي إلى البصرة خطب بأهلها قائلاً: يا أهل البصرة إن عبيدكم وكساحكم رأوا معصيتكم فتأسوا بكم وأيم الله لئن لم تخرجوا إلى هؤلاء الكلاب فتكفوني أمرهم لأعقرن نخلكم ولأنزلن بكم ما أنتم له أهل، وعندما سمع أهل البصرة هذا الكلام اجتمعوا وجهزوا جيشاً بقيادة كراز السلمى وذهبوا للقاء الزنج.
ظلَّ أهل البصرة يقاتلون الزنج حتى قضوا على ثورتهم، وتم قتل زعيمهم أسد الزنج شيرازنجي ولم ينج منهم إلا عدد قليل، ولم تقم لهم قائمة طوال عصر الحجاج بن يوسف، وكانت ثورتهم في عهد الحجاج سهلةً ولم تستمر طويلاً ولم يصعب القضاء عليها، وذلك بعكس ثورتهم التي حدثت في عصر الدولة العباسية التي استمرت لسنوات طويلة، وأقاموا دولةً عظيمة ظلَّت تقاتل العباسيين حتى قضت عليهم.
كانت ثورة الزنج التي ظهرت في العصر العباسي قد انطلقت من البصرة أيضاً، وانطلقت ثورتهم كما حدث عند الأمويون بسبب الواقع الذي عاشوه من الظلم والاضطهاد، وكانت بداية ثورتهم ناجحة؛ لأنها انسجمت فيها الأهداف والأفعال، لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة المواجهات أدَّت إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين عليها، وهذا يوضح العلاقة بين القيادة والاتباع.
وفي عام 255هـ قامت ثورة الزنج ضد الحكم العباسي وأنهكت ثورتهم الدولة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في بداية الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين، أما الفئات التي اشتركت في هذه الحركة هي من القبائل العربية الثائرة، أما الشخصيات التي قادت الزنج: علي ببن محمد الفارسي الأصل وهو زعيم الثورة، وكان يتصف بأنه رجل موهوب وطموح.


شارك المقالة: