العمران العثماني:
كان العثمانيون في الأصل واحدة فقط من الإمارات التركمانية الصغيرة (بيليكس) التي نشأت في الأناضول حوالي عام (1300)، بعد انهيار الدولة السلجوقيّة، من نواحٍ عديدة، توسعت رقعة الإمبرطوريّة العثمانيّة، ففتحت البلقان، وضمت القسطنطينيّة (اسطنبول حاليًا) عام 1453، وتوجهت نحو الشرق إلى العالم العربي بأكمله تقريبًا بحلول عام (1520) واستمرت حتى القرن التاسع عشر.
يشتهر الفن العثماني بالتميز، وخاصة العمارة، ونستطيع رؤية ذلك من خلال المعالم الأثريّة في تركيا، ويوجد في الواقع أدلة على الفن العثماني الممتد من الجزائر العاصمة إلى القاهرة في شمال إفريقيا، ودمشق في بلاد الشام، وفي البلقان من سراييفو، البوسنة والهرسك إلى صوفيا وبلغاريا.
بماذا تأثر العمران العثماني؟
استمد التقليد الكبير للعمارة العثمانيّة أسلوبة ونظامه المعماري، الذي تأسس في القرن السادس عشر، من العديد من المصادر، كان أحدها هو التطور المعقد للأشكال المعماريّة الجديدة التي حدثت في جميع أنحاء الأناضول، خاصة في مانيسا وإزنيك وبورسا وسلجوق في القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر.
أما المصدر الثاني الذي تأثر العمران العثماني به هوالنمط الإسلامي الموجود بالمساجد والأضرحة والمدارس المعتادة، تمّ تشييد عدد من المباني المسماة tekkes (الزاوية العربية ، الخانقاه الفارسية) لإيواء الدراويش (أعضاء الأخويات الصوفيّة) وغيرهم من رجال الدين الذين عاشوا بشكل جماعي.
غالبًا ما تمّ ربط التكيّة (أو الزيفية) بمسجد أو ضريح، ثم سمي المجمع بأكمله بـ (külliye)، استمرت كل هذه المباني في تطوير هيكل المخطط المركزي المقبب الذي بناه السلاجقة في الأناضول، المصدر الآخر للعمارة العثمانية هو الفن المسيحي، أصبح التقليد البيزنطي، خاصة كما تجسد في آيا صوفيا، مصدرًا رئيسيًا للإلهام.
أما التأثير البيزنطي فقد ظهر في العمران العثماني، عند استخدام الحجر والطوب معًا أو في استخدام بناء القبة المعلقة، كما كان من المؤثرات الفنيّة الاتصالات التي كان للعثمانيين الأوائل مع إيطاليا، وهكذا في العديد من المساجد في (بورصة، تركيا) هناك أوجه تشابه في الأسلوب في تصميمات الواجهة الخارجية والنوافذ والبوابات والأسقف مع الميزات الموجودة في العمارة الإيطاليّة، من السمات المميزة للعمارة العثمانيّة أنها مستمدة من التقاليد الفنيّة الإسلاميّة والأوروبيّة وبالتالي كانت جزءًا من كليهما.
العمارة العثمانية:
تمّ تحقيق أوج العمارة العثمانيّة في سلسلة الكليات والمساجد العظيمة التي لا تزال تهيمن على أفق اسطنبول: كلية الفاتح (1463-70)، مسجد بايزيد (بعد 1491)، مسجد سليم (1522)، شاهزاد كليه ( 1548)، و( Süleyman külliye)(بعد 1550).
تمّ بناء شهزاد وسليمان كلييس من قبل سنان، أعظم مهندس معماري عثماني، وتحفته هي مسجد سليم في أدرنة، تركيا (1569-1575)، تظهر جميع هذه المباني وضوحًا تامًا ومنطقًا في كل من المخطط والارتفاع؛ تمّ النظر في كل جزء فيما يتعلق بالكل.
وقد اكتسب كل عنصر معماري وظيفة هرميّة في التكوين الكلي، كل ما هو غير ضروري تمّ التخلص منه، غالبًا ما تُعزى بساطة التصميم هذه في أواخر القرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى حقيقة أنّ سنان والعديد من المهندسين المعماريين العثمانيين تمّ تدريبهم لأول مرة كمهندسين عسكريين.
كان كل شيء في تلك المباني خاضعًا لقبة مركزية مهيبة، هناك نوع من سلسلة من القباب النصفية النازلة، والأقبية، والدعامات الصاعدة تقود العين لأعلى ولأسفل خارج المبنى، تؤطر المآذن النحيلة والمتعددة، التكوين الخارج، بينما تمنع المساحة المفتوحة للمحاكم المحيطة المبنى من أنّ تبتلع المدينة المحيطة به.
يبدو أنّ روائع العمارة العثمانيّة هذه هي الكمال النهائي لتقليدين عظيمين: تقليد أسلوبي وجمالي كان من السكان الأصليين لاسطنبول منذ بناء الكنيسة البيزنطيّة لآيا صوفيا في القرن السادس والتقاليد الإسلاميّة الأُخرى المتعلقة بالبناء المحلي.
حتى القرن العاشر تكمن مأساة العمارة العثمانيّة في أنها لم تتمكن من تجديد تألقها في القرن السادس عشر، كانت المباني اللاحقة، مثل مسجد السلطان أحمد المثير للإعجاب في إسطنبول، في الغالب اختلافات في الهندسة المعمارية لسنان، وفي بعض الأحيان كان هناك إحياء لأنواع المباني القديمة، خاصة في المحافظات.
من حين لآخر، كما في مسجد (N mosqueruosman) في أوائل القرن الثامن عشر في أسطنبول، تظهر متغيرات جديدة مثيرة للاهتمام توضح أسلوب الباروك التركي “وهو نظام بنائي جديد يمتاز بالأشكال المنحنيّة والاستخدام المتقن والمعقّد للأعمدة والمنحوتات والرسومات واللوحات المزخرفة، كما يمتاز بالفخامة والترف، واعتماده على المساحات الواسعة والطابع الصوري متعدّد الأشكال والألوان”، ومع ذلك، فإن هذا الأخير أكثر وضوحا في التفاصيل الزخرفية أو في المباني الأصغر، وخاصة النوافير العديدة التي بنيت في أسطنبول في القرن الثامن عشر.
كان مصدر الباروك التركي هو التأثر في العمارة الباروكيّة في فيينا والدول النمساويّة المجريّة المجاورة، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حدث إضفاء الطابع الأوروبي على التقاليد المحليّة في الإمبراطوريّة العثمانيّة.
في حين أنّ المساجد والكليات هي أكثر المعالم الأثريّة المميزة للهندسة المعمارية العثمانيّة، فقد تمّ أيضًا بناء مبانٍ علمانية مهمة مثل الحمامات والقوافل، وخاصة مجمع القصر الضخم في (Topkapı Saray) في أسطنبول، حيث تم الحفاظ على المباني لمدة 300 عام من العمارة الملكية في أجنحة متقنة، بالإضافة إلى القاعات والنوافير.