تعد جزيرة بورنيو من أقدم الجُزر في العالم وأكبرها وتقسم الجزيرة بين سلطنة بروناي وماليزيا وإندونيسيا، حيث يطلق على الأراضي الشرقية باسم بورنيو الماليزية الشرقية، أما المناطق الجنوبية فقد كانت تشمل أراضي إندونيسيا، وشملت أراضي الجزيرة كلاً من أراضي جُزر سوندا الكبرى وجُزر سومطرة وجاوة سولاوسي وأراضي الفلبين وجزيرة مالكو، ويعتقد بأنّ شعب الداياك هم أوائل الشعوب الذين سكنوا في أراضيها.
تاريخ بورنيو الحديث
تعد جزيرة بورنيو جزء من أراضي مملكة بروناي والتي كانت جزء منها خلال عصر الاستكشاف في القرن السادس عشر ميلادي، حيث كان في تلك الفترة يطلق على مملكة بروناي اسم بورنيو، وتعني اسم بورنيو الماء أو المطر الهندوسي، كما تعني اسم بورنيو الطقس المحروق؛ وذلك كونها منطقة رطبة ولعل ذلك اللفظ للدلالة على درجة حرارة المنطقة المرتفعة، مع بداية عام 977 قبل الميلاد بدأت السجلات الصينية القديمة تتحدث عن جزيرة بورنيو وعن الممالك التي تم تأسيسها فيها.
تمكن علماء التاريخ من العثور على مجموعة من الآثار والنقوشات والتي يعود تاريخها إلى جزيرة بورنيو، حيث تمكنوا من العثور على لوحة فنية لحيوانات وقالوا بأنّ تاريخها يعود لقبل أربعون ألف سنة، في عام 977 قبل الميلاد ذكر علماء اليابان والصين بأنّ الموانئ التجارية في جزيرة بورنيو كانت عبارة مجموعة من المدن التي كانت تقيم بإدارة الأعمال التجارية في الجزيرة وتمكنوا من العثور على المخطوطات الذهبية، كما تميزت الجزيرة حينها بوجود أنواع عديدة من التوابل والأسماك المميزة.
من أهم المعادن التي كانت توجد في جزيرة بورنيو هو معدن الذهب، حيث كان يوجد فيها الكثير من معادن الذهب والألماس وأطلقت عليها الهند اسم أرض الذهب، وفي القرن السادس ميلادي كانت عبارة عن مركز للتجارة بين الصين والهند، تم العثور على الأعمدة الحجرية والتي تم الكتابة عليها بخط بالافا وحسب ما ذكر العلماء فأنّ تاريخ تلك الآثار يعود إلى القرن الرابع عشر ميلادي وكانت تلك الأحجار دليل على التأثير الهندوسي في جنوب شرق آسيا خلال القرن الرابع عشر ميلادي.
أصبحت جزيرة بورنيو فيما بعد جزء من أراضي إمبراطورية ماجاباهيت و من ثم أصبحت تابعة في حكمها لسلالة مينج الصينية، ومع بداية القرن العاشر ميلادي دخل إليها الدين الإسلامي بواسطة التجار المسلمين الذين كانوا يأتون إليها بغرض التجارة، مع منتصف القرن الرابع عشر ميلادي أعلنت سلطنة بروناي استقلالها عن إمبراطورية ماجاباهيت.
مع بداية القرن الخامس عشر ميلادي عاشت سلطنة بروناي عصرها الذهبي وذلك خلالها حكمها من قِبل البلقية واستمرت كذلك حتى القرن السابع عشر ميلادي، وقامت سلطنة بروناي فيما بعد بحكم المناطق الساحلية لبورنيو وعدد من جُزر الفلبين، وخلال القرن الخامس عشر ميلادي وصل السلطان هاشم سيد أبو بكر والذي كان يقيم في سولو إلى أراضي ملقا ومن ثم قام في عام 1457 ميلادي بتأسيس سلطنة سولو.
في 1578 ميلادي تمكنت قبيلة سولو من التخلص من حكم بروناي وقاموا بعد ذلك بتوسعة أنظمة المياه البحرية وبدأت تلك السلطات بالأعمال التجارية مع الصين وذلك عن طريق السفن الصينية التجارية، في عام 1511 ميلادي سقطت مملكة ملقا، وكان التجار البرتغاليون في تلك الفترة يقومون بالأعمال التجارية مع جزريرة بورنيو، وفي عام 1530 ميلادي نشطت الأعمال التجارية لهم مع سلطنة بروناي ووصف التجار البرتغاليون تلك المنطقة بأنّها منطقة محاطة بجدار حجري وكانت المنطقة غنية بالمعادن الثمينة.
على الرغم من الغنى الذي كانت تتميز بها جزيرة بورنيو لم تسعى البرتغال إلى غزوها وفي عام 1578 ميلادي قدمت إسبانيا وخلال قدوم الإسبان قامت الحرب القشتالية، في عام 1609 ميلادي بدأت إنجلترا بإرسال تجارها للتجارة في سلطنة سامباس الموجودة في الجنوب من جزيرة بورنيو، أما هولندا فقد بدأت تجارتها في المنطقة في عام 1644 ميلادي وحاولت هولندا السيطرة على الأراضي الشمالية من جزيرة بورنيو لكنها لم تتمكن ليقوموا بعد ذلك بالانسحاب من أراضي بورنيو.
في عام 1812 ميلادي تنازل سلطان بروناي عن جنوب بورنيو لصالح شركة الهند الشرقية الإنجليزية وحاولت إنجلترا بعد ذلك تأسيس قاعدة لها في سامباس لكنها لم تتمكن، وقامت إنجلترا بمحاصرة الموانئ في جزيرة بورنيو ومن ثم قامت بريطانيا بإلغاء المشاريع التي كانت تأسيسها في الهند؛ وذلك بسبب التكلفة الكبيرة التي كلفتها في الهند، عند دخول هولندا وبريطانيا إلى الجزيرة عثروا على الكثير من الجماجم البشرية وقد فسر العلماء ذلك بأنّ سكانها كانوا يقومون بأكل لحوم البشر.
كانت الجزيرة محاطة بعدد كبير من القراصنة والذين كانوا يأتون إليها من جنوب الفلبين والذين كانوا يقومون بالسيطرة على البضائع القادمة من هونغ كونغ وسنغافورة وقد أدى ذلك إلى قيام العديد من المعارك ومن أهمها معركة موكاه، في عام 1815 ميلادي بدأت هولندا التدخل بالأراضي الجنوبية من الجزيرة وكانت هولندا تحاول السيطرة على أراضي الجزيرة ومن ثم قامت بعملية نشر السكان في منطقة بانجارماسين وسامباس وبونتياناك.
في عام 1842 ميلادي قامت سلطنة بروناي بمنح جزء كبير من أراضيها لصالح الملازم الإنجليزي جيمس بروك وذلك بعد أنّ ساعدهم في حروبهم الداخلية وحروبهم ضد القراصنة والذي قام بالحكم في الجزيرة هو وأبنائه لمدة مئة عام ومن ثم قام بحكم جزيرة لابوان البريطانية.
في عام 1846 ميلادي تم توقيع معاهدة لابوان والتي تم من خلالها وضع أراضي شمال بورنيو تحت حكم شركة نورث بورنيو، استمرت بريطانيا بعملية توسعة مستعمراتها في سلطنة بروناي وطالب سلطان بروناي غلى توقف بريطانيا عن التوسع في أراضي بروناي، إلا أنّ بروناي رفضت لتصبح سلطنة بروناي في عام 1888 ميلادي محمية بريطانية.
قبل أنّ تسيطر بريطانيا على جزيرة بورنيو بدأ الأمريكيون بالدخول إلى الجزيرة وحاولت السيطرة على الأراضي الغربية والشمالية في بورنيو، وقام عدد من المستثمرين الأمركان بتأسيس عدد من الشركات في بورنيو، كما قام مجموعة من المستثمرين الصينيين بتأسيس شركات لهم في الجزيرة، إلا أنّ المستعمرات الأمريكية لم تنجح؛ وذلك بسبب عدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال الأموال للمستعمرات، بالإضافة إلى انتشار أعمال الشغب التي كان يقوم بها العمال وانتشار الأمراض.
انتشرت خلال تلك الفترة تجارة الأسلحة والأفيون في المنطقة، قبل أنّ يتم الاعتراف بالوجود الإسباني في جُزر الفلبين، تم في عام 1885 ميلادي توقيع اتفاقية بين حكومة ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا؛ من أجل الاعتراف بالوجود الإسباني في جزيرة بورنيو، قامت بريطانيا بعد ذلك بتأسيس سكة حديدية في الأراضي الشمالية من جزيرة بورنيو وقامت بريطانيا بدعوة العمال الصينيين للعمل في السكة الحديدية والمناجم والمزارع التابعة لبريطانيا.