تدهور الصناعة والتجارة في الإقطاع السلجوقي

اقرأ في هذا المقال


تدهور الصناعة في الإقطاع السلجوقي:

إنَّ الحفاظ على الأمن والنظام مسألتان مهمتان في انتعاش الصناعة والتجارة على حد سواء، فعملية نقل البضائع المصنعة وتصديرها وحركة القوافل التجارية تتطلب استقرار الحالة السياسية والاقتصادية.

إنَّ السياسة الإقطاعية وما تبعها من أعمال نهب وتخريب من قبل العساكر السلجوقية أثرت بشكل فعّال وكبير على النشاط التجاري والصناعي في الدولة العربية الإسلامية. لقد سبب الاحتلال السلجوقي في انكماش دور الصناعة بسبب عدم الاستقرار مما أدى إلى عدم قيام صناعة مستقرة في البلد، وبسبب السياسة المالية الجائرة التي سنتها السلطة السلجوقية من خلال الضرائب الباهضة على مختلف الصناعات والتي أصبحت سمة للسيطرة العسكرية الإقطاعية السلجوقية.

إنَّ تطور الصناعة يعتمد بالدرجة الأساس على توفر المادة الأولية والتي تأتي غالباً من الأراضي الزراعية، وكذلك تربية الماشية التي توفر الجلود والصوف والتي تعتبر مواد اقتصادية تُساعد على ازدهار الصناعة وكانت أكثر الصناعات انتشاراً صناعة النسيج والجلود.

لقد شهدت مدن العراق قيام صناعة النسيج بأنواعها القطنية والصوفية والتي كانت تعد من أوسع الصناعات انتشاراً، بسبب توفر موادها الأولية والتي تركزت صناعتها في مراكز صناعية عديدة مثل (حربى)، من قرى الدجيل والتي تشتهر بصناعة الثياب القطنية الغليظة، وكان هذا النوع مفضل لدى التجار الذين يحملونه إلى أنحاء المعمورة للمتاجرة به وكانت مادته الأولية القطن تزرع في تلك القرية.

أما قرية باقداري من قرى بغداد قرب لأوانا فكانت تشتهر بصناعة ثياب القطن الغلاظ الصفاق وكانت هذه الثياب يضرب بها المثل من حيث الجودة والنوعية ومفضلة لدى أهل بغداد. واشتهرت (الكرخ) بصناعة الثياب الإبريسمية، أما قرية الحظرة فكانت تصنع منها ثياب القطن الصفاق، وكذلك (جرجرايا)، وهي من كور النهروان كانت تصنع فيها الثياب الميسانية.

واشتهرت بعض محلات بغداد بصناعة النسيج وأصبحت تلك المحلات تعرف باسم المنتوج الذي تصنعه مثل محلة (تستر)، الواقعة في الجانب الغربي والتي تصنع فيها الثياب التسترية، ومحلة (العتابين)، التي تنتج أجود أنواع الأقمشة المعروفة في كافة أنحاء العالم وكانت أقمشة حريرية وقطنية مختلفة الألوان. كذلك كانت بغداد تشتهر بصناعة الورق ويقع مركز صناعة في دار القز، وأصبح منتوجها ذات شهرة واسعة في جميع الشرق.

لقد أدت أعمال المقطعين العسكرين وعدم اعتناءهم بالأراضي الزراعية فضلاً عن النهب والتخريب أدى إلى اندثار قرى كاملة انعكست سلبياً على قطاع الصناعة وحرمانها من المادة الأولية التي تساهم في ديمومتها، أدى إلى اضطراب أوضاع الصُناع الذين كانوا يعملون في ورشاتهم أو في أسواق المدن. وبسبب الضرائب والرسوم أدى إلى ممارسة أهل الحرف مهنتهم داخل مساكنهم والهجرة إلى أماكن أخرى.

لقد فرضت السلطة السلجوقية ضرائب على بيع ثياب السقلاطون كل نول ثمانية قراريط، كذلك إنَّ بعض هذه المحال قد اندثرت ولم يبق منها شيء زمن ياقوت الحموي، ففي معرض كلامه عن محلة تستر يقول أنها كانت في الجاني الغربي وهي الصيغة المستخدمة عند حديثه عن المحال المندثرة من بغداد. كذلك دار القز التي كل ما حولها قد ضرب وبقيت تلول قائمة. فضلاً عن تعرض محلة العتابية إلى النهب والسرقة.

وكانت مدن الشام تشتهر بزراعة المحاصيل الصناعية كالزيتون والسمسم وكذلك زراعة قصب السكر المستخدم في صناعة السكر. واشتهرت مدن الشام بصناعة الأقمشة فكانت طرابلس وحدها مركز لصناعة الحرير وكان عدد الصُناع المشتغلين بهذه الصناعة حوالي أربعة آلاف عامل وكانت موادها الأولية تنتجها مدن الشام.

تدهور التجارة في الإقطاع السلجوقي:

شهد قطاع التجارة المعاملات التجارية الداخلية انحساراً ملحوضاً وأصبحت أكثر محدودية؛ بسبب الضرائب التي فرضتها السلطة السلجوقية على حركة البضائع وعمليات التبادل التجاري بين المدن المختلفة.

فقد كانت المكوس من أشد الضرائب التي قيدت حركة التجارة الداخلية والتي ساهمت بشكل فعّال في تقليص حجم التبادل التجاري، إضافة إلى وضع الضرائب على حركة السفن المحملة بالبضائع التجارية ولا يُسمح بالمرور إلا بعد الدفع. كذلك ألزمت السلطة السلجوقية التجارة بدفع ثلث أرباحهم إلى السلطان السلجوقي.

فضلاً عن الضرائب على حركة السوق التجارية والتي أسهمت في شل حركة السوق. إضافة إلى سياسة المصادرات أدت إلى الحد من نشاط التجار، إنَّ سلامة طرق القوافل التجارية. وانتشار الأمن فيها يُنعش التجارة خصوصاً أنَّ عاصمة الخلافة العباسية بغداد كانت تُمثل مفرق الطرق التجارة الدولية وكان مراكزها التجارية مهمة بسبب أسواقها الكبيرة. وأنَّ مُعظم اقتصاديات الدولة العربية الإسلامية كانت قائمة على التبادل التجاري.

لقد أصبحت الطرق التجارية غير آمنة في ظل الاحتلال السلجوقي فضلاً عن انتشار ظاهرة قطاع الطرق وخاصة في مناطق عبور القوافل التجارية، فقد تعرضت القوافل التجارية القادمة من الموصل إلى النهب، إنَّ فقدان الأمن وتواطئ السلطة السلجوقية بشكل واضح أدى إلى نهب المحال التجارية للتجار في بغداد، وكان أصحاب السلطات السلجوقي يسرقون المحال التجارية علنا.

فضلا عن تعرض تجار الأقمشة ومحال الصياغة إلى السرقة، بسبب ذلك أضطر أكثر التجار إلى الهجرة تخلصاً من تلك الأعمال. وأصبحت محطات القوافل التجارية غير آمنة وانتشر فيها قطاع الطرق وكانوا يفرضون الأتاوات على التجار، فقد كانت (برقعيد)، وهي من مدن الموصل ممر للقوافل التجارية، فاشتدت بها أعمال النهب والسرقة وكانت القوافل لا تمر إلا بعد دفع الأتاوات لهم.

لقد شهدت هذه الفترة اندثار العديد من أسواق بغداد بسبب تلك الأعمال وهجرة التجار وفقدان الأمن وتخريب العساكر السلجوقية لها مثلاً سوق العطش، كان يقع بالجانب الشرقي بين الرصافة ونهر معلى أصبح خراباً لا أثر له. وسوق يحيى، بالجانب الشرقي في خرب بسبب قدوم العساكر السلجوقية فلم يبق منه أثر.

أما التجارة الخارجية فقد كان الأسطول العربي الإسلامي سيد البحر المتوسط، ولعب العراق دوراً مهماً في التجارة الدولية، لكونه ممر للقوافل التجارية القادمة من الشرق الأدنى ومحملة بالبضائع ولتنقل بواسطة التجار العراقيين عبر الفرات الصالح للملاحة إلى الشام، وكان التجار الشاميون يقومون بتصدير تلك البضائع إلى مانئ البحر المتوسط وكانوا نشطون يجوبون العالم كله.

وكان السوقين الرئيسيين في الشام دمشق وحلب، فكانت مدينة دمشق المحطة التجارية للقوافل التجارية القادمة من الشرق والعراق وكذلك من مصر الذاهبة إلى آسيا الصغرى. أما حلب فكانت مركزاً للتبادل التجاري، وكانت تجارة التوابل التجارة النشطة التي يستوردها التجار المسلمين من الهند.

إنَّ الاحتلال السلجوقي وما أحدثه من اضطرابات خطيرة في الجوانب السياسية والاقتصادية تركت أثراً واضحاً على وضع التجارة العربية، التي بدأت تفقد سيطرتها على موانئ البحر المتوسط وحرمت الاقتصاد الإسلامي من ثروات ضخمة.

إنَّ الحروب المستمرة بين الأمراء السلاجقة انعكس بدوره على أوضاع الشام السياسية والذي مهد للاحتلال الصليبي لموانئ البحر المتوسط العربية، كذلك إنَّ الصراع بين السلاجقة والدولة العبيدية في مصر حول السيطرة على الشام ودخول العساكر في منازعات لا فائدة منها، هيأت الفرصة للأفرنجة لاحتلال تلك المنطقة خصوصاً أنَّ السلاجقة لم يقوموا بعمل جدي للتصدي لذلك الهجوم.

ولم يقدموا أي مساعدة للأمراء العرب في ذلك فأمراء بني عمار أمراء طرابلس كانوا يملكون أسطولاً تجارياً، طلب المساعدة من حاكم دمشق السلجوقي لكنه لم يمد له يد المساعدة فتوجه إلى بغداد طالباً مساعدة السلطان محمد السلجوقي وبقي مدة أربع أشهر ينتظر دون جدوى لأنها أصبحت تحت سيطرة الصليبييين.

لقد أصبحت التجارة البحرية بيد الأساطيل الغربية التي احتكرت تجارة التوابل والبضائع الشرقية، وأسسوا الوكالات التجارية فيها. وأصبحت معظم صناعات الشام بيد التجار الغربيين، فقد احتكروا صناعة السكر في القدس وكذلك صناعة الحرير في طرابلس وأنطاكية وصناعة الزجاج والأواني الفخاري.

إنَّ هذا الوضع السيء قد عرقل تجارة الشام مع كل من العراق ومصر فقط قطع جوسليت طريق القوافل التجارية بين حلب وبغداد عن طريق السيطرة على مدينة حوان بسبب الحروب والمنازعات بين السلطات بركياروق ومحمد، أما القوافل التجارية الذاهبة إلى مصر فكانت تمر عبر صحراء النقب وكذلك قوافل بلاد الجزيرة العربية، فسيطرت الأفرنج على تلك الصحراء قطعت ذلك الطريق.

وقد تعرضت تلك القوافل إلى فرض الضرائب والأتاوات عليها فضلاً عن أعمال النهب والسلب، إنَّ السيطرة السلجوقية وتمكن الأوربيين من احتلال الموانئ العربية أدى إلى حرمان الاقتصاد العربي الإسلامي من ثروات ضخمة وفقدان سيطرتها على البحر المتوسط.

إنَّ تحكم العساكر الإقطاعية السلجوقية أدى إلى انتعاش التجارة الغربية وأصبحت بضائع الشرق تنتقل بواسطة سفن غربية. لقد كان من نتائج احتكار التجارة العربية انتعاش المدن الساحلية الأوربية وتحولها إلى النمط التجاري، مدينة برشلونة لم تكن بحرية قبل القرن العاشر الميلادي، تغير وضعها الاقتصادي وأصبح لها قانون بحري وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لمونبلية وناربون.

كذلك إنَّ معدن الذهب أخذ يتوفق إلى أوروبا وأصبحت المدن الأوربية تتسك بعملاتها من الذهب، مثل مدينة قطلونية سكت الدينار المنقوش باسم أميرها وكانت أميرة هيبولت تملك (500) بيزنط من الذهب (البيزنط عملة ذهبية)، لقد أدى هذا الأمر إلى تغير أوربا قاعدتها المالية التي تسند على الذهب بدلاً من الفضة.


شارك المقالة: