تساؤلات ومشاكل اقتصادية تتناولها الأنثروبولوجيا الاقتصادية

اقرأ في هذا المقال


في هذا المقال سنتحدث عن ثلاثة تساؤلات اقتصادية يمكن طرحها في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، كما سنتحدث عن مشكلات الإنتاج في الأنثروبولوجيا الاقتصادية.

تساؤلات اقتصادية يمكن طرحها في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

هناك ثلاثة تساؤلات اقتصادية يمكن طرحها في الأنثروبولوجيا الاقتصادية وهي كما يلي:

1. كيف يمكن إنتاج السلع والخدمات التي تريدها، أو تحتاج إليها، المجتمعات الإنسانية؟ وهنا تدخل التكنولوجيا فقط من حيث أنها تحدد الوسائل الكفيلة بتحويل المواد الخام إلى طعام ومصنوعات مادية يمكن استخدامها. والأهم من ذلك الأنماط التي من خلالها يعمل النسق الاقتصادي على التحكم في النشاطات الإنسانية والتفاعلات التي تتضمنها السلع والخدمات.

وتسعى الأنثروبولوجيا الاقتصادية إلى اكتشاف مجموعة توزيع أعمال الإنتاج على أفراد المجتمعات الإنسانية، وما إذا كان الأفراد أو الجماعات داخل المجتمع تتخصص في مهن معينة أم لا؟ ففي بعض المجتمعات على سبيل المثال هناك عدد كبير من المهن التجارية والصناعية والفنية العليا التي تحتاج إلى سنوات من التلمذة الصناعية أو التعليم.

وعلى النقيض من ذلك نجد المجتمعات، الأصغر حجماً، والأكثر تجانساً كمجتمعات سكان استراليا الأصليين لا تعرف سوى عدد قليل (إن كانت تعرف هذا أصلاً) من المهن المتخصصة فكل فرد ينتمي إلى نفس جماعة العمر، أو الجنس، ويؤدي أو يستطيع أن يؤدي نفس المهام التي تعلمها خلال فترة الشباب وذلك كجزء من عملية التنشئة الاجتماعية.

2. كيف تتم عملية توزيع أو تقسيم السلع والخدمات التى تنتج على أفراد المجتمعات الإنسانية؟ هنا نجد مرة أخرى أن التأكيد يتركز على أنماط التفاعل الإنساني التي تحكم عمليات التوزيع، لا على الوسائل المستخدمة لتحقيق هذا الهدف. هل يمثل التوزيع كما هو الحال بالنسبة لكثير من المجتمعات البسيطة اهتماماً أساسياً من اهتمامات الأسرة.

بمعنى أن أفراد الأسرة ينتجون كل ما هو ضرورى لمواجهة احتياجاتهم، أم أن الأسرة تشكل جزءاً من وحدة أكبر يتم داخلها توزيع السلع والخدمات طبقاً لنظام معين من المقايضة أو التجارة؟ ومن الطبيعي أن نجد تنظيم التوزيع في المجتمعات الحديثة يتصف بدرجة عالية من التعقيد، إذ يجب الحصول على كل احتياجات الحياة اليومية تقريباً من خلال التجارة، كما أن كثيراً من هذه الاحتياجات تأتي من أماكن بعيدة، وتمر في أيد كثيرة قبل أن تصل إلى المستهلك الأخير.

3. كيف توضع وتستهلك السلع والخدمات التي تنتج وتوزع في المجتمعات الإنسانية؟ وما هي أنماط السلوك التى تحكم هذه العملية؟ وفي كثير من المجتمعات التي تتصف فيها أساليب أو فنون الإنتاج والتوزيع بالبساطة الشديدة، نجد عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك تتم داخل جماعة صغيرة واحدة، حيث يعيش أفرادها في ظل علاقات يومية مباشرة بعضهم مع بعض.

وقد يكون الفائض ضئيلاً، لكنه يوجد حينما يتمكن الفرد أو الأسرة من إنتاج ما يزيد على استهلاكه من أي شئ. وبسبب ضخامة الفائض، فإن من الطبيعي أن تزداد حدة المشكلات المتعلقة بالقوة الاقتصادية والضبط السياسي في المجتمعات المركبة. ولا يستتبع ذلك بالضرورة أن تكون هذه المشكلات مختلفة تماماً فى طبيعتها.

مشكلات الإنتاج في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

من بين مشكلات الإنتاج الأساسية نجد وفرة وتوزيع الموارد المرغوب فيها، والتكنولوجيا المستخدمة في الحصول على الموارد ومعالجتها، والطاقة المتاحة لتحقيق الإنتاج، ونمط الاحتياجات الإنسانية، فضلاً عن تنظيم الجهد الإنساني. وترتبط هذه المشكلات فيما بينها بطرق ووسائل معقدة. وفي بعض الأحيان قد لا يعترف بالموارد لا يمثل السلع الكامنة، أو قد لا يكونون بحاجة إليها.

وفي الثقافة الغربية نجد أن الجندب مصدراً أو مورداً، بل يشكل حشرة مؤذية، في حين نجده في ثقافات أخرى طعاماً لذيذ المذاق. وهناك ثقافات أخرى تنفر من السمك، طعام البحر ولحم الخنزير. ولا تصبح كثير من النباتات المغذية صالحة للتناول دون استخدام التكنولوجيا الملائمة في جمعها، كما أن كمية الطاقة المطلوبة قد تعد عالية، وفي ثقافاتنا متعددة لم تستخدم بعض المعادن الوفيرة كالألومنيوم والتيتانيوم إلا في فترة حديثة نسبياً.

وقد تكون الأطعمة المرغوب فيها نادرة أو موسمية كما أن فائدتها قد تكون محدودة بسبب عدم توافر التكنولوجيا اللازمة لجمع هذه الأطعمة والمحافظة عليها، أو بسبب عدم وجود الطاقة الكافية. والمطلب الأدنى لأي مجتمع هو إنتاج الطعام الكافي الذي يسمح بالبقاء وتناسل أفراده.

وفي كثير من البيئات نجد أن على الثقافة تزويد الإنسان بالحد الأدنى من المأوى، ومن الملبس، في بعض الحالات. وفضلاً عن ذلك فإن على كل المجتمعات توفير الإنتاج والحفاظ على معدلاته، واستبدال أو إحلال المعدات، أو الأدوات الضرورية للإنتاج. وتمثل الطاقة التي تكفل مجرد مواجهة هذه الحاجات وحدها، تمثل بالفعل مجتمع الإعاشة.

وفي البيئات القاسية غير الملائمة تماماً كبيئتي البوشمان في صحراء كلهاري بجنوب غرب أفريقيا، والسيريونو في غابات وأدغال السافانا في شرق بوليفيا بأمريكا الجنوبية نجد عملية البحث عن الطعام تتخذ غالباً شكلاً مستمراً غير متقطع. وطبقاً لما ذهب إليه الآن هولمبرج فإن شعب السيريونو في حالة جوع دائم، أو أنه في حالة خوف من الجوع. ويسيطر الجوع على نشاطات وأحلام هذا الشعب.

فالزوجات هناك يوجهن إلى الأزواج اللوم بسبب عدم إحضار الكمية الكافية من اللحوم، والأزواج بدورهم يتهمون الزوجات بإخفاء الطعام وعدم إعطائهن إياهم نصيبهم العادل من الطعام. وعلى الرغم من أن أفراد شعب السيريونو ينقلون معسكراتهم خلال معظم العام كل عشرة أيام تقريباً، وبالتالي يتعين عليهم نقل كل السلع على ظهورهم، على الرغم من ذلك فإن قائمة أشيائهم المادية والضرورية كبيرة بشكل يدعو إلى الدهشة.

فعليهم أن يوفروا مأوى تحميهم من الأمطار، وأن يضمنوا وجود نار دائمة تحميهم من الحشرات وهذا يتطلب جمع أخشاب الوقود، وعليهم إقامة أراجيح شبكية للنوم، فضلاً عن توفير الأدوات والأسلحة كعصي الحفر، والأقواس والسهام والأواني اللازمة لتخزين الطعام، ونقلة وطهوه ولا يتم غالباً تناول أي طعام في شكله الخام. ويتعين على كل فرد من أفراد شعب السيريونو أن يتخذ باستمرار القرارات المتعلقة بنشاطاته.

وعلى الذكر أن يقرر ما إذا ان هناك فائض مؤقت كاف من الطعام، فإن عليه أن يقرر ما إذا كان سيبحث عن مزيد من الطعام؟ أم سيعمل في تشكيل الأدوات؟ أم سيجري تحسينات على المأوى؟ أم سيخلد إلى الراحة؟ أم سينغمس في الشرب أو الغناء أو الرقص؟ وهناك قرارات مماثلة يتعين على النساء اتخاذها. فشعب السيريونو إذن يقوم بعمليات اقتصادية، أي يوزع مصادر طاقته الأساسية وعمله على الأهداف الإنتاجية المختلفة.


شارك المقالة: