تعيين الوزراء في العهد البويهي

اقرأ في هذا المقال


تعيين الوزراء في العهد البويهي:

كان من المُتبع أن يختار الوزير من بين المثقفين ثقافة أدبية وبالتحديد من طبقة الكتاب. ويبدو أن اختيار الوزير من هذه الطبقة بالذات يرجع إلى أن الكاتب كان يتمتع، بالإضافة إلى ثقافته الأدبية بخبرات إدارية أُتيحت له عن طريق تدرجه في أعمال دواوين الدولة المختلفة، بحيث أصبح على دراية تامة بالشؤون الإدارية والمالية التي يرتكز عليها أساساً منصب الوزير.

ولم يكن الوزير يختار من طبقة الفقهاء والعلماء، ويذكر الصابىء أن الخليفة المقتدر بالله (295 – 320 هجري)، استشار علي بن عيسى فيمن يراه أهلاً للوزارة، فأشار عليه بإسنادها إلى القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فاعتقد الخليفة أنَّ علي بن عيسى لم يخلص له النصح وقال: (لعمري أن (القاضي) عالم ثقة إلا أنني لو فعلت ذلك لافتضحت عند ملوك الإسلام والكفر، لأنني كنت بين أمرين أما أن تتصور مملكتي خالية من كاتب يصلح للوزارة، فيصغر الأمر في نفوسهم، أو أنني عدلت عن الوزراء إلى أهل الطيالس، فأنسب إلى سموع الأختيار).

مراسم اختيار الوزراء:

وكانت تجرى بعض المراسم إذا ما استقر الرأي على اختيار شخص للوزارة، ففي أوائل القرن الرابع المهجري (العاشر الميلادي)، كان الشخص المرشح للوزارة يحضر إلى دار الخلافة، فيخطره الخليفة باختياره ليكون وزيراً له، ثم يخلع عليه خلع الوزارة، وهي القباء والسيف والمنطقة المحليين بالذهب، ويخرج الوزير على فرس بمركب ذهب إلى داره، يُرافقه الأمراء والحجاب والقواد وكبار رجال الدولة. ثم يتحول الوزير الجديد إلى الدار المخصصة للوزراء، فيأتيه الناس بمختلف طبقاتهم للسلام والتهنئة. فإذا بدأ ممارسة سلطاته، كتب للأمراء والعمال خارج بغداد إشعاراً بتوليه الوزارة.

واستمرت مراسم تقليد الوزراء التي كانت تجري قبل العهد البويهي كما هي تقريباً، ولم يطرأ عليها أي تطور، فقد أورد مسكويه التقليد الذي أجرى عند تعيين أبي الفضل العباس بن الحسين الشيرازي، وزيراً للأمير البويهي عز الدولة بختيار في سنة (357 هجري)، وفيما يلي نصه: (وقلد أبا الفضل الوزارة، وخلع عليه القباء والسيف والمنطقة المحليين بالذهب، وحمله على فرس بمركب ذهب، وأقطعه إقطاعاً بخمسين ألف دينار على رسم الوزراء، وضم إليه عدداً كثيراً من الديلم على رسوم الوزراء).

كما أمدنا الصابىء بوصف للمراسم التي أجريت في سنة (339 هجري)، عند تعيين الوزير أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي، فقال: (تواجد الجماعة المرشحون المؤيدون، وكان منهم يظن أنه المناسب والمقلد، وجلسوا في خركاه، ينتظرون الأذن، ثم وصل القوم ووقفوا على مراتبهم، ودخل أبو محمد بعدهم.

يتضح لنا من هذا النص الذي أورده الصابىء عن مراسم تعيين الوزير المهلبي أن الأمير معز الدولة حدد يوماً معيناً لاختيار وزيرله. ولكنه لم يشعر الشخص المرشح بذلك، فلا حضر المتطلعون إلى الوزارة من كبار رجال الدولة، تم اختيار أبي محمد المهلبي لوزارة الأمير معز الدولة ومن ثم خُلع عليه خلع الوزارة المعتادة.

وهي القباء والسيف والمنطقة وخرج بصحبة القواد وأعيان الدولة إلى مقر الخلافة، وهناك خلع عليه الخليفة العباسي المطيع لله مرة ثانية، كناية عن موافقته على اختياره وزيراً ومن ثم خرج المهلبي إلى داره، وبين يديه جميع قواد الجيش وحجاب دار الخلافة. ويبدو أنه كان من المتبع أيضاً أن يقرر الأمير البويهي في نفس الوقت الذي يدم فيه أختيار وزير له، الراتب الذي سيمنح لذلك الوزير.

وأن يضم إليه عدداً من الجند ليكونوا في خدمته، ويستعين بهم في تنفيذ أوامره، فضلاً عن تعليمات الوزارة، وهذا ما حدث عند تعيين أبي الفضل الشيرازي وزيراً للأمير عز الدولة بختيار، يقول مسكويه: (وأقطعه اقطاعاً بخمسين ألف دينار على رسم الوزراء وضم إليه عدداً كثيراً من الديلم على رسوم الوزراء).

أما فيما يتعلق بإلحاق عدد من الجند بخدمة الوزير البويهي، فهذا لم يكن أمراً مستحدثاً في العهد البويهي، فقد حدث مثله في عهد الخليفة المقتدر بالله حيث ضم إلى وزيره علي بن محمد بن الفرات في سنة (304 هجري)، عدداً من الجند، ليركبوا بركوبه،‏ ويكونوا معه في كل موضع يكون فيه).

راتب الوزير في العهد البويهي:

كان من الطبيعي أن يتقاضى الوزير راتباً شهرياً أسوة ببقية موظفي الدولة، وبلغ راتب الوزير في أوائل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، خمسة آلاف دينار في الشهر، وكان يعطي لكل ولد من أولاده مبلغ من المال في كل شهر قدره خمسمائة دينار. ثم رفع الخليفة المقتدر بالله راتب الوزير من خمسة آلاف دينار إلى سبعة آلاف دينار. كما رفع أيضاً الراتب الشهري لأبناء الوزير إلى ألف دينار، ثم إلى ألفي دينار في الشهر في سنة (311 هجري).

وفضلاً عن مرتب الوزير الشهري كان هناك تخصص سنوي وهودخل الضياع العباسية التي كانت تمنح كاقطاع لكل من يتولى الوزارة ويقدر إيرادها بخمسين ألف دينار. هذا بالاضافة إلى الهدايا التي كان يقدمها الخليفة لوزيره عند تعيينه.

ويبدو أن راتب الوزير نقص كثيراً في العهد البويهي، وليس لدينا معلومات وافية عن هذا الراتب، فقد روى أن الأمير عز الدولة بختيار أقطع أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي عندما استوزره اقطاعاً إيراده خمسين ألف دينار.

كما ورد في رواية أخرى أن الأمير عضد الدولة عين محمد بن بقية وزيراً لولده أبي الحسين في سنة (364 هجري)، ومنحه إقطاعاً دخله خمسمائة ألف درهم في السنة. وكان الإقطاع يقوم مقام الراتب،‏ ويؤخذ من الوزير إذا عزل ويعطى لمن يخلفه في الوزارة، ويبدو أن أمراء بني بويه ألغوا المخصصات التي كانت تصرف لأبناء الوزراء في الفترة السابقة الحكمهم.

وكان يصرف للوزير إلى جانب الراتب السنوي مخصصات من الشمع والملح والثلج. وعلى سبيل المثال كان يصرف للوزير محمد بن بقية في كل يوم ألف رطل من الملح، وألف رطل من الثلج، وألف رطل من الشمع.

كذلك كان الأمراء البويهيون يقطعون وزراءهم كشيراً من الأراضي الزراعية والضياع كمنح وهدايا لتحسين حالتهم المالية . ويذكر الذهبي، أن الأمير معز الدولة زاد في سنة (345 هجري)، في إقطاع وزيره أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي. ولم يذكر الذهبي شيئاً عن مقدار تلك الزيادة.

وفي سنة (364 هجري)، أقطع الأمير عز الدولة بختيار أبا الفتح بن العميد وزير عمه ركن الدولة،‏ ضياع كبير في مناطق السواد، فرتب أبو الفتح فيها نائباً له، للأشراف على انتاجها وموافاته بثمنه، وفي سنة (370 هجري)، أقطع الأمير عضد الدولة الصاحب اسماعيل بن عباد، وزير أخيه مؤيد الدولة، ضياعاً جليلة في نواحي فارس.

ويلاحظ أن بعض وزراء العهد البويهي كانوا من الأثرياء قبل توليهم الوزارة، ولهذا لم يكونوا في حاجتهم الماسة إلى ما يتم صرفه لهم من خزينة الدولة. وعلى سبيل المثال: أقام أبو الفضل الشيرازي، قبل أن يلي الوزارة، وليمة للأمير البويهي مُعز الدولة، أنفق فيها ‏(إذا صحت الرواية)، مليوني درهم ووهب فيها كثيراً من الجواري والغلمان والضياع، وهذا دليل مادي على ثرائه.

كذلك كان والد الوزير أبي الفرج بن فسانجس من أصحاب النعم الوافرة بفارس وقدم إلى بغداد مع الأمير معز الدولة في سنة (334 هجري)، ولمّا توفي أنتقلت ثروته إلى ابنه أبي الفرج. ويروى أن الوزير الصاحب بن عباد كان ينفق مُنذ نشأته حتى وفاته من مال أبيه وجده، وهذا يعني أنه لم يكن يتقاضى مرتباً، ورأينا فيما سبق أن أبا علي الحسن ابن أحمد بن حمولة. وأبا العباس الضبي قد دفعا سوياً عشرة ملايين درهم للأمير فخر الدولة حين أشركهما في الوزارة، وهذا يدل على أنهما كانا على جانب من الثراء قبل أن يليا وزارة الأمير فخر الدولة.

كما أن الوزير أبا غالب محمد بن علي المُلقب بفخر الملك كان من أثرياء واسط قبل أن يلي الوزارة للأمير بهاء الدولة، وكان والده صيرفياً بها. وقد حمل فخر الملك إلى بهاء الدولة أموالاً كثيرة عند استدعائه لتقلد الوزارة.

وليس هناك من شك أن بعض وزراء البويهيين استفادوا مالياً من مناصبهم، وكونوا لهم ثروات طائلة، أما عن طريق المُصادرات التي كانوا يتبعونها في ذلك الحين أوعن طريق احتجاز مبالغ كبيرة من دخل الدولة لأنفسهم، وذلك (فيما يبدو) لتعويض الأموال التي قدموها ثمناً لاسناد الوزارة اليهم.



شارك المقالة: