تفسير منظور الأنشطة الروتينية في ارتكاب الجرائم

اقرأ في هذا المقال


بالاعتماد على النظريات البيئية البشرية اقترح كوهين وفلسون أنّ التغييرات الهيكلية في أنماط النشاط الروتيني المجتمعي يمكن أن تؤثر على معدلات الجريمة، وذلك من خلال التأثير على احتمالية التقارب في الزمان والمكان لهذه العناصر الثلاثة الضرورية، وعناصر الجريمة الثلاثة التي يجب أن تلتقي في نفس المكان والزمان هي: الجاني الذي كان على استعداد لارتكاب الجريمة، هدف مناسب مثل الاعتداء على ضحية بشرية أو سرقة قطعة من الممتلكات وعدم وجود وصي قادر على منع الجريمة.

الجريمة بين الأنشطة الروتينية والخروج من المنزل

جادل كوهين وفيلسون بأنّ معدلات الجريمة زادت بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأن الأنشطة الروتينية للمجتمع بدأت في التحول بعيدًا عن المنزل، مما يزيد من احتمال أن يتقارب الجناة المتحمسون في الزمان والمكان مع أهداف مناسبة في غياب وصاية قادرة، وتميل الأنشطة الروتينية التي تحدث في المنزل أو بالقرب منه إلى الارتباط بمزيد من الوصاية لكل من الفرد وممتلكاته وتقليل مخاطر مواجهة الجناة المحتملين، فعندما يقوم الناس بأنشطة روتينية بعيدًا عن المنزل فمن المرجح أن يواجهوا مجرمين محتملين في غياب الأوصياء، وعلاوة على ذلك تُترك ممتلكاتهم في منازلهم دون حراسة مما يخلق المزيد من الفرص لارتكاب الجريمة.

نظرية الأنشطة الروتينية لارتكاب الجريمة

نظرية الأنشطة الروتينية هي نظرية أحداث الجريمة، وتختلف نظرية الأنشطة الروتينية عن النظريات الإجرامية الأخرى بطريقة أساسية، وبدلاً من ذلك قد تكون هناك زيادة في توافر الأهداف المناسبة أو انخفاض في توافر أو فعالية أجهزة التحكم أو تحول في الأنشطة الروتينية للمجتمع الذي يزيد من احتمالية تقارب هذه العناصر في الزمان والمكان، وهذا المفهوم القائل بأنّ الجاني ليس سوى مساهم واحد في حدث الجريمة له آثار نظرية وعملية.

فأولاً يلمح إلى أنّ النظريات التي تركز فقط على عوامل الجاني ليست كافية لشرح أنماط واتجاهات الجريمة، بل فقط عرض الجناة المتحمسين، وثانيًا يقترح نطاقًا أوسع بكثير من إمكانيات الوقاية، وبينما تقترح نظريات إجرامية أخرى تغييرات في المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع لتغيير العوامل التي تحفز الناس على ارتكاب الجرائم تشير نظرية الأنشطة الروتينية إلى حدوث تحولات في توافر الأهداف المناسبة، وخصائص الأماكن ووجود الأوصياء المؤهلين أو مديري الأماكن أو المتعاملين يمكن أن يؤدي إلى انخفاض فوري في الجريمة.

علاوة على ذلك فإن التغييرات في أنماط النشاط الروتيني للمجتمع التي تؤثر على احتمال أن تتلاقى هذه العناصر في المكان والزمان يمكن أن تمنع أيضًا أحداث الجريمة دون التأثير بشكل مباشر على إمداد الجناة المتحمسين، وبالنظر إلى هذه الآثار السياسية استمد الباحثون فرضيات مختلفة قابلة للاختبار من نظرية الأنشطة الروتينية لاستكشاف مدى صلاحيتها.

الفرص الإجرامية وأنماط النشاط الروتيني

وواحدة من أعظم مساهمات منظور الأنشطة الروتينية هي فكرة أنّ الفرص الإجرامية لا تنتشر بالتساوي في جميع أنحاء المجتمع ولا هي لانهائية، وبدلاً من ذلك هناك بعض القيود على عدد الأهداف المتاحة التي يعتبرها الجاني جذابة أو مناسبة، حيث أنّ الملاءمة هي دالة لأربع صفات على الأقل للهدف كما اقترحها كل من كوهين وفيلسون:

1- القيمة (Value).

2- القصور الذاتي (Inertia).

3- الرؤية (Visibility).

4- الوصول (Access)

أو (VIVA)، فعند تساوي كل شيء آخر فإنّ هؤلاء الأشخاص أو المنتجات التي يتم استهدافها بشكل متكرر سيكون لديهم الصفات التالية: القيمة التي يدركها الجاني سواء كانت مادية أو رمزية، والحجم والوزن اللذين يجعلان العلاج غير القانوني ممكنًا، ومرئية جسديا للمجرمين المحتملين ويمكن للجناة الوصول إليها، كما جادل كوهين وفيلسون بأنّ هناك اتجاهين اجتماعيين إضافيين -زيادة مبيعات السلع الاستهلاكية وتصميم المنتجات المعمرة الصغيرة- كانا يؤثران على الجريمة عن طريق توفير أهداف مناسبة.

أدت هذه الاتجاهات في المجتمع إلى زيادة توفير الأهداف المناسبة المتاحة وبالتالي زيادة احتمال ارتكاب الجريمة، ومع استمرار ارتفاع المعروض من السلع المعمرة الصغيرة ارتفع أيضًا مستوى الأهداف المناسبة مما أدى إلى زيادة عدد الفرص الإجرامية المتاحة.

نظرية الأنشطة الروتينية ومنع الجريمة

منذ نشأتها تم تطوير نظرية الأنشطة الروتينية لمواصلة تحديد العناصر الضرورية لحدث إجرامي وتلك التي لديها القدرة على منعه، وتم تقسيم الأشخاص الذين يمنعون الجريمة وفقًا لمن أو ما يشرفون عليه -الجاني أو الهدف أو المكان- ويشار إليهم الآن بشكل جماعي باسم المتحكمين، والمتعاملون هم الأشخاص الذين يمارسون سيطرة اجتماعية غير رسمية على الجناة المحتملين لمنعهم من ارتكاب الجرائم، وتشمل أمثلة المتعاملين الآباء الذين يشرفون على التجمعات الاجتماعية لمراهقهم، وضابط المراقبة الذي يشرف على المراقبين ومسؤول الموارد المدرسية الذي يراقب المتنمرين في المدرسة.

المتعاملون لديهم نوع من الاتصال الشخصي مع الجناة المحتملين، ومصلحتهم الرئيسية هي إبقاء الجاني المحتمل بعيدًا عن المشاكل، ويحمي الأوصياء الأهداف المناسبة من الجناة، والمصلحة الرئيسية للأوصياء هي حماية أهدافهم المحتملة، وأخيرًا يقوم المديرون بالإشراف على أماكن معينة ومراقبتها، والمصلحة الرئيسية للمديرين هي عمل الأماكن، فوصف إيك هذه النسخة على أنّها مثلث جريمة بمثلث داخلي وخارجي.

يمثل المثلث الداخلي العناصر الضرورية لحدوث جريمة: حيث يجب أن يكون الجاني الدافع والهدف المناسب في نفس المكان في نفس الوقت، ويمثل المثلث الخارجي المتحكمين المحتملين -الأوصياء والمعالجين والمديرين- الذين يجب أن يكونوا غائبين أو غير فعالين لحدوث جريمة، ويمكن أن يؤدي وجود وحدة تحكم فعالة إلى منع وقوع الحدث الإجرامي، وتم وصف أدوات التحكم بمزيد من التفصيل فتم الإشارة إلى من هو الأكثر احتمالية للسيطرة على الجريمة بنجاح بصفته وصيًا أو معالجًا أو مديرًا، وتأكيد أنّ ميل الأفراد إلى تثبيط الجريمة -من خلال الإشراف على الأهداف أو الجناة أو الأماكن- يختلف باختلاف درجة المسؤولية، ووصف أربع درجات متفاوتة من المسؤولية:

1- شخصي مثل المالكين والعائلة والأصدقاء.

2- شخص معين مثل الموظفين الذين لديهم مسؤولية معينة.

3- شخص منتشر مثل الموظفين ذوي المسؤولية العامة.

4- شخص عام مثل الغرباء والمواطنين الآخرين.

من المرجح أن يتحكم المتحكمون الذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالجناة المحتملين أو الأهداف أو الأماكن في السيطرة ومنع الجريمة بنجاح، ومع انتقال المسؤولية من شخصية إلى عامة تقل احتمالية منع الجريمة، وتم توسيع خصائص الهدف المناسب وتطبيقها على المنتجات التي يتم استهدافها بشكل متكرر للسرقة.

تركز نظرية الأنشطة الروتينية على مجموعة من العوامل التي تتقاطع في الزمان والمكان لإنتاج الفرص الإجرامية وبالتالي الأحداث الإجرامية، وعلى الرغم من أنّ النظريات الإجرامية القياسية لا تشرح كيفية حدوث الجرائم في بعض الأماكن (ولكن ليس في أماكن أخرى) وفي بعض الأوقات (ولكن ليس في أماكن أخرى) وللبعض الأهداف (ولكن ليس غيرها)، فإنّ نظرية الأنشطة الروتينية لا تفسر سبب ارتكاب بعض الأشخاص الجرائم وغيرها لا، ومن المهم ملاحظة أنّ نظرية الأنشطة الروتينية تشير إلى أنّ الجريمة يمكن أن تزيد وتنخفض دون أي تغيير في عدد المجرمين.


شارك المقالة: