تقنية الجماعة المركزية في البحوث الأنثروبولوجية

اقرأ في هذا المقال


نالت أداة الجماعة المركزية اهتماماً واضحاً. فتناولت كيفية إجرائها، وكافة تقنياتها، وقد استهلت حديثها بتعريف لها ذكرت فيه أنها أداة من أدوات البحث الكيفي، تعد مفيدة غالباً في البحث في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية.

تقنية الجماعة المركزية في البحوث الأنثروبولوجية:

تقنية الجماعة المركزية في البحوث الأنثروبولوجية هي مناقشة يشترك فيها عدد من الإخباريين. ويقود المناقشة موجّه يعمل على تنظيم المناقشة بحرية في الموضوعات الهامة للبحث. ويساعده مسجل تكون مهمته الأولى تسجيل البيانات ويتم اختيار المشاركين في المناقشة من الإخباريين عن ذوي الخبرة والأفكار المثيرة.

هذا وقد يحتاج التأكد من صدق بيانات البحث إلى عقد عدة جلسات. وقد تسمح بعض الثقافات بإجراء مقابلة للجماعة المركزية بطريقة طبيعية. بمعنى أنه على سبيل المثال في الهند وأفريقيا يمكن عقد الجلسة بدون تخطيط مسبق كأن يلتقي الجيران في أحد البيوت بطريقة تلقائية غير مخططة.

وإن تلك الجماعة المركزية الطبيعية قريبة الشبه من المناقشات الحرة، أو المقابلات الجماعية التي يجريها علماء الأنثروبولوجيا. وتفيد تلك الطريقة في تركيز المناقشة في الجلسة على أحد أو بعض الموضوعات، وتدعيم بعض البيانات الخاصة بالعادات والمعتقدات والاتجاهات والرؤى، كما تساعد في تطوير فروض البحث والقيام بدراسات تكميلية أو هامة.

وقد تم تطبيق تلك الطريقة في أبحاث خاصة بمجال الرعاية الصحية، حيث طبقت مع مطوري الصحة الريفية، وبعض العاملين في مجال الصحة، وأمهات وزوجات وصيادلة.

ويقوم المسجل بتسجيل ملاحظات عن المناقشة وقد يستعين في ذلك بالتسجيل الصوتي للمناقشة المفتوحة. فلكل عضو الحق في الحديث أو سؤال المشاركين الآخرين، والاستجابة للتعليقات. ويثار تفاعل الإخباريين بإثارة الموجه لموضوعات مختلفة مرتبطة بالبحث، بحيث يغطي كل الموضوعات الهامة.

وتستمر الجلسة نحو ٩٠ دقيقة، وعادة تكون الجلسة الأولى أطول من الجلسات التالية حيث تتسم البيانات بالحداثة. إلا أن الموجه يستطيع بعد تلك الجلسة التحكم في سرعة المناقشة إذا تبين أن كل الجماعات لها نفس الأفكار. ويتم تحديد عدد الجلسات وفقاً لاحتياجات البحث، ووفقاً لاستمرارية الحصول على بيانات جديدة. ويعد مكان التجمع من الموضوعات الهامة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار فللمكان تأثيره على إحساس الإخباريين بالراحة أثناء الحديث.

الاستعداد للجلسة في البحوث الأنثروبولوجية:

في مرحلة الاستعداد للجلسة في البحوث الأنثروبولوجية يُنصح أن يكون أعضاء الجلسة من نفس الجنس، وينحدرون إلى جماعة عمرية نفسها، وخلفية سوسيواقتصادية، وجماعة عرقية، وحالة اجتماعية ومستوى تعليمي واحد أو متقارب. ومن الأفضل توجيه الدعوة للجلسة قبل عقدها بأسبوع أو عدة أيام. ويجب مراعاة ما يلي أثناء توجيه الدعوة:

1- التكلم مع الإخباري حول موضوع يمثل إثارة بالنسبة له مثلاً الأطفال، السوق، الطقس.

2- يشرح الباحث بشكل بسيط وصادق الهدف العام من زيارته للمجتمع المحلي.

3- على الباحث أن يفسر أن الجلسة مخطط لها، وأن الإخباري سوف يشترك مع بعض الجيران وأفراد المجتمع المحلي، يمكن ذكر بعض أسمائهم إذا كان يعرفهم.

4- يجب تحديد تاريخ، ووقت، ومكان المقابلة، وما سوف تستغرقه من وقت، كما يجب تقديم بعض المشروبات.

5- إذا أظهر الإخباري عدم رغبته، أو عدم استطاعته المشاركة، فعلى الباحث أن يوضح أهمية إسهام الجميع في المناقشة، وإذا ظل الإخباري متمسكاً بموقفه فعلى الباحث أن يقدم له شكره ويعفيه من المناقشة.

6- إذا كان الإخباري مهتماً بالمشاركة في المناقشة، فعلى الباحث إعلامه بموعدها ومكانها بدقة، مع تقديم ملاحظة بأهمية المشاركة والحضور في الموعد المحدد.

ويتضح من التوجيهات حول التجهيز لجلسات الجماعات المركزية حرصها الكبير على مفردات بحثها، على الإخباريين الذين لم تنس لحظة كونهم بشراً. فكان الجانب الإنساني واضحاً في توصياتها بالتعامل معهم بثقة وصدق، وفي تحديد أوقات، وأماكن الجلسة بدقة، وفي احترام رغباتهم في المشاركة أو العكس، وكلها توجيهات هامة خاصة لبعض الباحثين الذين تدفعهم العجلة والرغبة في إنهاء البحث إلى التعامل مع الإخباريين بطريقة غير لائقة.

ملاحظات خاصة بالموجّه في البحوث الأنثروبولوجية:

يستخدم الموجّه في البحوث الأنثروبولوجية كدليل للتعرف على موضوعات الدراسة التي يرغب في التأكد من صدقها، أو استكمالها، ويضع الأسئلة حول تلك الموضوعات بحيث تكون تلك الأسئلة عامة مثال ذلك: ماذا يفعل الناس هنا؟ بدلاً من ماذا تفعل أنت؟ وفيما يلي بعض الملاحظات حول دور “الموجه”:

1- على الموجه تقديم موضوع المناقشة وليس المطلوب منه أن يكون خبيراً في كل موضوع يناقش، وإنما يكفي أن تكون لديه بعض المعلومات عن الموضوع، وأسئلة عنه. وحتى إذا كان الموجه خبيراً فعليه ألا يعطي انطباعات بأنه كذلك. ولي هنا تحفظ بسيط، وهو أن هناك بعض الموضوعات والمواقف التي يمكن للباحث فيها إظهار خبراته، خاصة إذا وجد ميلاً إلى إعطاء بيانات مبالغ فيها. وعلى الباحث أيضاً أن ييسر على الإخباريين المناقشة، ويسايرهم، ولا بأس من قوله لبعض الدعابات أرى لذلك أهمية في كسر حدة المناقشة وإحساس الإخباريين بالجو الطبيعي للمناقشة.

2- على الموجه أن يقود الجماعة، ولا يجعلها تقوده، وأن يكون حريصاً على توجيه الأسئلة بطريقة مناسبة، مع محاولة أو تكون ردود الفعل مناسبة وطبيعية. وعليه التأكيد على أنه لا توجد إجابة خاطئة أو صحيحة كما عليه الحرص على أشكال الاتصال أثناء الجلسة مثل الإيماءات وهز الرأس مع التنبه بألا يكون ذلك معبراً عن الموافقة أو عدم الموافقة مع تعليقات الإخباريين.

كما يجب ألا ينحاز الموجه إلى رأى خاص بأحد الإخباريين لأن لذلك تأثيره السييء على الباقين. فعلى الموجه أن يبتعد عن التعصب الشخصي، أو إطلاق الأحكام، أو التركيز في الأسئلة على من تتفق آراؤه مع الموجه.

3- على الموجه ملاحظة الإخباريين، وأن يكون حريصاً على اندماجهم، فيشجع الجميع على الاشتراك، ولا يجعل أحدهم أو بعضهم يستأثر بالجلسة.

4- على الموجه أن يستمع بعناية للإخباريين ويوجه المناقشة لتسير منطقياً من موضوع إلى آخر، كما عليه أن يكون حريصاً على ربط تعليقات الإخباريين، والانتقال من سؤال إلى جواب، ومن إخباري لآخر بسلاسة حتى ينسوا وجوده بينهم.

5- على الموجه أن يخلق علاقة ألفة مع الإخباريين ويعمل على كسب ثقتهم، وتفهم استجاباتهم وتعليقاتهم بعمق.

6- على الموجه أن يكون شديد التركيز وأن يهتم بالإخلاص بالاستماع للمناقشات حتى يستطيع ليس فقط من استيعاب ما يقوله الإخباريين، بل ما يريدونه كذلك.

7- على الموجه أن يكون مرناً، ومرحباً بالتفسيرات، ومجدداً، وغير مثير للمضايقات وأن يكون أقل الجميع مشاركة.

8- على الموجه أن يراعي الوقت الذي استغرقه كل سؤال، والذي استغرقته المقابلة بشكل عام، دون أن يظهر مراقبته للوقت، ودون أن يشعر المشاركون بالعجلة وضيق الوقت.

9- على الموجه أن يضبط إيقاع المقابلة، فإذا كانت القضايا والأفكار المثارة مكررة، فعليه إدارة المناقشة بسرعة، بينما يبطئ من سرعة النقاش إذا كانت هناك قضايا جديدة وهامة.

10- على الموجه ملاحظة الاتصالات بدون كلام بين الإخباريين واستجاباتهم لبعضهم البعض هل هي استجابات تعبر عن قلق، أو رفض أو ملل.

11- وأخيراً على الموجه أن يكون حريصاً على نغمة صوته، فهي تعكس الحدة أو الغضب أو التشجيع وكلها تؤثر على استجابات الإخباريين.


شارك المقالة: