تنشئة اجتماعية متعددة ومتاعب فردية في علم الاجتماع:
بسبب أن الفاعل يمكن أن يكون حاملاً لاستعدادات مختلفة، فإن سلوكياته ليست متوقعة بالكامل أبداً، ومن المستحيل استباق ظهور سلوك اجتماعي مثلما نتنبأ بسقوط جسم على أساس قانون الجاذبية الكوني، فهذه الحالة هي نتاج اقتران عنصرين، من جهة هناك استحالة في اختزال سياق اجتماعي إلى سلسلة محددة من البارامترات المتلائمة فيما بينها، كما في حالة التجارب الفيزيائية أو الكيميائية، ومن جهة أخرى هناك الكثرة المستنبطة في الفاعلين.
من المستحيل التنبؤ بشكل يقيني عن طريق أي مخطط من المخططات العديدة الممتزجة في الفاعل، سينطق عن طريق سياق معين، وبالتالي إنّ التعدد في مكوناتنا الاجتماعية والتعدد في محدّداتنا أكثر بكثير من أن نستطيع الوعي بكل هذه المحددات.
كل واحد فينا حامل لتعدد في السجايا التي لا تجد دوماً الفرصة ﻷنّ تظهر، ولهذا السبب لدينا أحياناً انطباع بأنّنا نعيش افتراقاً شخصياً عن العالم الاجتماعي، إن مشاعر الوحدة والتشويش والإحباط، كلها نتائج لهذا التباعد الذي لا مفر منه بين ما يسمح لنا المجتمع في فترة معينة أن نعبر عنه، وبين ما وضعه فينا في سياق التنشئة الاجتماعية، وكما لاحظ جيداً نوربيرت الياس يطور الطفل في نفسه العديد من القابليات سوف لن تسمح له وظائفه كبالغ باستخدامها ضمن هذه البنية، والعديد من الميول التي على البالغ أن يكتبها، وبسبب أننا حملة لقدرات ولمعارف ولمهارات، عليها أحياناً أن تعيش لفترة طويلة في حالة سهاد، يمكن إذن أن نشعر بالضيق “أنانا الخالصة” (الشخصية وبالتالي مفكر بها كالاجتماعية)، لن تجد مكانها في الإطار الضاغط للمجتمع.
هذا الوضع يعزز الوهم بوجود طويلة داخلية، أو أنا حميمة أصيلة مستقلة عن أي إطار اجتماعي، وبالتالي ﻷنّ العالم الاجتماعي متمايز، ولأنّنا حملة لاستعدادات ولقدرات تتصف بالكثرة، فإنّنا نستطيع أن نعيش هذه الهموم الصغيرة أو الكبيرة التي تنتهي أحياناً بأن تقيد وجودنا، بعض هذه المتاعب يولد من كثرة التوظيفات الاجتماعية القادرة على أن تصبح في نهاية المطاف غير متوافقة، وهكذا فإنّ التوفيق بين الحياة الخاصة والحياة المهنية قد يفتح الباب أمام تمزقات عميقة.
وفي حالات أخرى، يكون العجز عن تكييف قسم من الاستعدادات المندمجة في سياق المسار الفردي هو الذي يكمن وراء الاضطرابات، فالأشخاص الذين ينتقلون فجأة بمناسبة ارتقاء اجتماعي، من دنيا العمال إلى دنيا البرجوازية، يكونون في الغالب عرضة لصراع داخلي رئيسي، ينظم ويضايق كل لحظة من حياتهم.
وبمتابعة تحليل العادات الأكثر فرادة للاجتماعي، فإنّ السوسيولوجيا على صعيد الفرد أو السوسيولوجيا السيكولوجية، تندرج في الموروث الضخم، الذي يهدف من إميل دور كايم وحتى نوربيرت إلياس مروراً بموريس آلبواش، إلى الربط الدقيق بشكل متزايد بين الحالة النفسية الفريدة وأطر الحياة الاجتماعية، وبمقدار ما كانت السوسيولوجيا تكتفي باستحضار الفاعل الفرد بصدد حقل مفرد من الممارسات، فقد كانت قادرة على التقليل من دراسة أشكال المنطق الاجتماعي ذات الطابع الفردي.