إنَّ أساس الانتساب للأب، والانتساب للأم لا يجتمعان، إذ أنَّ وجود أحدهما يعني عدم وجود الآخر، وهو ما يرفضه وجود بعض المجتمعات، التي يُعترَف فيها بجماعات الانتساب للأب والانتساب للأم على السواء.
بل إنَّنا نجد في بعض الحالات المتطرفة جماعات تحمل سمات مشتركة من النظاميين تتضمن في العادة ملكية الثروة أيضاً. وهناك كما رأينا فى المجتمعات ذات نظام الانتساب الوحيد الخط بعض العلاقات الرسمية مع الأقارب الذين ينتمون إلى خط انتساب مختلف.
وهناك كذلك مجتمعات درجات وسطى من شكلية هذه العلاقات. ويَقصُّر بعض الكتاب استخدام مصطلح (نظام الانتساب المزدوج) على المجتمعات التي بلغ فيها ذلك النظام قدراً كبير من التطور والنمو.
في حين يسمح البعض بإدراج كثير من النماذج الوسيطة تحت هذا المصطلح. وهناك شواهد على وجود الانتساب المزدوج في أماكن متفرقة من العالم، وإن كانت غالبية الحالات التي وصل فيها هذا النظام إلى الاكتمال موجودة فى قارة أفريقيا.
قبائل الأفيكبو:
وهو أحد الشعوب الناطقة بلغة الإيبو في شرق نيجيريا. ويعيش الأفيكبو في مجموعة منظمة من القرى المتجاورة، التي يربط بينها مكان اجتماعات مشترك وأسواق عامة، ونشاطات دينية مشتركة، وحكومة محددة تحديد دقيق.
والأفيكبو شعب زارعي أساساً، تبلغ الكثافة السكانية عنده حوالي ٥٠٠ نسمة في الميل المربع. يكثر لديهم زراعة نوع من البطاطس حلو المذاق هو المحصول الغذائي الرئيسي عندهم. كما أنَّه يُمثّل عنصراً جوهرياً في جميع الطقوس، ويقوم بزارعته الرجال.
وهناك محصولات أخرى بعضها محصولات تجارية ومنها بعض المحصولات المستحدثة تقوم النساء بزراعتها، مثل محصول الذرة. ويشتغل كثير من أبناء الأفيكبو بالتجارة بعض الوقت، على حين يتفرغ عدد قليل فقط لهذه المهنة تفرغ كامل.
وهناك بعض الصور التنظيمية الحكومية على مستوى القرية، ومستوى مجموعة القرى، وعلى مستوى الإقليم مثل جماعات مراتب العمر والجماعات السرية.
كما أنَّ هناك علاوة على ذلك جماعات الانتساب الأبوي والأموي. وكِلا النمطين من جماعات الانتساب محدد تحديد دقيق له أنماط الزعامة والسُّلطة الخاصة به المستقرة وتقوم بمختلف أنواع النشاط الطقوسية والاجتماعية، والإشراف على الثروة.
وينتمي كل شخص من الأفيكبو إلى بدنة أبوية فرعية، وهي تُمثّل بدورها جزء من بدنة أبوية رئيسية. يتتبع أفرادها أصلهم إلى جدّ ذكر مؤسس البدنة منذ فترة تتراوح في العادة بين ثلاثة وسبعة أجيال.
أما البدنة الفرعية الأبوية فيرجع أصلها إمَّا إلى أخ أصغر للأب المؤسس، أو إلى أحد أبنائه. ويعيش الذكور من أعضاء البدنة الأبوية والإناث غير المتزوجات عادة في مجموعة من المنازل المتجاورة المُحاطة بسور أو جدار منيع داخل قرية تتكون من عدد من مثل هذه الأحياء التى تسكنها بدنات أبوية أخرى.
ويهتم كبار السِّن بمهمة اتخاذ القرارات والزعامة في البدنة الأبوية الرئيسية. أمَّا بالنّسبة للكاهن الذي يعمل على خدمة الأضرحة التابعة للأسلاف فيختاره كبار السن من بينهم.
وكما هو الحال في البدنات الأبوية توكل شؤون الحكم على مستوى العشيرة الأمومية إلى كبار السن وكهنة الضريح الرئيسي. إذ يُعَدّ هذا الضريح الرمز السياسي للعشيرة الأمومية، وإن كان موضعه يتغير من حين لآخر، لأنَّه يوجد دائماً في حي الكاهن.
ويقوم كبار السن فى العشيرة بتسوية المنازعات بين أفراد العشيرة أو ينوبون عن أبناء العشيرة الداخلين في منازعات مع أبناء عشائر أخرى.
وعلى الرّغم من أنَّ حوالي ٨٥ %من الثروة الزراعية للأفيكبو مملوكة نظرياً للعشائر الأمومية. فإنَّه يستأثر بحيازة وإدارة الجانب الأكبر من هذه الأرض بدنات أمومية تضم أناساً يرجع أصولهم إلى سلف أنثوي مشترك.
ويتولى أكبر الأعضاء الذكور فى كل بدنة أمومية نوع من الزعامة، وإن كانت مهمته الأولى هي توزيع حقوق الانتفاع بأرض البدنة على مختلف أفرادها، وكذلك على بعض الأشخاص الذيـن يدعون لأنفسهم الحق في ذلك، مثل أزواج عضوات البدنة الأمومية، أو أبنائهن، أو أصدقائهن، أو بعض الأشخاص البارزين.
ولا يدور صراع كبير بين جماعات الانتساب للأم وجماعات الانتساب للأب عند الأفيكبو. بل إنَّنا نجد كليهما يُتمّم الآخر، أو يُستعاض عنهما ببعض المنظمات الأخرى. مثل الجمعية السرية، وجماعات العمر، وتنظيم القرية. ويهتم كِلا النوعين من الجماعات برفاهية الأسر النووية ويحرص على إنجاب الأطفال.
يمكن أن تقوم روابط هامة مع كِلا التنظيمين العشائريين من خلال الميلاد أو الزواج. وتضع كل من جماعات الانتساب الأبوي والأمومي عند الأفيكبو قيوداً على تصرفات أعضائها فيما يتعلق بالسلوك الجنسي، والزواج، والمسؤوليات الطقوسية، والتصرف فى الثروة.