ألقاب الوزراء في عهد الأمراء البويهيين

اقرأ في هذا المقال


ألقاب الوزراء في العهد العباسي:

أخذ الخلفاء العباسيين منذ قيام دولتهم يمنحون الألقاب لكبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الوزراء، وذلك تمييزاً عن تقديرهم لهم، ورفعاً لمنزلتهم أمام الناس. يقول البيروني في هذا الصدد: (وكذلك وزراء الخلافة، قد لقبوا بالأذواء، كذي اليمنيين، وذي الرئاستين، وذي الكفايتين، وذي السيفين، وذي القلمين وأمثال ذلك). أما في العهد البويهي فتميزت ألقاب التشريف بطابع جديد، حيث عُرفت الألقاب المضافة إلى (الدين) و (الدولة) و (الملة) وما شابه ذلك.

من أهم ألقاب الوزراء في عهد الأمراء البويهيين:

كان أول وزير عباسي يتخذ لقباً هو أبوسلمة الخلال، تلقب بـ (وزيرآل محمد). كما لقب الخليفة المأمون وزيره الفضل بن سهل (ذا الرياستين)، ولقب الحسن بن سهل حين استوزره (ذا الكفايتين)، وتلقب صاعد بن مُخلد في أيام المعتمد على الله بـ (ذي الوزارتين)، إشارة إلى توليه وزارة المعتمد ووزارة أخيه الموفق في آن واحد.

كما تلقب اسماعيل بن بلبل، وزير الخليفة المعتضد بالله بـ (الناصر لدين الله)، وسار الخليفة المكتفي بالله على نهج أسلافه، فلقب وزيره القاسم بن عبيد الله (ولي الدولة)، وكان هذا أول لقب يضاف إلى الدولة. ولقب الخليفة المقتدر بالله وزيره الحسين بن القاسم بن عبيد الله (عميد الدولة).

سار أمراء بنو بويه على نهج الخلفاء العباسيين في منح الألقاب لوزرائهم، لكنهم غالوا في ذلك حتى أصبح الوزير البويهي يحمل في بعض الأحيان ثلاثة أو أربعة ألقاب في آن واحد. ويتحدث الصابىء عن هذا الافراط في بذل الألقاب فيقول: (فأما الألقاب فقد خرجت عمّا يُحاط به ويوصف أو يأتي عليه حصر). (وتشبه بهم (أي بالخلفاء العباسيين)، آل بويه لِمَا كانت الدولة منتقلة إليهم وبالغوا فيه، وأستغرقهم الكذب فسموا وزراءهم بكافي الكفاه، والكافي الأوحد، وأوحد الكفاة.

وكان من الطبيعي أن يكون هناك مُبررات لمنح الوزراء الألقاب، منها مُكافأة الوزراء على ما كانوا يقدمونه للدولة من خدمات، لأرضائهم من ناحية ثم لإعلاء شأنهم أمام الناس وكبار موظفي الدولة من ناحية أخرى. ففي سنة (364 هجري)، لُقِبَ الوزير أبو الفتح بن العميد، وزير الأمير ركن الدولة بـ (ذي الكفايتين)، كفاية السيف وكفاية القلم، لِمَا بذله من جهد كبير في سبيل أرجاع إمارة العراق إلى الأمير عز الدولة بختيار، بعد أن انتزعها منه ابن عمه الأمير عضد الدولة.

كما لُقِبَ أيضاً في هذا العام محمد بن بقية، وزير الأمير عز الدولة بختيار بلقب (نصير الدولة). ومن المحتمل أن هذا اللقب كان مُكافأة له على جهوده في نزاع الأمير عز الدولة مع ابن عمه عضد الدولة حول إمارة العراق حيث نجح ابن بقية في استمالة حُكام البصرة والأهواز والبطيحة إلى صفوف الأمير عز الدولة، ما ساعد على عودة عضد الدولة إلى فارس، واستعادة بختيار للإمارة.

كذلك لُقِبَ الأميرمؤيد الدولة وزيره الصاحب اسماعيل بن عباد بلقب (كافي الكفاة)، لكفايته كما ورد في بعض الروايات، أو لِمَا أحرزه من نصر حربي في توسيع نفوذ آل بويه، حتى أنه كما يُقال فتح خمسين قلعة وضمها إلى حوزة البويهيين.

تجلت ظاهرة تعدد ألقاب الوزراء البويهيين مُنذ بداية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وهي فترة النزاع المستمر بين أمراء آل بويه على السلطة، ذلك النزاع الذي أصبح سِمة بارزة للأربعين سنة الأخيرة من العهد البويهي، حيث أخذ الأمراء يغدقون الألقاب على وزرائهم كسباً لودهم وضماناً لعدم انضمامهم إلى خصومهم مما يزيد في اضعاف مراكزهم.

يقول الصابي في هذا الصدد: (فأما عصرنا هذا فقد اختلفت الرسوم، وانقلبت الأعيان فيه وقلت المراعاة لما كانت موكولة به، وصارت ملوكه المدبرون للأمر يُخاطبون وزراءهم بمولاى الأجل وزير الوزراء أدام الله علوه). ويضيف الصابىء في موضع آخر: (لا جرم أن الرُتب قد نزليت لِمَا تساوت وسقطت لما توازات، ولم يبق لها طلاوة يشار إليها، ولا حلاوة يحافظ عليها، حتى لقد بلغني عن مولانا الخليفة القائم بأمر الله أطال الله بقاءه أنه قال: لم تبق رتبة لمستحق).

الوزراء الذين تميزوا بعدة ألقاب:

ومن الوزراء الذين تميزوا بعدة ألقاب أبوغالب الحسن بن منصور وزير الأمير البويهي مُشرف الدولة، وكان يحمل ثلاثة ألقاب هي: (ذو السعادتين وزير الوزراء، نجاح الملوك ). كما تلقب أبو سعد عبد الواحد بن أحمد بن ماكولا وزير الأمير جلال الدولة بأربعة ألقاب، هي: (علم الدين، سعد الدولة أمين الملة، شرف الملك). أما الوزير محمد باشاذ، وزير الأمير أبي كاليجار فقد منحه الأمير البويهي خمسة ألقاب هي: (معز الدين، فلك الدولة، سيد الأمة، وزير الوزراء، عماد الملك ).

ويبدو أن الوزراء في العهد البويهي كانوا يُخاطبون في المراسلات الموجهة إليهم باسم (مولانا)، وذلك بالإضافة إلى ما كانوا يحملونه من ألقاب. ويذكر الصابىء أن الخليفة القادر بالله منع مخاطبة الوزراء بـ (مولانا)، بعد وفاة الوزير أبي غالب فخر الملك في سنة (407 هجري)، فلما قدم الوزير أبو محمد الحسن بن سهلان إلى بغداد خاطبه كاتب الخليفة بـ (سيدنا)، فاستاء الوزير أبو محمد من ذلك، وأعتبر هذا اقلالاً من شأنه، وألح في أن يُخاطب بما كان يُخاطب به سلفه الوزير فخر الملك.

وبعد مُدة كتب إليه كاتب الخليفة بـ (الحضرة العالية الوزيريه)، فأستنكر ذلك أيضاً، وقال: (هذا فرار من (مولانا)، ولا أقنع به). ومن المحتمل أن يكون لقب (الصاحب)، أطلق أيضاً على الوزراء البويهيين الذين تولوا مهام الوزارة بعد وفاة الوزير الصاحب اسماعيل بن عباد. ويذكر بعض المؤرخين في حديثهم عن الصاحب بن عباد أنه أول من لقب بـ (الصاحب)، من الوزراء، وبقي هذا اللقب علماً عليه، ثم سمي به كل من ولي الوزارة بعده.

لُقِبَ الصاحب بن عباد بهذا اللقب لمُصاحبته الوزير أبي الفضل بن العميد، وقيل أيضاً أنه لُقِبَ بالصاحب لأنه كان يصحب الأمير البويهي مؤيد الدولة بن ركن الدولة، فلمّا آلت الإمارة إلى مؤيد الدولة استوزره، وسماه (الصاحب).


شارك المقالة: