الديانة المصرية القديمة في عصور ما قبل التاريخ

اقرأ في هذا المقال


الدين المصري القديم:

الدين المصري القديم هو الدين الذي استمر المصريين بالإيمان به لمدة تزيد عن 3000 سنة، وقد مرّ بتطورات وتغيرات كبيرة وبقي التسامح والتعددية ثابتة لم تتغير نعني أنه على الرغم من أن كل مدينة مصرية كانَ لها إله خاص بها إلا أنه لم يكن هناك حروب دينية أو تعصب أو من أتباع إله ضد إله أخر. هذه الروح المتسامحة هي الصفةُ المميزة للأديان التعددية على العكس من الأديان التوحيدية الأخرى، بمرور الوقت كانت الآلهة هذه تكتسب أتباع جديد أو تنحسر عبادتها أو تموت تماماً أو حتى تتوحد في صفاتها مع الإلهة أُخرى ويصبحوا إله واحد.

وديانة أي شعب تتأثر بطبيعة البلاد التي يسكنها والحياة التي يعيشها فالإنسان الذي يسكن شواطئ البحار تختلف بيئته كل الاختلاف عن ذلك الذي يسكن الغابة أو السهل وليس من شك في أن الشعب الذي يعيش في بيئة مستقرة ذات حقول خصبة يفكر في آلهة تختلف عن تلك التي يتخيلها شعب فقير لا يعرف الاستقرار ويتنقل من مكان إلى آخر. ومن هنا اتخذت الديانة المصرية طابعاً خاصاً من الحياة المستقرة والعمل المستمر.

حيث اعتاد أن يزرع حبوبه ويربي قطعان ماشيتهم وبجانب ذلك احتوت مصر ظاهرة استدعت انتباه سكانها وهي ظاهرة الشمس التي تشرق فجأة من وراء جبال الصحراء كذلك لاحظ المصري النجوم التي تملأ الفضاء أثناء الليل ومن بينها القمر الذي يقل يوماً بعد يوم ثم يختفي ثم يعود إلى الظهور ويزداد حجماً حتى يكتمل. ولم يكن من السهل أن تثير هذه الأشياء اهتمام المصري في ذلك الوقت، فاعتقد أن هذه الكائنات ليست آلهة كبرى بل هي أكبر الآلهة التي تسيطر على العالم.

العقائد الدينية في عصور ما قبل التاريخ:

العصر النيوليثي:

إنّ الوثائق التي ترشدنا إلى الأدلة المتعلقة بالعقائد الدينية في العصر النيوليثي في مصر تأتي أصولها من المقابر التي كانت تستخدمها الجماعات البشرية التي عاشت الحضارات الثلاث، فالأولى التي تحتوي على الطعام والشراب إضافة إلى الأدوات والأسلحة والحلّى البدائية التي كانت توجد مع الموتى في مقابرهم كلها تعطي دليلا واضحاً على الاعتقاد بضرورتها للموتى.

ذلك يدل أن هناك اعتقاداً سيطر على  هذه الثقافات باستمرار الحياة بعد الموت، وأن إنسان هذه الأطوار تصور أن له حياة مثل حياته الأولى على الأرض وإن لم تكن هناك بعد أيّ مجهودات للحفاظ على أجساد الموتى  وترکت هذه الوظيفة تلقائياً للجفاف الطبيعي الذي توفره رمال الصحراء والمناخ المصري.

حضارة البداري:

كانت أجساد الموتى تلف أو توضع في الجلود الحيوانية والتي كانت على الأغلب بمثابة ملابس للصيادين في تلك الفترة، وبناءً على ذلك فإن هذه الملابس نفسها كانت تعتبر أيضاً ضرورية للمقبورين والحفاظ على هذه الأجساد من الحيوانات المفترسة، كانت توضع في المقبرة تحت الحصيرة أو الأواني الضخمة وفي صناديق من خشب أو توابيت فكانت المقابر بالقرب من  القرية.

لكن بعد ذلك دُفِنَ الموتى في جماعات وفي مدافن منعزلة وبعيدة بشكل ملحوظ عنها، ذلك يعطينا شعورا ًبأن الحياة الأخرى للموتى ليعد لها الرابط الوثيق عما كانت عليه سابقاً مع عالم الأحياء في مرمدة بني سلامة ولم يكن الموتى يوسّدون في مدفن عام في حضارة مرمدة بني سلامة ولكن ضمن حدود القرية البدائية و تحت أرضيات مساكنهم بالفعل بالقرب من أماكن إشعالِ النّار، باعتقادهم أن ذلك يبث الدفء في أجسام  الموتى، بل ربما كان ينظر إليهم على أنهم يكونون جزءاً من الجماعة و يشاركها حياتها.

 العصر النيولتي:

كانت العادات السائدة في تلك الفترة دفن الموتى بوضعية القرفصاء وقد كانت سائدة آنذاك شمال أفريقيا وكل أوروبا وغرب آسيا، فالجسد كان ينوى والعمود الفقري منحني والساقان مثنيتان إلى الدرجة التي يلامس فيها الفخذان أحياناً الجسم نفسه، بينما توضع اليدين أمام الوجه.

وقد أُقترح عدة تفسيرات لتسليط الضوء على هذه الظاهرة منها: التّوفير في الحيّز المأخوذ والجهد المبذول في إعداد المقابر، خاصة وأن الأدوات المستخدمة في الحفر تتصف ببدائيتها وصغرها، لكن ذلك لم يكن بالدرجة الأولى من الأهمية، بقدر الحرص عليها لجعل الأجساد في أقرب الأوضاع الطبيعية إلى النوم، فإذا صح ذلك التفسير الأخير فإن ذلك يقودنا إلى اعتقاد بأن القدامی يَرون الموت نوعاً من النوم العميق والراحة التي كان الإنسان البدائي يسعى إليها دوماً.

المعبودات الرئيسية في المرحلة المبكرة:

من الأهمية البالغة تقديم توضيح عن المعبودات الرئيسية التي صدرت من المرحلة الفتيشية المبكرة ومنها:

معبودات على هيئة حيوانات وطيور:

على الرغم من أن الحيوانات البرية كانت هدفاً للصيد فقد كان الإنسان البدائي بنظر إليها نظرة هيبة ورهبة وإجلال بسبب قوتها، فعلى مر العصور ما قبل التاريخ المتأخرة نجد صوراً للأسود والثيران الوحشية ترمز للسلطة المسيطرة، وهي ترمز أيضاً للملك نعرمر في صلايته الشهيرة وهو يطأ أعداءه تحت قدميه الذين أوقع بهم  الهزيمة.

وظهرت اللبؤة وليس الأسد باعتبارها معبودة فعلية لها عدة أسماء تختلف باختلاف الأماكن التي تقدس بها في البلاد. فهي(ماتیت) في الإقليم الثاني عشر من مصر العُليا، كما تظهر لأول مرة في مقابر الدولة  القديمة (بدير الجبراوی)، وهي (محيت ) في (ثنی) بالولاية الثامنة، التي يمكن أن تلاحظ آثار عبادتها في الأسرة الأولى وهي أيضاً (بخت) في موقع (اسطبل عنتر) بالإقليم الثامن، أيضاً بالصعيد وإن لم نشهد عباداتها تحت الاسم الأخير إلا منذ الدولة الوسطى.

أما عقيدة الثور الوحشي فمن المحتمل إيجادها حصراً في  العصور المبكرة من خلال ساريات الأعلام لعدة أقاليم في مصر السفلى، كذلك فرس البحر الذي عُرفت عبادته فقط منذ عصر متأخر نسبياً، هو عصر الدولة الحديثة بينما قُدّس التمساح بعدة أماكن في البلاد، من هذه البلاد (الجبلين ودندرة وسايس)، وفي فترات لاحقة في موقع (الفيوم) وقد كان اسم المعبود التمساح (سوبك)والذي غيره اليونانيون في لغتهم إلى(سوخوس).

العقائد النباتية:

لقد كانت العقائد النباتية حتى بواكير العصور المعروفة لنا نادرة، على الرغم من وجود الكثير من الأدلة عليها. فقد كانت هناك مقاطعتين بمصر العليا تحمل ساريات أعلامها رمزاً في شكل أشجار من الصعب علينا تمييز أنواعها.

إن كان من المحتمل أن تكون إحداها هي الشجرة المسماة الدّفلا وهي من أنواع الأشجار دائمة الخضرة. فقد اعتبرت بعض من الأشجار تحديداً الضخمة منها قاعدة أو مثوى لبعض المعبودات، فهناك شجرة جميز على مقربة من مدينة منف، كان يعتقد أنها مستقر لالة أنثى طيبة حيث تنفع الناس ببركتها.

وقد وجدت مثل هذه المعبودات المرتبطة بمثل هذه الأشجار مع الآلهة التي تسمى حتحور منذ الدولة القديمة التي سميت (سيدة الجميزة). حيث كان من المعتقد أن أرواح الموتى القادمة من المدافن المجاورة على شكلِ طيور تجدُ في ظل الجميزة الوارف حاجتها من المأكل والمشرب، تقدمها لها الالة الخيرة التي تقطن هذه الشجرة والحق أن هناك نباتات كانت قد ارتبطت باسم إله أو آلهة معينة وقدست بناءً على هذا الأساس.

عقائد مرتبطة بأشكال مادية غير حية:

تعد العقائد التي ترتبط  بأشكال مادية غير حية هي ظاهرة (فتشية) قديمة جداً في تاريخ الديانة ومن ضمنها  المصرية، حالها في ذلك من حال العقائد الحيوانية والنباتية، فقد ارتبطت هذه الأشياء المادية بالمعابد أو بالملك الحاكم، حيث أنها غير معروفة لنا بطبيعتها الأصلية البعيدة.

ويبدو أن قدامى المصريين لم يعرفوا أُصولها حتى في عصورها المبكرة. ففي مدينة (هليوبوليس) وهو اسمها اليوناني حيث كان عمود أو نُصُب مقدس يسمى يون أُخذ منه الاسم المصرى لها  إيونو  والذي عرف باسم  (أون) في التوراة بعد ذلك وكان في هذه المدينة أيضاً حجر مقدس هو ال بنبن وكان يأخذ هيئة مسَلّة، فقد يكون لهذا السبب اتخذت المسلات رمزاً ومستقراً للشمس المشرقة.

كما عرف أيضاً عموداً او نصباً آخر هو (الجد) يأخذ هيئة حزمه مضمومة من سيقان نبات مجهولة غير معروفة كانت تقدم له القرابين وتقوم على خدمتهِ المقدسة كهنة مختصون به وهو مرتبط على نحو ما بالإله (أوزيريس) منذ وقت مبكر.

على الرغم من أن العمود (جد) لم يكن مرتبطاً بأي عقيدة إله، كما  كان هناك عمود آخر خشبي له تاج على هيئة زهرة البردى تعلوه – بدوره – ريشتان وهو الرمز المادي المقدس للمعبود أوخ إله مدينة القوصية، من المحتمل أنه لم يكن في الأصل سوى نُصب ارتبط  على نحو ما مع العقيدة المحلية للإله حتحور هناك.


شارك المقالة: