خاتمة الدولة العباسية

اقرأ في هذا المقال


نبذة عن أبو العباس السفاح:

يُعتبر اعتلاء أبو العباس السفاح سدَّة الخلافة، إيذاناً ببداية مرحلة سياسية جديدة من مراحل التاريخ الإسلامي، تقلّد فيها العباسيون الحكم ومارسوا السياسة. وبقي نظام الحكم كما عرفه الأمويون ومارسوه، نظاماً ملكياً وراثياً، صاحبه كثير من مظاهر الترف التي حفلت بها قصور العباسيين.

إلا أن هذا النظام اتخذ مُنحى جديداً في مساره الحركي من ناحية العلاقة بين فئات المجتمع الإسلامي، وذلك بفعل اعتماده القوي على العناصر الإسلامية غير العربية التي اندمجت في هذا المجتمع، بالرغم من احتفاظ العرب بمنصب الخلافة وبالكثير من المناصب القيادية.

نبذة عن العصر العباسي الأول:

نتيجة لذلك اتسم العصر العباسي الأول بالطابع الفارسي مع احتفاظه بالسمة العربية، مما أدى إلى تمازج سياسي وحضاري نتج عن الأول تغلغل النفوذ الفارسي في إدارات الدولة، في حين نتج عن الثاني نشوء ثقافة جديدة قائمة على الثقافة الفارسية كإطار عام ضمن حيثيات عربية.

وكان أبو جعفر المنصور رجل العصر المطلوب لملء المركز القيادي. ويعتبر بحق مؤسس دولة الخلافة العباسية، حيث قضى على المعارضين والخارجين على حُكمه من داخل الأسرة العباسية ومن خخارجها. وحافظ فى الوقت نفسه على حدودها مع الخارج.

ورغم العراقيل التي تعرض لها العباسيون، فإنهم تمكنوا من إرساء دعائم نظام مُتجدّد أملته الظروف السياسية والاجتماعية المُستجّدة ومكانة الدولة الإسلامية، ذلك أن العقلية الإسلامية لم تقف جامدة أمام التطورات الحضارية التي شهدها العالم الإسلامي،

وإنما تفاعلت معها وأنتجت نظاماً يتلاءم مع المبادىء الإسلامية العُليا ولا يخرج عن الإطار العام كما رسمه القرآن الكريم وحدّدته السنة، ويوّحد بين مصلحة الإسلام العُليا ومصلحة الأمة من حيث ظروفها الدينية والسياسية الدنيوية واتجاهات العصر. فكان الانفتاح الحضاري على الشرق، بشكل خاص، والغرب، أحد الخطوات الهامة للأخذ بأسباب التطور.

وظلت ولاية العهد إحدى الخطوات الهامة التي خطاها العباسيون من أجل تثبيت أقدام والاحتفاظ بالسلطة، والاستمرارية في ممارسة الحكم، في ظل معارضة الطالبيين بشكل خاص الذين استاؤوا من تسلم آل العباس السلطة واستئثارهم بها وهم الذين ساندوا الثورة العباسية على أمل استلام الحكم، باعتباره حقاً شرعياً في بيت علي.

نبذة عن العصر العباسي الثاني:

ظلت المُعارضة الطالبية ناشطة طيلة العصر العباسي الأول حتى تمكن الطالبيون من إقامة دول انفصالية في المغرب والمشرق خلال العصر العباسي الثاني، نافست أحياناً دولة الخلافة العباسية وشكّلت خطراً على وجودها. وأقام الخوارج دولاً انفصالية في المغرب. كما أسس عبد الرحمن الداخل الأموي دولة انفصالية في الأندلس.

وما إن أشرف العصر العباسي الأول على الانتهاء إلاّ وكان العالم الإسلامي على وشك التفكك سياسياً مع الاحتفاظ برباط الخلافة الروحي باستثناء ما حصل مع العبيدين الذين لم يعترفوا أصلا بالخلافة العباسية. ويبدو أن مردَّ هذه الظاهرة يعود إلى ضعف شخصية الخلفاء، واتساع رقعة الدولة وصعوبة المواصلات بين أجزائها حتى تعذّر على الخلفاء ممارسة رقابة فعلية على ولاتهم في الأقاليم، بالإضافة إلى توثب العناصر الإسلامية غير العربية للانفصال في محاولة لإحياء أمجادها القديمة .

وقد أَثَّرت ظاهرة الانفصال على مركز الخلافة السياسي. فبرز أُمراء الأُمراء الأتراك في بادىء الأمر، وحكام الدول الانفصالية على حساب الخلافة. وتوارى الخليفة في الظل، وفقد نهائياً كل اختصاصاته كمصدر أول للسلطة في الدولة، وتعرض الخلفاء للعزل والمصادرة والقتل في بعض الأحيان.

نبذة عن العصر العباسي الثالث:

استمر ضُعف الخلافة وانحلالها في العصر العباسي الثالث أمام بروز قوة البويهيين. لكن حدث في أواخر العهد البويهي أن استعاد الخليفة العباسي القائم بعض صلاحياته مُنتهزاً الظروف السياسية المتدهورة التي كان يمُّر بها الحكم في هذا الوقت نجح الأتراك السلاجقة في تأسيس دولة لهم في الشرق على أنقاض الغزنويين والبويهيين، وزحفوا نحو العراق، فدخلوه، وقضوا على الدولة البويهية، وحلوا محل البويهيين في حُكّمه.

واستأثروا بجميع السلطات في الدولة واستمر وضع الخلفاء على حاله مُجردين من سلطاتهم حتى في حاضرة الخلافة، إلاّ أنَّ مُعاملتهم لهم كانت أفضل من معاملة بني بويه باعتبارهم من أهل السنة. فكانوا حريصين على بقاء الخلافة العباسية ليسهل لهم القضاء على منافسيهم من أنصار المذهب، والحصول على تأييد العالم الإسلامي السني.

وفي أواخر العهد السلجوقي، ضعف السلاجقة، فاتخذت العلاقة بين الخلفاء العباسيين والسلاطين السلاجقة طابعاً جديداً يختلف كل الاختلاف عن طابع العلاقات في فترة وحدة السلاجقة، فاغتنم الخلفاء هذه الفرصة، وأخذوا يعملون على استعادة ما كان للخلافة من سلطة، وذلك عن طريق التتخلص من النفوذ السلجوقي فدخل الطرفان في صراعات حادة انتهت بدخول الخوارزميين ثم المغول على الخط السياسي.

وقد حقق هؤلاء المغول نجاحات مذهلة. فقضوا على الدولة الخوارزمية، ثم زحفوا نحو
العراق في محاولة للسيطرة على العالم الإسلامي، ودخلوا بغداد، فقتلوا الخليفة المستعصم وأسقطوا دولة الخلافة العباسية في عام (656 هجري)/(1258 ميلادي). وبسقوط دولة الخلافة العباسية خسر العرب السيادة المُطلقة ورجحت كفة العناصر غير العربية خاصة المماليك والأتراك العُثمانيين الذين حملوا راية الخلافة الإسلامية. فحققوا باسم الإسلام أمجاداً مشرقة.

وظلَّت الخلافة في دولة بني عثمان يتوارثونها حتى عام (1924 ميلادي)، حين أنهى كمال
أتاتورك
دور الخلافة. ولا يزال هذا المنصب شاغراً حتى يومنا هذا. وأخيراً تبقى دولة الخلافة العباسية التي عمّرت ما يزيد على خمسة قرون، بالرغم من سلبياتها، صورة مُتألقة في ضمير المسلم، وصفحة مُضيئة في تاريخه المجيد، يعتز بها، ويفخر بمآثرها.


شارك المقالة: