خلفاء منتوحوتب الثاني

اقرأ في هذا المقال


الملك الفرعوني منتوحوتب الثالث:

حكم منتوحوتب الثاني بعد استيلائه على أهناسيا أكثر من أثنين وأربعين عاماً بذل أثناءها كل ما في وسعه من جهد لإصلاح ما تصدع من بنيان مصر، وجعلها بلداً واحداً كما كان الأمر من قبل، فتحقق له الكثير ممّا أراد وخلفه على العرش ابنه منتوحوتب الثالث المُسمّى (سعنخ كارع)، الذي اتبع سياسة أبيه في تعمير البلاد وإنشاء المعابد في الدلتا والصعيد.

وتطورت الفنون في عهده تطوراً كبيراً خصوصاً فن النقش، كما اهتم اهتماماً غير قليل بالمحاجر والمناجم التي نعرف من نقوشها الشيء الكثير، مثل حملاته التي بعثها في العام الثامن من حكمه تحت إمرة مدير بيته المُسمّى (حننو)، وكان معه ثلاثة آلاف شخص. ذهبوا عن طريق وأدى الحمامات إلى شاطىء البحر الأحمر، جمعهم (حننو)، من شباب مصر الوسطى والصعيد (من أهناسيا حتى الجبلين)، وأعد لهم ما يلزم من معدات، وخصص ككل رجل قدراً من الماء وعشرين رغيفاً صغيراً في اليوم.

وحفر لأجل تلك المهمة صهاريجاً للمياه وعشرين بكراً في الطريق، فلما وصلوا إلى الشاطىء صنعوا السفن للنزول بها إلى بلاد بونتن ثم عادوا ومعهم كل ما وجدوه في موانئ تلك البلاد، وعند عودتهم مروا ثانية بوادي الحمامات فأحضر (حننو)، ورجاله معه بعض أحجار الجرانيت لأجل تماثيل المعابد.

وطلب منتوحوتب الثالث أنّ ينشأ قبراً ومعبداً يُماثلان ما أقامه أبوه فاختار لذلك وادياً في الجبل الغربي من طيبة على بعد لا يزيد عن ثمانمائة متر إلى الجنوب الغربي من الدير البحري)،‏ وبدؤوا بتمهيد المكان وإعداد الطريق ثم أخذوا في حفر القبر، ولكن العمل لم يتقدم أكثر من تلك المرحلة. وبالرغم من أنَّ العمل لم يكد يبدأ بداية جدية فقد عثر على بعض آثار هذا الملك في ودائع الأساس التي كانت في حفريات تحت المعبد، كما شيد كثير من رجاله مقابرهم على مقربة من ذلك المكان وأهمها قبره (مكت رع)، الذي كان من أهم رجال حكومته وكان قبل ذلك من كبار الموظفين في عهد أبيه، كما عثر أيضاً على قبر إنيوتف الذي تولى بعض وظائف أبيه (مكت رع)، بعد وفاته.

قامت بعثة متحف المتروبوليتان بالعثور على كثير من مقابر موظفي هاتين الشخصيتين الكبيرتين، كما عثرت في قبره (مكت رع)،‏ نفسه على كثير من الآثار الهامة وبخاصة في حجرة الدفن إذ عثروا إلى جانب التابوت على ما يقرب من ألف ومائتي قطعة مختلفة من نماذج الأسلحة والأدوات المختلفة من فؤوس للقتال وعصي وأقواس وسهام ودروع وغيرها.

ولكنّ الحظوظ كان يحتفظ للباحثين بما هو أهم من ذلك إذ وجدوا في السرداب، في حجرة قطعت في الصخر تحت أرضية المقبرة وسدت سداً محكماً، مجموعة من النماذج الخشبية وعددها ثلاثة وعشرون تُمثل جميع ممتلكات (مكت رع)،‏ وهي وإنّ كانت صغيرة الحجم نسبياً إلّا أنّ صانعيها عنوا بتفاصيلها عناية كبرى فأصبحت مصدراً من أهم مصادر دراستنا للحياة اليومية في ذلك العهد. ففيها الخدم يحملون القرابين،‏ وأهم تلك النماذج معروضة الآن في متحف القاهرة وبعضها في متحف المتروبوليتان في نيويورك.

لم تزد مدّة حكم منتوحوتب الثالث على (12) عاماً، تلاه بعدها على العرش ابنه المسمى سنوسرت وكان يحمل لقب‏ (والد الإله)،‏ ولكنه لم يبق طويلاً على العرش، ثم تلت وفاته فترة عدم استقرار استمرت نحو خمس سنوات حكم خلالها عدة أشخاص ربما كان من بينهم (قا كارع – إنيوتف)،‏ والملك (إيبي خنت إب رع)،‏ وحورس ‎(جرج تاوي إن)، والملك (واج كارع سجر سني)،‏ الذين لم يكن لهم إلّا نفوذ محدود في الجنوب وبخاصة في النوبة.

الملك الفرعوني منتوحوتب الرابع:

بعد هذه السنين الخمس المضطربة نرى على العرش الملك (منتوحوتب الرابع) وهو المسمّى (نب تاوي)، ولا نعرف عنه إلّا أنّه حكم فترة لا تزيد عن عامين كان من خلالها مُهتماً اهتماماً كبيراً بإرسال البعثات إلى المحاجر المختلفة، ‏وبخاصة إلى وادي الحمامات لقطع الأحجار وإلى وادي الهودي جنوب شرقي أسوان للحصول على حجر الجمشت (الأماتيست).

وبالرغم من تلك الفترة القصيرة التي مكث هذا الملك على العرش فقد حدثت خلالها أحداث هامة مثل بعثاته إلى الصحراء واحتفاله بعيد (السد)، في العام الثاني من حكمه أي بعد ثلاثين سنة تماماً من الاحتفال الذي أقامه منتوحوتب الثاني في العام التاسع والثلاثين من حكمه، ممّا يجعلنا نرجح أنَّ الاحتفال بالعيد الثلاثيني في ذلك الوقت بالذات كان يُقام كل ثلاثين سنة دون التقيُد بحكم ملك من الملوك.

وأهم الحوادث التي ترتبط بحكم هذا الملك هو قيام وزيره المسمّى (أمنمحات)، ومعه عشرة آلاف من أقاليم الجنوب والشمال بحملة إلى وادي الحمامات لقطع الأحجار اللازمة لتابوت له ولتشييد معابد الجنوب،‏ وأنّهم أتموا ما ذهبوا من أجله وتركوا عدة نقوش في ذلك الوادي يُسجلون فيها أعمالهم المختلفة.

كانت تلك البعثة إلى وادي الحمامات آخر شيء نعرفه عن الأسرة الحادية عشرة، وعن حكم ذلك البيت الطيبي الذي ظل في الحكم نحو (143) سنة، إذ يتغير المنظر فجأة، ونرى أموراً كثيرة متلاحقة أهمها استيلاء ملك جديد على العرش وتأسيس أسرة حاكمة جديدة، وانتقال العاصمة إلى الشمال. ونرى أنَّ ذلك الشخص الذي قام بذلك الانقلاب، إن كان يجوز استخدام مثل هذا التعبير، يُسمّى (أمنمحات)، فهل هو الوزير الذي ذهب إلى وادي الحمامات؟.

يكاد يكون بالتأكيد أنّه هو الشخص نفسه، ونكاد نجزم أيضاً أنَّ جمع ذلك العدد الكبير من الجنود لم يكن لأجل إحضار أحجار يكفي لإحضارها بضع مئات من الرجال، أو على أكثر ما عرفناه ثلاثة آلاف رجل كما حدث في عهد الملك الذي كان قبله، وهو رقم لم يسمع به من قبل، وربما كان عدد الجنود كبيراً لأجل إعداد الطريق وحفر الآبار من النيل حتى شاطىء البحر ثمّ إنشاء السفن والذهاب إلى بونت وليس لإحضار أحجار من وادي الحمامات فقط. وربما جمع الوزير أمنمحات هذه الآلاف العشرة من الجنود توطئة لعمل آخر وهو الاستيلاء على الملك لنفسه، ووضع حد لعدم الاستقرار الذي أخذ ينتشر في البلاد مُنذ وفاة منتوحوتب الثالث أي مدى سبع سنوات كاملة.


شارك المقالة: