خوارج الجزيرة الفراتية

اقرأ في هذا المقال


حركة صحصح الخارجي (171 هجري):

‏أعلن الصحصح الشيباني الخارجي حركته في الجزيرة، واصطدم بالحامية العباسية التي استطاعت إلحاق الهزيمة به، وقتل بعض أتباعه، انسحب نحو الموصل واستطاع إلحاق الهزيمة بحاميتها العسكرية، أنَّ هذا الانتصار جعله يعود إلى الجزيرة مرة أخرى، ويفرض سيطرته على ديار ربيعه.

إنَّ هذه الهزيمة جعلت الخليفة الرشيد يعزل الوالي أبا هريرة محمد بن فروخ، وكلف القائد عبد الله الضبي بمحاربة الصحصح، وفعلاً استطاع إلحاق الهزيمة به وقتله، وفي رواية أخرى أن الخليفة الرشيد أرسل أولاً أبا حنفية حرب بن قيس وألقى القبض على الوالي أبي هريرة، وأرسله إلى بغداد، ونفذ فيه حكم الإعدام في قصر الخلد ولم توضح الرواية أسباب إعدامه، وربما كان لفشله في فرض الأمن في الجزيرة حيث كانت فيها حركات غير خارجية أيضاً.

حركة الوليد بن طريف الشاري:

‏اختلف المؤرخون في تاريخ ابتداء حركة الوليد ما بين أعوام (177، 178، 179 هجري)، ويشير الطبري إلى أنَّ الوليد حكم بها (الجزيرة)، ففتك بإبراهيم بن حازم بن خزيعة بنصيبين، ثم مضى إلى أرمينية، وكان معه ثلاثون من أتباعه، ويبدو أن انتصاره شجع الخوارج إلى الانضمام إلى حركته فاشتدت شوكته وكثر تبعه، وأخذ الوليد ينتقل بين مدن الجزيرة والسواد وحلوان وبلد، لكنه لا يتركها إلا بعد أن يأخذ فدية منها، وأحياناً يصطدم بالحامية ويهزمها، اهتم بها الخليفة الرشيد لاستفحال أمرها.

فكلف يزيد بن مزيد الشيباني بالقضاء على حركة الوليد، لأنَّه يزيد من العشيرة نفسها، فقام يزيد بتتبع الوليد إلى أن لحق به في هيت على الفرات، واستطاع من قتل الوليد وإرسال رأسه إلى الخليفة، ويمكن أن نلاحظ مدى خطورة حركة الوليد أن الخليفة ذهب إلى مكة معتمراً شاكراً لله تعالى على انتصاره عليه.

حركة جراشة بن شيبان:

اختلف المؤرخون في تاريخ بداية حركة جراشة (أو خراشة)، فخليفة بن خياط يرى أن الحركة بدأت عام (179 هجري)، في حين أن الأزدي يراها في عام (176 هجري)، أما الطبري فإنه يذكرها في حوادث عام (180 هجري)، ولعل رواية خليفة من أوثق الروايات لقدم المؤلف، ولذكره سلسلة السند، فضلاً عن ذكره تفصيلات لا توجد في بقية المصادر، ومهما يكن من أمر فإنَّ جراشة تحرك بشكل مُباغت في السواد والجزيرة.

وانتقل إلى مدن مختلفة، وقتل بعض رجال السلطة وقد استفحلت حركته بعد انضمام الخوارج الهاربين من جيش الوليد بن طريف، وقد قُتِلَ جراشة على يد سعد بن سلم أو إبراهيم بن جبريل، أو مسلم بن بكار العقيلي. كانت حركات الخوارج في الجزيرة خطرة، بحيث شجعت بعض رؤساء العشائر من جبي الخراج لأنفسهم، مما دعا الخليفة الرشيد إلى الذهاب بنفسه إلى الموصل وهدم سورها.

خوارج إيران:

كانت حركات الخوارج في العصر الأموي قد تركزت في أقاليم مركزية كالحجاز والعراق (السواد والموصل)، إلا أنها في أواخر عهد مروان الأخير، وبفضل ضغوط قواته انسحب الخوارج إلى أقاليم بعيدة، كإفريقيا، وعُمان، وفارس، حيث انضم بعضهم إلى حركة عبد الله بن معاوية بن جعفر، وبعد فشلها، انسحب الخوارج إلى سجستان وخراسان وكرمان غير أننا يجب أن نشير إلى ان خوارج إيران الذين كانوا في غالبيتهم من العرب الذين هربوا من العراق والجزيرة الفرائية، على أن سكان سجستان كانوا لا يزالون يحتفظون وإنما بدوافع شعوبية، والهدف معارضة الحكم العربي الإسلامي.

ويظهر أن حركة الخوارج في إيران، خلال هذه الفترة، اتبعت أسلوباً جديداً أبعدتهم عن العروبة وعن الأتباع العرب وقد أثبتت الحوادث أن التخلي عن عروبة الفكر والحركة في بلد زرادشت وماني ومزدك قد أوقع الخوارج في متاهة عميقة أدت إلى تشتيت قواهم وبعثرة جهودهم في خراسان، ومن حركات الخوارج في إيران:

حركة حمزة بن اترك:

‏في عام (179 هجري)، أعلن حمزة بن أترك حركته في سجستان ويبدو أنَّ السلطة لم تستطع القبض عليه، ولعل السبب يعود إلى حدوث اضطرابات في إقليم خراسان، فقد أشار الطبري إلى أن حمزة الشاري بعد مسرور سمت سنوات، عاث في باذغيس في خراسان، فتحرك نحوه ابن الوالي على رأس حامية المدينة واستطاع قتل الخارجي مع عشرة آلاف من أتباعه، ويظهر أن الخارجي كان مدعوماً من إقليم ما وراء النهر والسند، على عادتهم في تأييد أي حركة ضد الحكم العربي، فما أن قضى ابن الوالي على الخارجي حتى تحرك نحو تلك الأقاليم.

حركة أبي الخصيب:

‏وهم من أهل نساء أعلن الحركة عام (183 هجري)، أو عام (186 هجري)، لكنه سرعان ما طلب الأمان من الوالي، واستدعاه إلى مقره في مرو وأكرمه، وبعد عام واحد أعلن معارضته مجدداً، واستولى على مناطق عديدة من خراسان (نساء أبيورد، طوس، نيسابور)، وزحف نحو مرو، إلا أنه لم يستطع الصمود اتجاه القوة العباسية، وانهزم نحو سرخس واستطاع كسب كثير من الأتباع فيها، لكن الوالي لم يترك بقواته نحو (نسا)، واستطاع من قتله وأسر أهله، في حين أن الأزدي أشار إلى أن الوالي كلف ابنه بالقضاء على الحركة وهو الذي استطاع قتله كما أنَّ ميدان المعركة كان في مرو وليس في (نسا)، وربما أخطأ الأزدي في روايته فقد خلط بين حركتي حمزة الشاري وأبي الخصيب.

الخوارج في أرمينية:

لم يعرف إقليم أرمينية الاستقرار منذ وفاة الخليفة المهدي، بالرغم من تعيين أكفأ الولاة واعتمادهم على القبائل العربية التي استوطنت هذه الإقليم، إلا أنَّ العصبية القبلية بين النزارية واليمانية من جهة ولضعف الوالي الفضل البرمكي الذي انهزم من معركة مع أهالي (حمزين) أدى إلى قيام أبي مسلم الشاري بحركته في البيلقان، فأرسل الخليفة الرشيد إسحاق العقيلي في خمسة آلاف مُقاتل، لكنه لم يصمد طويلاً، فانهزم وانتصر أبو مسلم، وتمكن أيضاً من إلحاق الهزيمة بقوتين عسكريتين الأولى بقيادة العباس بن جرير القسري والثانية بقيادة سعد الحمصي، إنَّ انتصار أبي مسلم جعله يجبي الإقليم، وعاث في المنطقة فساداً، عند ذلك اهتم بها الرشيد فأرسل قوة عسكرية كبيرة أخرى أذربيجان.

استطاع الحرشي من تنفيذ المهمة الأولى الموكلة إليه، ومن ثم اتحدت القوتان، لكن وفاة أبي مسلم الشاري في هذه الأثناء وتسلم السكن البيلقاني القيادة فاصطدم ابنه مع القوة العباسية إلا أن انهزامه اضطر والده السكن إلى التسليم إلى يزيد الشيباني وبذلك انتهت خطورة الحركة الخارجية.


شارك المقالة: