اقرأ في هذا المقال
دراسة الإدراك داخل الأنثروبولوجيا:
الإدراك، الذي تم تعريفه بإيجاز من قبل عالم النفس (Ulric Neisser) هو نشاط المعرفة أي اكتساب وتنظيم واستخدام المعرفة، ويصور (D’Andrade) دراسة الإدراك داخل الأنثروبولوجيا كما هو الحال مع العلاقة بين المجتمع البشري والفكر الإنساني والآثار المترتبة على الحاجة والقدرة على العيش في الوسط البشري للثقافة، ولفهم الإدراك هو موضوع دائم تاريخيًا ومجموعة واسعة من التوجهات تشير في العديد من الاتجاهات ويدعمها التنوع من وجهات النظر المتعلقة بالثقافة.
ومنذ بعض الوقت، أشار عالم النفس فريدريك بارتليت إلى أن التذكر هو شكل من أشكال النشاط المعرفي، وهو وظيفة من وظائف الحياة اليومية، ويجب أن يكون قد تطور لتلبية متطلبات الحياة اليومية، وأكد أنه من المناسب التحدث لكل رد فعل معرفي بشري كالإدراك والتخيل والتذكر والتفكير والاستدلال كجهد يتلو المعنى، وهذا ليس بالضرورة ينطوي على جهد واعي أو حتى وعي، والحكم على إنه من المستحيل تجريد المعنى من الأنشطة المعرفية.
ورفض فريدريك بارتليت النهج السائد للذاكرة وحاول التحكم في المعنى والخبرة السابقة من خلال التحقيق في التعلم ونسيان مقاطع الهراء الاصطناعية، وعلى الرغم من أن رؤيته تجاوزت النتائج والملاحظات التجريبية التي أبلغ عنها، من الجدير بالذكر أنه أكد على الأسس الاجتماعية والثقافية والعاطفية للأنشطة المعرفية، وكان الهدف من الثورة المعرفية في الخمسينيات من القرن الماضي إعادة العقل مرة أخرى للعلوم الإنسانية بعد شتاء طويل قاسٍ من الموضوعية التي سيطرت عليه النظرية السلوكية والتعلم اللفظي.
وبحسب جيروم برونر، وهو لاعب رئيسي منذ البداية، أدى صعود الاستعارة الحسابية إلى تقني الثورة المعرفية، وصرف الانتباه بعيدًا، وحتى تقويض الدافع الذي أوجده إلى الوجود، والذي كما كان من المفترض في الأصل أن يتحد مع علم النفس والأنثروبولوجيا واللغويات والفلسفة والتاريخ من أجل ترسيخ المعنى باعتباره محور مفهوم علم النفس، وأخذ العلم المعرفي مجاله لدراسة باطن البيئة العقلية المنفصلة إلى حد كبير عن العالم الخارجي وعلى ما يبدو الآثار الجانبية غير المقصودة كاليدين والعينين والأذنين والأنف والفم.
ولقد تلاشت المشاعر عندما تم استبدال الدماغ بجهاز كمبيوتر، وفي نظرة بأثر رجعي على العلوم المعرفية نشرت عام 1985، لاحظ جيروم برونر، إنه على الرغم من التقدير للقوة المحتملة من الدراسات متعدد التخصصات، في الممارسة العملية علماء الإدراك يقللون من التركيز ويحاولون استبعاد الثقافة والعاطفة والسياق والتاريخ إلى أقصى حد ممكن كمسألة من التطبيق العملي، بحيث يمكن تقديم حساب مناسب دون اللجوء إلى هذه المفاهيم الغامضة.
وهذه الدراسة، كما هو الحال في بعض الدراسات السابقة، تعمل نحو حساب موجه نحو العمليات المتعلقة بالأنشطة المعرفية في الحياة اليومية، في حين أعتمد على مجموعة متنوعة من الدراسات والأفكار، ولكن هذه الدراسة لا تفعل بأي حال من الأحوال وتشمل كل ما يمكن النظر فيه، وعلماء الأنثروبولوجيا لا يتناولون، على سبيل المثال العمليات الديناميكية النفسية كما هو موضح في العمل من قبل العلماء ذوي التوجه للتحليلي النفسي، بل يسعون إلى أن طرق القوى السياسية والاقتصادية الأوسع والترتيبات المنظمة اجتماعياً تؤثر على الجهد بعد المعنى.
وتتوافق الحجج المقدمة هنا مع الادعاء التأسيسي بأن الجهد بعد المعنى في الحياة اليومية هو عملية ثقافية ومعرفية واجتماعية مشتركة، مرتبطة وتعتمد على المشاركة الاجتماعية ضمن أوضاع محددة، على سبيل المثال، كمشارك متفاعل، من خلال التعرض للإجراءات والأفكار أو سرد تجارب الآخرين، وتوسطت الآثار العلاقات مع الآخرين، ويدور هذا المنظور الموجه نحو العملية وحول التفاعل بين مجموعة من الموارد الثقافية المحتملة تاريخيًا والمتاحة للجهد تلو المعنى والعمليات الاجتماعية والهيكلية التي يتعلم الأفراد من خلالها التوجه نحو المعرفة.
ويمكن أن يصبحوا مشاركين في طرق المعرفة، والطرق في تفسير الواقع الذي يتم تعلمه من التجربة، الخاصة بالبشر أو بشكل غير مباشر، وربما تزود بالموارد المفيدة للعمل في العالم والاتجار بالبديل المعقول للتجارب الخاصة، والتفاعلات الاجتماعية المستقبلية، وجوانب العالم، فقوة منظور العملية الموجهة هي أن يوفر مدخلًا لاستكشاف التباين والتغيير.
تصور علماء الأنثروبولوجيا للإدراك في إطار ثقافي في البيئة السلوكية:
يقع الأنثروبولوجيا في إدراك الأشخاص وتمثيلهم في عوالم ثقافية محددة، حيث يجب النظر إلى الكائن الحي وبيئته معًا أي الانقسام داخلي والخارجي مع جلد الإنسان كحد غير ذي صلة نفسية، إذ إن المجال النفسي الذي يحدث فيه السلوك البشري دائمًا ما يتشكل ثقافيًا وجزئيًا، حيث لا يمكن اختزال الاستجابات البشرية في مجملها إلى المحفزات المشتقة من عالم موضوعي أو محيط من الأشياء بالمعنى المادي أو الجغرافي، وذلك لأن عالم الوعي الإنساني تتوسطه أدوات رمزية مختلفة.
والتي من خلالها يتعلم الأفراد الخبرة ويؤسس المفاهيم والتمييز والأنماط والمواقف التصنيفية التي يتم من خلالها دمج التجربة الإدراكية شخصيًا، وبهذه الطريقة تصبح الافتراضات حول طبيعة الكون، كما هي كانت من المكونات المسبقة في العملية الإدراكية نفسها، حيث إن العالم الذي تتطور فيه نفسية التجربة هو مكون ثقافيًا في البيئة السلوكية، فالنظرة إلى الذات في بيئتها السلوكية تسمح لإمكانية فهم الجوانب الأكثر أهمية وذات مغزى في عالم الفرد كما يختبره ومن حيث يعتقد، وهو الدافع أن يتصرف ويلبي احتياجاته.
وقد تدخل التصرفات المتشكلة ثقافيًا في التمييز الإدراكي وتنظمه وتحفيز الاستجابات المعرفية والعاطفية والسلوكية، وفي الدراسات الأنثروبولوجية عن أوجيبوا مانيتوبا، يقدم علماء الأنثروبولوجيا العديد من الأمثلة لمواقف بيئية محددة والتي تكون من قبل ثقافة خارجية أن تكون غير ضارة بشكل موضوعي ولكن الأوجيبوا توفر معلومات عنه يحتمل أن يكون ضررًا كبيرًا، والأهم من ذلك أن البيئة السلوكية هي أيضًا أخلاقية النظام مع الأطر السائدة للمساءلة الأخلاقية عن سلوك الفرد وتلك الخاصة بالأشخاص الآخرين.
ويعتبر عمل علماء الأنثروبولوجيا وثيق الصلة من الناحية الإثنوغرافية، مثل بعض ما يتم تقديمه لاحقًا ويعتمد على عمل ميداني في مجتمع (Anishinaabe) المعروف أيضًا باسم (Ojibwa) ومع ذلك، في حين أن الدراسات الأنثروبولوجية تفترض وجود اتصال مسبق ونظرة معرفية موحدة ألا أنها تعكس التقديرات أن البيئة السلوكية ليست هي نفسها لجميع الأفراد وقد تختلف حتى بالنسبة للفرد نفسه عبر الزمان.
ومثل هذا المشروع ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم النفس بسبب دراسة كيفية تصنيف فئات اجتماعية معينة والعقل يؤدي حتما إلى أسئلة حول الطبيعة الأساسية لمثل هذه العمليات المعرفية، وتشير الجملة الأخيرة إلى مقال سابق بقلم (D’Andrade) عام 1981 والذي اقترح أن يكون التقسيم الفكري للعمل مع علماء النفس المسؤولين عن العمليات المعرفية وعلماء الأنثروبولوجيا عن المحتوى المعرفي، وهذه وجهة نظر مقيدة إلى حد ما من مساهمة الثقافة في الإدراك.