دراسة ظاهرة العدوى الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


في هذا المقال سيتم التطرق إلى دراسة ظاهرة العدوى الاجتماعية، من حيث المعنى والمفهوم ومن حيث الوصف، إذ كانت أداة لتفسير ووصف الظواهر الاجتماعية، وكذلك من حيث شرح هذه الظاهرة.

دراسة ظاهرة العدوى الاجتماعية

بعد نظرة عامة موضوعية من قبل علماء الاجتماع لظاهرة العدوى الاجتماعية، توصلوا من خلال هذه النظرة إلى مسألة ما إذا كان يمكن فهم هذه الظاهرة الراسخ في العلوم الاجتماعية والانضباط الناشئ للميمات بشكل مفيد وعلى أنهما وجهان لعملة واحدة، ويقترح علماء الاجتماع أن دراسة ظاهرة العدوى الاجتماعية التي تفتقر حاليًا إلى إطار مفاهيمي أو مبدأ تنظيمي يمكن وصفها بأنها مجموعة من الأدلة بدون نظرية.

وعلى العكس من ذلك يُقترح أن الميمات التي مضى عليها أكثر من عقدين من الزمن ولكن لم يتم تفعيلها بعد يمكن وصفها بأنها مجموعة نظرية بدون دليل، ويختتم علماء الاجتماع باقتراح نظرية اجتماعية لظاهرة العدوى الاجتماعية.

ما هي ظاهرة العدوى الاجتماعية

يشير علماء الاجتماع إلى أن قبل قرنين من الزمان اجتاحت موجة من حالات الانتحار كما لو أن فعل الانتحار نفسه كان معديًا بطريقة ما، وقبل وقت قصير من وفاتهم المبكرة كان العديد من هؤلاء الضحايا الانتحاريين على اتصال بحكاية مأساوية حيث حيث ينتحر البطل بنفسه، وفي محاولة لوقف ما كان يُنظر إليه على إنه موجة متصاعدة من حالات الانتحار المقلدة، حظرت السلطات القلقة الكتاب في عدة مناطق من كتابة مثل هذه الحكايات المأساوية.

ووجد علماء الاجتماع إنه وخلال المائتي عام التي أعقبت نشر الرواية أو الحكاية المأساوية والرقابة اللاحقة عليها، أكد البحث العلمي الاجتماعي إلى حد كبير أن الأطروحة التي تؤثر على المواقف والمعتقدات والسلوك يمكن أن تنتشر بالفعل بين السكان كما لو كانت معدية بطريقة ما، ويبدو أحيانًا أن التعرض البسيط هو شرط كافٍ لحدوث انتقال اجتماعي، وهذه هي معنى أو أطروحة العدوى الاجتماعية، إذ استنتج علماء الاجتماع أن الظواهر الاجتماعية والثقافية يمكن أن تنتشر عبر التجمعات السكانية وتقفز بينها مثل تفشي الحصبة أو جدري الماء أكثر من عملية الاختيار العقلاني.

ويرى علماء الاجتماع أن تعريف مصطلح العدوى نفسه له جذوره في اللغة اللاتينية، وهو يعني حرفيًا من اللمس، وبالتالي تشير العدوى إلى عملية انتقال عن طريق اللمس أو الاتصال، ويعرّف القاموس العدوى على أنها انتقال المرض عن طريق الاتصال المباشر بشخص أو جسم مصاب بمرض أو سم ينتقل بهذه الطريقة، ومن وسائل الانتقال انتقال حالة عاطفية، مثل الإثارة ذات التأثير الضار.

ومن هذا التعريف تشير ظاهرة العدوى إلى النقل الاجتماعي عن طريق الاتصال للأمراض البيولوجية، والنقل الاجتماعي عن طريق الاتصال للمصنوعات أو الدول الاجتماعية والثقافية.

ظاهرة العدوى الاجتماعية كأداة وصفية وتفسيرية للظواهر الاجتماعية

وأصبح مفهوم ظاهرة العدوى الاجتماعية شائعًا لأول مرة كأداة وصفية وتفسيرية للظواهر الاجتماعية، على عكس البيولوجية في أواخر القرن التاسع عشر، ولا سيما من خلال أعمال نخبة من علماء الاجتماع أمثال عالم الاجتماع جيمس مارك بالدوين وغابرييل تارد وغوستاف لوبون، ومع ذلك لم تبدأ الأبحاث التجريبية في هذه الظاهرة حتى الخمسينيات من القرن الماضي، ولقد أثبت علماء الاجتماع في دراستهم الأخيرة بشكل لا لبس فيه حقيقة ظاهرة العدوى الاجتماعية، وحدد عملهم في عدد من مجالات الحياة الاجتماعية، والآثار المترتبة على هذه الدراسة المتعلق بظاهرة العدوى الاجتماعية جذرية.

وعلى الرغم من هذه البداية الواعدة تطورت أبحاث العدوى الاجتماعية إلى مجال أصبح الآن غير منظم ومتباين وغير متماسك، ويفتقر إلى كل من المبدأ التنظيمي والإطار المفاهيمي، وفي الواقع هناك غياب تام لاتفاق بين العلماء والباحثين على الآلية الخاصة التي تكمن وراء ظاهرة العدوى الاجتماعية، وأدى هذا الافتقار إلى الإجماع إلى انتشار تعريفات متعددة للظاهرة والتي تتراوح من الغامضة إلى المتناقضة والواضحة، وتم تفعيل هذه التعريفات المختلفة جدًا للعدوى لإنتاج دراسات لها القليل من القواسم المشتركة باستثناء ظاهرة الانتشار الملحوظة عن طريق الاتصال.

ويصر معظم هؤلاء على وجود عدد من الحالات والآليات الداخلية (القصدية وتجنب النهج والصراع، إلخ)، ولكي يتم اعتبار العملية حقيقية، بدلاً من مجرد عدوى واضحة، ومع ذلك فإن هذه المؤهلات المختلفة لم تسهم فقط في الطبيعة المشوشة لأبحاث ظاهرة العدوى الاجتماعية ولكنها قوضت أيضًا الأساس المنطقي المركزي للاستعارة، والتي تنتشر تلك الثقافة التي يمكن ملاحظتها كما لو كانت لها خصائص معدية.

شرح ظاهرة العدوى الاجتماعية

في حين أن الغالبية العظمى من أبحاث العدوى الاجتماعية قد أثبتت وجود وشراهة الظاهرة التجريبية، إلا إنه لم يتم معالجة الآثار النظرية للنتائج، حيث تشير نتائج أبحاث ظاهرة العدوى الاجتماعية إلى إنه مثلما لا يختار المرء الإصابة بالعدوى البيولوجية وينقلها، فإنه غالبًا ما يتصرف كما لو كان لديه القليل من التحكم في الثقافة التي يصاب بها وبالتالي ينتشر، وتقوض هذه الملاحظة الفهم التقليدي للذات البشرية كعامل مستقل ويتم تحديد عمله من خلال القصد الفردي والتقييم العقلاني.

وبينما قد يرغب في الاعتقاد بأنه يقرر بوعي وعقلانية كيفية الاستجابة للمواقف تشير أدلة العدوى الاجتماعية إلى أن هذا ليس هو الحال في بعض الأحيان، وبدلاً من توليد وامتلاك المعتقدات والعواطف والسلوكيات تشير أبحاث العدوى الاجتماعية إلى أن هذه المعتقدات والعواطف والسلوكيات تمتلك البشر بالمعنى الحقيقي.

ومن المؤكد أن فشل العلوم الاجتماعية السائدة في أخذ هذا الأثر الضمني لأدلة ظاهرة العدوى الاجتماعية على محمل الجد يرجع جزئيًا إلى حالة المجال غير المنظمة وغير المتماسكة، ومع ذلك ربما يرجع الفشل أيضًا إلى عدم التوافق الأساسي بين مفهوم العدوى الاجتماعية والتطوعية الديكارتية المتضمنة في الكثير من العلوم الاجتماعية، وفي الواقع يمكن وصف التفسيرات المعيارية للعدوى الاجتماعية بمحاولة يائسة تقريبًا لاستعادة الفاعلية الفردية غير القابلة للاختزال والعمل العقلاني للظاهرة.

في محاولة لتفسير ظاهرة العدوى الاجتماعية، تم تطوير نوعين من النظريات، هما:

أولاً، يشير عدد من النظريات إلى أن انتشار التجانس هو نتيجة للتقليد الواعي والمتعمد في المواقف التي يتم تعريفها عادةً بعدم اليقين أو الغموض.

ثانيًا، تم حساب العدوى من خلال التجانس الكامن المفترض من حيث الدوافع السابقة التي تسبق الظاهرة المرصودة.

ومثال على النوع الأول من التفسير هو نظرية القاعدة الناشئة التي تنص على أن انتشار السلوك بين السكان ليس عن طريق العدوى أو الاتصال ولكنه نتيجة محاولات واعية ومتعمدة للالتزام بالمعايير والقواعد الناشئة من التفاعل المعقد والدقيق داخل الجماعات، وبالمثل فإن نظرية التعلم الاجتماعي ترى أن التجانس هو نتيجة التقليد الواعي والمتعمد الذي يحدث عندما يتم تقديم الأفراد في مواقف غامضة وغير مؤكدة.

ومثال على النوع الثاني من التفسير هو نظرية التقارب والتي تشير إلى أن التجانس والتكتل ليسا نتيجة للعدوى ولكن نتيجة لدوافع مشتركة مسبقة تسبب تقارب الجماعات في المقام الأول، ومن هذا المنظور فإن التشابه يسبب الجماعات وليس العكس، وتم تقديم تفسير مشابه من خلال نظرية عالم الاجتماع ريتر وهولمز، والتي تنص على أن العدوى هي بشكل أساسي تقليد بوساطة إطلاق التقييد بسبب مراقبة شخص آخر يقوم بعمل ما وهذا والفرد في صراع حول أداء نفسه.

بمعنى آخر من هذا المنظور لا تنتقل السلوكيات عن طريق الاتصال بدلاً من ذلك يتم إطلاق السلوكيات المثبطة أحيانًا اللاواعية والبدائية الموجودة بالفعل في الذخيرة السلوكية للفرد، وبالتالي ينتشر التجانس نتيجة لحل الصراع داخل النفس الذي يحدث من خلال الأدلة الاجتماعية.


شارك المقالة: