دولة البويهيون والحمدانييون في عهد المطيع لله

اقرأ في هذا المقال


الخليفة المطيع لله:

هو الفضل بن جعفر المُقتدر، ولد عام (301 هجري)، وأمه أم ولد تدعى (شغلة)، يُكنى أبا القاسم.

دولة البويهيين:

كان بنو بويه يُمثّلون إماراتٍ محليةٍ وإن كانوا يُسيطرون على مُقدّرات الخلافة في بغداد، وكانت إماراتهم متعددة إذ كان كبيرهم علي أبو الحسن عماد الدولة يحكم فارس وهو أمير الأمراء، ويحكم أخوه أحمد أبو الحسين معز الدولة باسمه العراق، والأهواز، وكرمان ونيابة عنه، ويحكم أخوه الآخر أبو علي الحسن رُكن الدولة الريّ، وهمذان، وأصبهان، وكان
فيهم تعسُّف شديد، ومُغالاة في التشيّع حتى كان عهدهم عصر صراع بشكلٍ واسع، مات عماد الدولة عام (338 هجري).

وقام ابن أخيه عضد الدولة أبو شجاع خسرو ابن ركن الدولة إذ لم يكن لعماد الدولة ولد مكانه. وتمكن ركن الدولة من أخذ طبرستان، وجرجان من أمير الديلم (وشمكير) وضمَّ هذه المناطق إلى إمارته، وأخذ معز الدولة بعد ذلك أمراً من الخليفة بولاية أخيه ركن الدولة على خراسان. ومات معز الدولة عام (356 هجري).

وكان في عهده قد قوي شأن الأتراك، وقل شأن الديلم الذين انضموا إلى الذين ثاروا ضد مُعز الدولة، وقام بعده في بغداد ابنه بِخّتيار وقد تلقب باسم عز الدولة، ويقال أن معز الدولة قد رجع إلى السنة والجماعة قبل موته.

وطمع منصور بن نوح الساماني في أملاك بني بويه لأن عز الدولة بختيار كان مُنصرفاً إلى اللهو والنساء والصيد غير أن ركن الدولة قد دعم ابن أخيه عز الدولة ورد منصور بن نوح الذي مات في رحلة صيدٍ له بعد أن وقع عن ظهر جواده وبعد أن تصالح منصور بن نوح الساماني مع ركن الدولة بن بويه وابنه عضد الدولة على أن يحملا له كل عام مائة ألف دينار.

واختلف عز الدولة بختيار مع (سُيُكْتُكين)، وحاصر سبكتكين دار عز الدولة، وأخذ أهلها، وتغلب الأتراك على بني بويه، وكان عز الدولة في الأهواز ولم يستطع دخول بغداد وذلك عام (363 هجري)، فراسل عمه ركن الدولة فأرسل إليه أبا الفتح بن العميد كما استنجد بابن عمه عضد الدولة وكذلك راسل أبا تغلب بن ناصر الدولة الحمداني، فسار الأتراك ومعهم الخليفة الطائع لله وأبوه المطيع نحو واسط للقاء عز الدولة ولكن لم يلبث أن توفي المطيع لله المخلوع ثم توفي سبكتكين، فالتف الأتراك حول أمير منهم اسمه (افتكين)، والتقوا مع عز الدولة بختيار الذي ضعف أمره وقوي أمر ابن عمه عضد الدولة فملك العراق.

دولة الحمدانيين:

تقاتل ناصر الدولة الحمداني أمير الموصل مع القائد (تكين) التركي، وقد وقعت عدة اشتباكات بينهما، وأخيراً تمكن ناصر الدولة من (تكين)، واستقر له الأمر بالموصل والجزيرة في عام (335 هجري). عاد الخلاف بين معز الدولة البويبهي وناصر الدولة الحمداني عام (336 هجري)، وتقدم مُعز الدولة نحو الموصل ففرَّ ناصر الدولة إلى (نصيبين)، وعزم مُعز الدولة على أخذ كل ما يسيطر عليه الحمدانيون.

ووقع الظلم من البويهيين على أهل الموصل فضاقوا ذرعاً بمعز الدولة، وساعدتهم الظروف إذ أن ركن الدولة قد استنجد بأخيه معز الدولة لقتال أهل خراسان، فاضطر معز الدولة أن يصالح ناصر الدولة الذي يُغادر الموصل مُقابل أن يدفع ناصر الدولة كل عام ثمانية آلاف درهم، وأن يدعو على المنابر لآل بويه: عماد الدولة، ومعز الدولة، وركن الدولة.

وسار مُعز الدولة عام (345 هجري)، من بغداد إلى الأهواز للقضاء على بعض الحركات فيها فاستغل ناصر الدولة هذا الخروج ودخل بغداد، فلمّا انتهى معز الدولة البويهي من مهمته عاد إلى بغداد فرحل عنها الحمدانيون، غير أن ناصر الدولة قد امتنع عن دفع الأموال إلى معز الدولة الأمر الذي حمل معز الدولة إلى مُتابعة السير إلى الموصل وقتال ناصر الدولة فراسله ناصر الدولة ووعده بأن يحمل الأموال إلى دار الخلافة في كل عام.

ومع هذا التعهد فقد سار إليه معز الدولة في العام التالي ودخل الموصل ففرَّ ناصر الدولة إلى (نصيبين) فلاحقه مُعز الدولة، ففرَّ إلى حلب حيث يستقل أخوه سيف الدولة، فراسل سيف الدولة الحمداني معز الدولة وأصلح بينه وبين أخيه وتعهد بأن يحمل ناصر الدولة إلى دار الخلافة في بغداد في كل عام مليونين وتسعمائة ألف درهم، كما تعهد أن يؤدي سيف الدولة ما على أخيه من أموال.

وقام ناصر الدولة بإتفاقية العقد لابنه أبي تغلب ضمان الموصل، وديار ربيعة، والرحبة مُقابل مال مقرر وذلك عام (353 هجري)، ثم اختلف ناصر الدولة مع ابنه أبي تغلب فسجن الولد أباه وظل في السجن حتى مات في شهر ربيع الأول من عام (353 هجري)، واختلف أبناء ناصر الدولة مع أخيهم أبي تغلب بعد وفاة أبيهم.

أما الحمدانيون في حلب فقد كان أميرهم سيف الدولة في صراع دائم مع الروم بصفته كان أمير الثغور أو أن الثغور قد آلت إمرتها إليه لا بصفته مُجاهداً أو بطلاً مغواراً إذ لم يكن كذلك كما تصفه كتب الأدب من خلال مدح المتنبي له حيث كان يطمع من ورائه الحصول على إمارة، فمديحه قول شاعر طامع صاحب غاية أو أنهما يلتقيان على فكرةٍ واحدةٍ هي فكرة المغالاة في التشيّع حتى لتقترب من فكرة ة القرامطة.

سيف الدولة الحمداني في المعارك:

وكان سيف الدولة في المعارك في مؤخرة الجند لا أمامهم فينجو عند الهزيمة ويفخر عند النصر. دخل سيف الدولة عام (337 هجري)، رونا بجيشٍ كثيفٍ بلاد الروم غير أنه هزم، وأخذ الروم كل ما بأيدي هذا الجيش الحمداني، كما نال أهل طرسوس أذى كثير من الروم، ولم يستطع سيف الدولة حماية أحد من رعاياه لِمَا اتصف به من خوف وخور.

ورجع سيف الدولة عام (339 هجري)، فوصل بلاد الروم بجيش كبير فهزمهم وأخذ عدداً كبيراً من الروم أسارى، غير أن الروم قد قطعوا عليه الطريق أثناء العودة فهزموه وأخذوا ما معه من الأسرى، وقتلوا أكثر من معه، ونجا سيف الدولة بنفر يسير معه لأنه كان في مؤخرة الركب. وعاد سيف الدولة إلى بلاد الروم عام (342 هجري)، وتمكن من إحراز النصر في هذه المرة، وفي العام التالي أغار على زيطرة، وملاطية وهي ثغور إسلامية استولى عليها الروم فقتل وأحرق وسبى.

والتقى مع قسطنطين بن الدمستق فانتصر عليه، وقتل أعظم رجاله، ثم التقى بجيش الدمستق عند (مرعش)، وتغلّب عليه وأسر صهر الدمستق وابن ابنته، وهذا ما شجعه فعاد إلى بلاد الروم عام (345 هجري)، فأحرز انتصاراً كبيراً وعاد إلى حلب غانماً، فثارت ثائرة الروم فجمعوا جموعهم وهاجموا بعض مُدن المسلمين قتلوا وأحرقوا وسبوا ما شاء لهم هواهم، كما ركبوا البحر إلى ميناء طرطوس فقتلوا من أهلها ثمانمائةٍ وألف، وسبوا عدداً آخر، وأحرقوا عدة قرى، وكانت هذه أعظم انتصارات سيف الدولة على الروم.

وفي عام (348 هجري)، وصل الروم (الرها) و (طرطوس)، فقاموا بالقتل، والسب، وسرقوا الأموال، فكانت رد فعل سيف الدولة بدخوله بلاد الروم عام (349 هجري)، واستطاع من إحراز النصر، وفتح عدة حصون، وقطع الروم عليه طريق الرجعة فقتلوا أكثر جيشه ولم ينج إلا سيف الدولة مع ثلاثمائة فارس.

وذهب بجيش كبير من أنطاكية ذاهباً إلى طرطوس فخرج عليه كمين من الروم فقتلوهم عن بكرة أبيهم ولم يفلت منهم سوى أمير أنطاكية وبه جراحات، ومن جهة ثانية دخل (نجا) غلام سيف الدولة بلاد الروم ورجع غانماً.

وفي عام (351 هجري)، دخل الدمستق حلب، وسيطر على بيت سيف الدولة وكانت في مدينة حلب، وقام بأخذ كل ما فيها من مال ومتاع ونساء، وقام بقتل الكثير من أصحاب سيف الدولة أما الأمير سيف الدولة فقد فرَّ من بيته ومن حاضرته بعد أن ترك نساءه لخصمه، وبقي جيش الدمستق في حلب تسعة أيام وقد فعل الجند فيها كل ما هو سيء، وكان الروم قد دخلوا قبل ذلك عين زربة وهي أحد ثغور المسلمين المهمة، وأسر أبو فراس الحمداني يومها وكان نائب مدينة منبج لابن عمه سيف الدولة.

كما أغار الروم على ضواحي (طرطوس). أعاد سيف الدولة بناء ثغر (عين زربة)، وأرسل غلامه (نجا)، فدخل بلاد الروم، إلا أن (نجا)، لم يلبث أن خلع طاعة مولاه، وتحصّن في مدينة
(حران)، ثم سار إلى أذربيجان، وساعده في التغلّب عليها (أبو الورد)، أحد الأعراب في تلك المنطقة، فسار إليه سيف الدولة وتمكن من قتله.

وفي عام (354 هجري)، ثار أحد القرامطة واسمه (مروان)، في مدينة حمص وامتلكها من سيف الدولة، فأرسل إليه سيف الدولة مولاه بدراً، فالتقيا في معركة أُصيب فيها مروان بسهم مسموم مات نتيجة ذلك بعد عدة أيام، وفي الوقت نفسه فقد أسر بدر في هذه المعركة وقتله أصحاب مروان.

وفي العام (355 هجري)، تمت انتهاء الخلاف بين سيف الدولة والروم وكان من أسرى الحمدانيين أبو فراس الحمداني. ولم يبقى إلى أن مات سيف الدولة عام (356 هجري)، فخلفه ابنه سعد الدولة أبو المعالي فاصطدم مع خاله أبي فراس فقتله عام (357 هجري)، غير أن (قرعويه)، مولى أبيه قد غلبه واستولى على حلب، وهرب أبو المعالي، ولكنه عاد فعبر نهر الفرات وسار إلى حماه فامتلكها، ثم اتجه إلى حمص.

وأعاد بناء ما خربه الروم عندما أغاروا عليها عام (358 هجري)، وصانع (قرعويه) الروم عندما اشتد بأسهمء ثم تصالح (قرعويه) و (أبو المعالي) عام (359 هجري)، واستقر وضع أبو المعالي في حلب نسبياً. وامتلأت البلاد رفضاً وسباً للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين.


شارك المقالة: