أحداث زوال الدولة السلجوقية

اقرأ في هذا المقال


محاولة الخليفة المستنجد بالله استعادة نفوذ الدولة العباسية:

كان وراء الخليفة المقتفي لأمر لله ابنه المستنجد بالله في ربيع الأول من سنة (555 هجري)، فسار على نهج أبيه في إدارة الدولة، وفي الوقوف في وجه تسلط السلاجقة واستبدادهم وكان أول عمل يقوم به الخليفة الجديد هو أنه كتب للسلطان السلجوقي سليمان شاه يطلب منه إقامة الخطبة له في سائر البلدان التابعة للسلاجقة، فلم يمانع السلطان في ذلك، وخطب للمستنجد بالله في جميع البلاد التي كانت تدين له بالطاعة.

ولكن السلطان سليمان شاه مع فيما بعد كغيره من سلاطين السلاجقة في العراق مُتناسياً الاتفاق الذي أبرمه مع المقتفي لأمر الله ومؤداه أن العراق يجب أن يكون تابعاً للخليفة مباشرة. غير أن الخليفة المستنجد بالله لم يحقق رغبته، كما أنه هو نفسه لم يجرؤ على فرض رغبته بالقوة، وذلك لِمَا كان للخلافة آنذاك من هيبة، وفي ذلك يقول البنداري: (ووقفت في أنفسهم من بغداد الهيبة، ومن حصولها الخيبة فلم يقدم ملك إليها، ولا سلطان عليها.

وفي سنة (556 هجري)، قبض قواد السلاجقة على السلطان سليمان شاه لانصرافه إلى اللهو وإهمال شؤون الدولة، ونصبوا بدلاً منه أرسلان شاه بن طغرل، وقد حاول هذا السلطان بدوره أن يُعيد ما كان للسلاجقة من نفوذ وسلطة في بغداد، فبعث أتابكة ايلدكز إلى الخليفة المستنجد بالله، يطلب الخطبة له، ولكن الخليفة رفض طلبه.

ولمّا توفي الخليفة المستنجد بالله في سنة (566 هجري)، وخلفه ابنه المستضيء بأمر الله، تجددت أطماع السلاجقة في العراق، وبالتالي تجدد نزاع الخلافة معهم، ومع أمراء جيوشهم والأتابكة، الذين أخذوا في تأسيس إمارات مُستقلة لهم على حساب دولة السلاجقة المتداعية. وفي سنة (566 هجري)، أرسل الخليفة جيشاً لصد الأمير ابن سنكا ابن أخي الأمير شمله، حاكم خوزستان، الذي حاول الاستيلاء على واسط، وما يتبعها من بلاد. وقد تمكّن جيش الخلافة من إلحاق الهزيمة بالجيش المهاجم، وقُتِلَ قائده ابن سنكا.

كان عهد الخليفة المستضيء بأمر الله يتميز بالهدوء والأمن والاستقرار، قياساً لعهود من سبقه من الخلفاء المتأخرين. وقد توفى هذا الخليفة في شهر ذي القعدة من عام (575 هجري)،‏ وخلفه ابنه أبو العباس أحمد، ولُقِبَ بالناصر لدين الله.

محاولة الخليفة الناصر لدين لله استعادة نفوذ الدولة من السلطان طغرل بن أرسلان:

أكمل الخليفة الناصر لدين الله نضال الخلافة العباسية ضد دولة السلاجقة ذلك النضال الذي بدأه المسترشد بالله، وجنى ثماره الناصر لدين الله. وكان يُعاصر هذا الخليفة من السلاجقة السلطان طغرل بن أرسلان شاه بن طغرل، وكان نفوذه يشمل همذان والريّ وأصبهان وأذربيجان وتوابعها. ولمّا كان هذا السلطان قد تولى السلطنة وهو صغير السن، لذلك كانت السلطة الفعلية في يد أتابكة نصرة الدين محمد البهلوْان.

وكانت علاقة هذا الأتابك بالخليفة الناصر لدين الله يسودها الود، ولمّا توفي في سنة (582 هجري)، خلفه في الأتابكية أخوه مظفر الدين قزل أرسلان، وكان موالياً كأخيه للخلافة. ولمّا تمكن السلطان طغرل من انتزاع السلطة من أتابكه مظفر الدين قزل، كتب قزل إلى الخليفة الناصر لدين الله يُحذره من السلطان طغرل.

غير أن السلطان ما لبث أن تنبه إلى ما دبره هذا الأتابك مع الخليفة، لذلك عوّل على أن يأخذ زمام المُبادرة، ويوجد سبباً جوهرياً للتحرش بالخليفة، فكتب إليه يطلب منه إقامة الخطبة له في بغداد، وتجديد عمارة دار السلطنة لينزل بها عند قدومه إلى حاضرة الخلافة. فكان رد الخليفة هو هدم دار السلطنة، وإعادة رسول السلطان طغرل بدون جواب. كما كتب الخليفة للأتابك قزل أرسلان يأمره أن يكون على أهبة الاستعداد للإنضمام إلى جيش الخلافة لقتال السلطان طغرل.

وفي صفر سنة (584 هجري)، خرج جيش الخلافة بقيادة الوزير جلال الدين عبد الله بن يونس قاصداً همذان لنجدة الأتابك قزل أرسلان في حربه ضد السلطان طغرل وكان الأتفاق أن ينضم جيش قزل إلى جيش الخلافة، ومن ثم يسيران لمُحاربة السلطان السلجوقي، غير أن السلطان تنبه إلى ذلك فأسرع، واعترض جيش الخلافة قبل أن ينضم إلى جيش قزل أرسلان في همذان، وألحق به الهزيمة ‏ وأُسِرَ قائده الوزير عبد الله بن يونس.

لم تؤثر هذه الهزيمة على نفسية الخليفة الناصر لدين الله،‏ بل يبدو أنها زادته حماساً لحرب السلاجقة، فجهز جيشه من جديد بما يلزمه من العدد والأسلحة، وأسند قيادته للأمير مُجاهد الدين خالص، فخرج به إلى همذان في نفس العام (584 هجري)، وتمكّن من دخوها بدون قتال، لأن السلطان طغرل كان قد خرج منها عندما علم بقوة جيش الخلافة.

ولمّا تمكّن السلطان طغرل من إعداد جيش قوي سار به لاستعادة همذان. لكنه مني بالهزيمة على يد الأتابك قزل أرسلان، الذي استطاع أن يضم عدداً من أمراء العراق إلى جيشه. وعند ذلك لم يجد طغرل بُدّاً من طلب الصلح من الخليفة الناصر لدين الله، وكان ذلك في سنة (586 هجري)، وفي الوقت نفسه بعث ابنه ألب ارسلان إلى الخليفة كرهينة.

أما قزل أرسلان فإنه تمكّن فيما بعد من أسر السلطان طغرل بعد مهاجمته، وخطب لنفسه بالسلطنة، بتأييد من الخليفة الناصر لدين الله. ولكن السلطنة كانت وبالاً عليه، إذ أنه ما لبث أن قُتِلَ في سنة (587 هجري)، وخرج السلطان طغرل من سجنه في سنة (588 هجري)، واستعاد السلطنة بمُساعدة بعض الأمراء الموالين له.

استقر رأي الخليفة الناصر لدين الله العباسي على الاستعانة بعلاء الدين تكش خوارزمشاه ضد السلطان طغرل. ويذكر ابن الأثير أن الخليفة الناصر لدين الله أرسل إلى خوارزمشاه شاكياً من السلطان طغرل، ويطلب من خوارزمشاه أن يُساعده عليه، وأرفق الرسالة بمنشور يقضي بإقطاع خوارزمشاه كل البلاد التي كانت آنذاك تحت نفوذ السلاجقة.

فلبّى خوارزمشاه رغبة الخليفة العباسي وسار على رأس جيشه لقتال السلطان طغرل، والتقى به قريباً من الريّ وذلك في منتصف عام (590 هجري)، فدارت الدائرة على الجيش السلجوقي، وقُتِلَ السلطان طغرل. وهكذا زالت الدولة السلجوقية، ودخلت الدولة العباسية في فترة استقلال حقيقي دام حتى سنة (656 هجري)، حيث سقطت بغداد في أيدي المغول.


شارك المقالة: