سيطرة العسكريين الترك في العصر العباسي

اقرأ في هذا المقال


سيطرة العسكريين الترك في العصر العباسي:

لقد تم اختيار الدعاة بني عمرو بن شيبان بن ذهل، والقاسم بن مجاشع التميمي، وعمران بن إسماعيل أبو النجم ‏ مولى لآل أبي معيط، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وطارق بن زريق الخزاعي، وعمرو بن أعيُن أبو حمزة مولى لخزاعة، وشبل بن طهمان الهروي مولى لبني حنيفة، وعيسى بن أعين مولى لخزاعة ‏ أيضاً، واختار سبعين رجلُاً أيضاً، بحيث يكون لكل داعية اثنا عشر نقيباً يأتمرون بأمره، ولا يعرفون الإمام، ولكل نقيبٍ سبعون عاملاً. وكتب إليهم محمد بن علي كتاباً يكون مثالاً وسيرةً يقتدون بها، ويسيرون عليها.

ونظرة إلى هؤلاء الدُعاة توضّح أنهم من أرومةٍ عربيةٍ، ومن قبائل عربية معروفةٍ مشهورة، وهذا يرد ما تناقله المؤرخون من توجيهات الإمام إبراهيم بن محمد علي العباسي بقتل العرب ومن يتكلم العربية بخراسان، وهذه الادعاءات لتزداد الأحقاد بين أصحاب العصبيات، وليُبرهنوا أن الدولة العباسية قد قامت على أكتاف الفرس، على حين كانت الدولة الأموية
عربية، واعتمدت على العرب، فكيف يكون كبار الدُعاة من العرب، ثم يقتلون العرب؟.

وكيف يقتلون من يتكلم العربية بخراسان، ويختار الدُعاة من أفذاذ علماء العربية؟ إِنّ هذا لا يستقيم أبداً، ولكن العباسيين اعتمدوا على من أخلص لهم سواء أكان عربياً أم فارسياً أم تُركياً، إذ يذكر المؤرخون أن إبراهيم بن محمد حين وجّه أبو مسلم الخراساني إلى خراسان (128 هجري).

أوصاه فقال له: (انظر هذا الحي من اليمن فقوم بإلزامهم، واسكن بين أظهرهم، فإنْ الله لا يتم هذا الأمر إلا بهم، واتهم ربيعة في أمرهم، وأما مُضر فإنهم العدو القريب الدار، واقتل من شككت فيه، وإن استطعت أن لا تدع بخراسان من يتكلم العربية فافعل، وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، ولا ُتخالف هذا الشيخ ‏ يعني سليمان بن كثير، ولا تعصه، وإذا أشكل عليك أمر فاكتف به مني).

وتمَّ توضيح هذه النقطة أنَّ خرسان لم تكُن فارسية، محضةً كما يتصور المؤرخون وإنما كان يسكُنها ترك وفُرس، وعرب، فهي في الأصل بلاد الترك، وقد حكمها الفرس قبل الإسلام فانتشروا فيها، ثم فُتحت فقطن فيها العرب أيضاً. أما فارس فهي المنطقة المحصورة بين
مكران، وكرمان، وصحراء لوط، والخليج العربي، ومنطقة الجبال، الآن في بلاد التركمان، التي تخضع للروس، وكلمة التركمان تعني الترك، وخراسان منطقة واسعة تقع اليوم في ثلاث دول وهي:

1- أفغانستان: وتشمل الجزء الشمالي منها حتى نهر جيحون، ومن مدنها: بلخ، وهراة.

2- إيران: وتشمل الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، ومن مدنها: نيسابور، وطوس، وسرخس.

3- التركمان: وتشمل الأجزاء الجنوبية الغربية من تُركستان والقريبة من الحدود الإيرانية والأفغانية، ومن مدنها: مرو، وبيهق، وأبيورد، وعشق أباد.

وعلى هذه فكلمة خراسان ليست مُقترنة بالفُرّس كما يتوهم بعضهم، وإنما سُكانها مزيج، ولمّا كانت إقليماً واسعاً وعلى ثغور بلاد الترك الذين كانوا بحرب دائمة مع المسلمين، والغزو ما انقطع عن بلادهم مُدةً طويلةً من الزمن لذا كانت لها أهميتها، وعاملها له شأن بين الولاة، وتتركز عليه الأضواء، ولما كانت خراسان في المشرق فالفكرة سادت على أنها فارس التي تقع أيضاً في مشرق الدولة. وهذا ما نلاحظه أيضاً في جهات أخرى فمع أن قاعدة العراق قد أصبحت مدينة واسط مُنذ أيام الحجاج إلا أننا نتصورها الكوفة لما تقع فيها من أحداث، ولكثرة الحركات فيها.

بداية الدعوة العباسية وأهم دُعاتِها:

وبدأت الدعوة العباسية تنطلق بهدوء، وفي عام (105 هجري)، مات داعي الدعاة في الكوفة، وهو ميسرة العبدي، فاختار محمد بن علي مكانه بكير بن ماهان الذي خدم الدعوة خدمةً كبيرةً، وكان ثرياً، فلم يبخل بماله على الدعوة أبداً، واستمر في عمله حتى توفي عام (127 هجري). وبدأت آثار الدعوة العباسية تظهر في خراسان، وبدأ بعض رجالاتها يُعرفون حيث تجاوزوا المرحلة السرية.

وتمكن والي خراسان أسد بن عبد الله القسري أن يقبض على أبي محمد الصادق (أبو عكرمة السراج)، ومحمد بن خنيس وعدد من أصحابهم فقتلهم، ونجا منهم عمّار العبادي فنقل خبرهم إلى بكير بن ماهان، وكتب هو بدوره إلى الحميمة، وذلك عام (107 هجري). وجاء إلى خراسان زياد أبو محمد داعيةً لبني العباس، إلا أن أسد بن عبد الله القسري قد قُبض عليه مع عشرة من أهل الكوفة وقتلهم عام (109 هجري).

وعُزل أسد بن عبد الله عن خراسان، وقد كان متعصباً لليمانية الذين يُشكلون نسبةً كبيرةً بين عرب خراسان، وبهذه العصبية كانت تنقل إليه أخبار أنصار بني العباس، وخلفه الحكم بن غوانة، ثم أشرس بن عبد الله السلمي، ولم تكن عصبيتهما واضحة، كما أن أولهما لم تزد مُدة حكمه في خراسان على عدة أشهر، وكان قد استنابه عليها أسد بن عبد الله، أما ثانيهما، وهو الذي ولّاه على خراسان الخليفة هشام بن عبد الملك، وكان فاضلاً خيراً.


وأول من اتخذ المُرابطة بخراسان، وتولى أمور البلد بنفسه صغيرها وكبيرها، وفرح به الأهلون، ولم تطل مُدته على السنتين إذ عزل عام (111 هجري)، وتولّى أمر خراسان الجنيد بن عبد الرحمن. والمدة القصيرة لا تُمكّن الوالي من معرفة دقائق أمور ولايته، ومتابعتها، ومُلاحقة أهل الأهواء فيها، وطرق ذلك.

وهذا ما جعل الدعوة تعود إلى نشاطها، ومحاولة ظهور أفرادها. كان الجنيد بن عبد الرحمن صاحب عصبيةً مُضريةً، وتمكن من ملاحقة دُعاة بني العباس، ولكنَّ الخليفة هشام قد غضب عليه لأنه تزوج الفاضلة بنت يزيد بن المهلب، فعزله، وولّى مكانه عاصم بن عبد الله الهلالي، ولكن لم يكد يصل عاصم إلى خراسان حتى كان الجنيد قد توفي بسبب مرض ألم به في بطنه عام (116 هجري).

واقترح عاصم بن عبد الله بعد مّدةٍ على الخليفة أن خراسان لا تصلح إلا بضمّها للعراق، فأخذ برأيه، وعزله عنها، وعاد فضمّها إلى والي العراق خالد بن عبد الله القسري مرةً ثانية، ولم يستدر العام على ولاية عاصم على خراسان بعد، ولكن أخذ خالد بن عبد الله القسري لنواب الجنيد أخرج عليه الحارث بن سريج، وجرت بينهُما حروبٌ كثيرة.

وعاد أسد بن عبد الله القسري إلى خراسان نائباً عن أخيه خالد بن عبد الله أمير العراق، والذي عادت خراسان فضَمّت إليه، وعاد إلى عصبيته اليمانية، ولاحق دُعاة بني العباس، وتمكن من إلقاء القبض على كبارهم: سليمان بن كثير، ولاهز بن قريظ، وموسى بن كعب، ومالك بن الهيثم، وطارق بن زريق، وخالد بن إبراهيم وغيرهم، وذلك عام (118 هجري)، ولكن هؤلاء قد عرفوا عصبية أسد فكلموه بها فقّال له: سليمان بن كثير الخزاعي: (إنا أُناس من قومك، وإنما هذه المضرية إِنّما رفعوا إليك هذا لأنَا كنا أشدّ الناس على قُتيبة بن مسلم).

ولما اشتدَّ أسد بن عبد الله عليهم كان لا بُدَّ لهم من أن يلجؤوا إلى السرية التامة، ويخضعوا لدور الإخفاء والكتمان، ولما كانت رجالاتهم قد عرفوا حين ألقي القبض عليهم، وعرضوا على الأمير، لذا كان لا بد من تغيير العاملين، واستبدال الذين عُرفوا برجال لم يعرفوا بعد، ولهذا فقد أرسل بكير بن ماهان داعية جديداً إلى خراسان، وهو عمّار بن يزيد، وقد تسمّى باسم (خداش)، فدعا الناس إلى إمامة محمد بن علي العباسي.

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر الجزء الثاني صفحة (43 – 48)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: