علاقة الفوضى الاجتماعية في الأحياء بارتكاب الجريمة

اقرأ في هذا المقال


إنّ فكرة أنّ الأحياء والاضطرابات الاجتماعية قد يكون لها تأثير أو على الأقل لها علاقة بارتكاب الجرائم ليست فكرة مبتكرة أو حتى فكرة جديدة، فيعود تاريخ هذه الدراسة إلى كل من البلجيكيين غيري وكويتيليت اللذين لاحظوا أنماط الاعتقال في فرنسا ليتم توزيعها بشكل غير عشوائي، وعلى الرغم من أنّ غيري وكويتيليت قاما بواحدة من أولى الروابط التجريبية بين معدلات الجريمة الإقليمية والظروف الاجتماعية إلّا أنّهما لم يقدموا تفسيرًا نظريًا مفصلاً لنتائجهم، وقد أدى ذلك إلى طرح السؤالين التاليين: الأول لماذا ترتفع معدلات الجريمة في بعض الأماكن عن غيرها؟ والثاني ما هي الآليات التي تفسر مثل هذه الأنماط؟

الجريمة ونظرية الفوضى الاجتماعية

واحدة من النظريات الكلاسيكية التي تحاول فهم النمط غير العشوائي والمنهجي للجريمة في المناطق والمدن التي أنشأها كل من شو وماكي (Shaw and McKay)، وبالاعتماد على العديد من الأفكار الموجودة من الإيكولوجيا الاجتماعية تم إنشاء الصياغة الكلاسيكية لنظرية الفوضى الاجتماعية التي وضعها شو وماكي لشرح الجريمة في الأماكن أو حسب الأحياء، وعلى عكس كونها نظرية للتورط الفردي في الجريمة والانحراف تحاول نظرية الفوضى الاجتماعية شرح ما يجعل جريمة الحي عرضة للجريمة.

ومن خلال رسم خرائط لبيانات جنوح الأحداث حول المواقع السكنية للشباب المحالة إلى محكمة الأحداث، قدم شو وماكي عدة ملاحظات فيما يتعلق بالأحياء وتوزيع الجريمة في شيكاغو، حيث خلصت هذه الملاحظات بأنّ هناك توجه منظم في توزيع الجنوح في شيكاغو، أي أنّ معدلات الجنوح كانت الأعلى في أحياء الطبقة الدنيا والتي كانت متاخمة لمناطق صناعية بها العديد من المباني البغيضة الملعونة.

تتكون هذه الأحياء من الطبقة الدنيا من نسب كبيرة من العائلات التي تتلقى مساعدات عامة ونسبًا منخفضة من العائلات التي تمتلك منازل، وهذه المناطق نفسها بها بعض من أعلى معدلات التسوس الجسدي ووفيات الأطفال والبغاء وإدمان المخدرات وإدمان الكحول والسل.

كما أنّه على مدى عقود عديدة لاحظ شو وماكي أنّ هذه الأحياء استمرت في تحمل معدلات عالية من الانحراف ومعدلات الجريمة المرتفعة، في حين تغيرت تركيبتهما العرقية والإثنية بشكل كبير، وعلى الرغم من وجود علاقة بين معدلات الجنوح في الأحياء وتركيزات أرباب الأسر المولودين في الخارج والأمريكيين من أصل أفريقي، لم يستنتج شو وماكاي أنّ الأمريكيين الأفارقة أو المهاجرين كانوا أكثر عرضة من البيض للانخراط في الجريمة، وتشير هذه الاستنتاجات إلى أنّ ظروف الحي انتصرت على الفروق الفردية كعوامل تفسر سبب ارتكاب الناس للجريمة.

الجريمة ومحددات الفوضى الاجتماعي

فسر شو وماكاي ملاحظاتهما على أنّها نتيجة لمناطق غير منظمة اجتماعيًا تقوض السيطرة على الفوضى الاجتماعية والجريمة، وجادلوا بأنّ المناطق غير المنظمة اجتماعياً غير قادرة على إدراك القيم المشتركة لسكانها أو التوصل إلى قرارات بشأن كيفية التعامل مع مشاكل المجتمع ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى التواصل والقيم المشتركة، فحددوا ثلاثة مؤشرات غير مباشرة للاضطراب الاجتماعي:

1- عدم الاستقرار السكني.

2- الفقر.

3- عدم التجانس الإثني والعرقي والتي قالوا إنّها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، أي أنّ المناطق ذات الكثافة الأعلى لأحدها بها أيضًا معدلات أعلى من المناطق الأخرى من حيث معدلات الجريمة ويتجلى ذلك في أنّه:

1- أولاً الأحياء التي بها عدم استقرار سكني مرتفع لديها معدل دوران سكاني مرتفع حيث ينتقل الأفراد إلى الداخل والخارج بسرعة، ويؤدي عدم الاستقرار هذا إلى القليل من الاستثمار في المجتمع من قبل السكان من حيث أنّهم لا يهتمون بمظهر الحي أو تحسينه، بالإضافة إلى ذلك فشل معدل الدوران المرتفع هذا في توفير الوقت للسكان للتعرف على بعضهم البعض، مما أدى إلى انخفاض الشعور بحسن الجوار والفشل في التعرف على أطفال جيرانهم، وعندما يكون الأطفال في هذه الأحياء بعيدًا عن أنظار مقدمي الرعاية الأساسيين فمن المرجح أن يكونوا تحت السيطرة الدنيا أي تقل السيطرة عليهم.

2- ثانيًا على الرغم من أننا نفكر في التنوع باعتباره شيئًا جيدًا هذه الأيام إلّا أنّ التباين الإثني والعرقي لم يُنظر إليه في شيكاغو على أنّه شيء جيد على الأقل فيما يتعلق بالجريمة، حيث يشير التباين الإثني والعرقي إلى أنّ الحي يسكنه أعراق ولغات وثقافات متنوعة مما يخلق حواجز تعزل المجموعات عن بعضها البعض، مما يضع قيودًا على التفاعلات الهادفة التي يمكن أن تعزز القيم والأهداف المجتمعية المشتركة، وفي الأحياء غير المنظمة اجتماعيًا كانت المجموعات العرقية والإثنية المختلفة معروفة بعزلها وتفاعلها مع بعضها البعض بأقل قدر ممكن وعلى هذا النحو انخفضت خطوط الاتصال وازداد الفوضى.

3- أخيرًا لا تملك الأحياء الفقيرة موارد كافية مما يجعل من المستحيل تقريبًا التعامل مع مشاكل المجتمع.

الجريمة وعلاقتها بالفوضى الاجتماعية

يتمثل أحد القيود الرئيسية لبحوث شو وماكي في أنه لم يسمح لهم باستخلاص استنتاجات حول كيفية ارتباط الفوضى الاجتماعية بالجريمة، لأنّهم كانوا قادرين على قياس الفوضى الاجتماعية فقط باستخدام وكلاء، واقتصرت مقاييسهم لهذا المفهوم على الجوانب الهيكلية غير المباشرة للأحياء (على سبيل المثال الفقر وعدم الاستقرار السكني)، وفقط من الناحية النظرية كانوا قادرين على القول بأنّ الفوضى الاجتماعية كانت القوة الكامنة وراء العلاقات بين الجوانب الهيكلية للأحياء والجريمة.

ما هي الفوضى الاجتماعية

كان سامبسون وجروفز من بين أول من أقر بأن شو وماكي لم يوضحوا بشكل كافٍ الاختلافات بين الاضطراب الاجتماعي وأسبابه وعواقبه، عرّف سامبسون وجروفز الفوضى الاجتماعية على أنّها عدم قدرة الحي على تحقيق الأهداف المشتركة لسكانه والحفاظ على ضوابط اجتماعية فعالة.

ولقد طوروا واختبروا نموذجًا للاضطراب الاجتماعي اقترح عدة فرضيات تألفت إحداها من التأثيرات غير المباشرة للخصائص الهيكلية للحي على الجريمة، واقترحوا أنّ الخصائص الهيكلية (على سبيل المثال عدم الاستقرار السكني والفقر وتمزق الأسرة وعدم التجانس الإثني والعرقي) تؤدي إلى عدم التنظيم الاجتماعي في الحي والذي بدوره يتنبأ بالجريمة.

مؤشرات الفوضى الاجتماعية

حدد سامبسون وجروفز ثلاثة مؤشرات للفوضى الاجتماعية:

1- شبكات الصداقة المحلية الضعيفة.

2- المشاركة التنظيمية المنخفضة.

3- مجموعات المراهقين غير الخاضعة للإشراف.

كان هذا تحسنًا من دراسات عدم التنظيم الاجتماعي المبكرة لأنّ الفوضى الاجتماعية كانت أقرب إلى القياس وكانت آثارها على الجريمة أقرب إلى التقدير، واستخدم سامبسون وجروفز تقارير ذاتية عن الجرائم وبيانات الإيذاء من الأفراد المقيمين داخل الأحياء متغلبين على المشاكل المتأصلة في استخدام شو وماكي لبيانات الجريمة الرسمية، علاوة على ذلك فإنّ متغيرات عدم التنظيم الاجتماعي الخاصة بهم توسطت إلى حد كبير في تأثيرات الخصائص الهيكلية على الجريمة، وتم تكرار هذه الدراسة بعد عقد من الزمن وكانت النتائج متسقة للغاية مع تلك الموجودة في الدراسة الأصلية.


شارك المقالة: