موقف الملك عبد العزيز آل سعود من القضية الفلسطينة وعلاقته ببريطانيا

اقرأ في هذا المقال


العلاقات البريطانية السعودية:

هناك علاقة ثتائية تجمع بين الدولة السعودية والمملكة المتحدة. حسب الحكومة البريطانية فقد كانت الدولة البريطانية الكبرى والسعودية حليفان مترابطان منذ زمن طويل، تعود نشأة العلاقات الثنائية بين البلدين منذ بداية الحرب العالمية الأولى عندما وقع ابن سعود معاهدة دارين في الموافق من 1915 مع الحكومة البريطانية، ومن ثم قبل بوضع الحماية البريطانية.

في 20 مايو 1927، عقدت الحكومة البريطانية ومملكة نجد اتفاقية إضافية، معاهدة نجد وكانت المملكة المتحدة من أولى البلدان التي اعترفت عام 1927 بالوفد الدبلوماسي في البلاد. افتتحت السعودية سفارتها في لندن عام 1930، والتي كانت ثاني كيان سياسي سعودي في الخارج وكان تحت قيادة حافظ وهبة.

إنّ للمملكة المتحدة سفارة في مدينة الرياض، والمملكة المتحدة والدولة السعودية هما حليفان سياسيان. وهناك ما يزيد 200 شركة مشتركة ما بين الشركات السعودية والبريطانية، تصل قيمتها الإجمالية إلى 17.5 بليون دولار، ويوجد الكثير من المواطنين البريطانيين يعيشون ويعملون في السعودية حيث يقدر عددهم في 30.000. والسعودية هي الشريك التجاري الرئيسي للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط.

كان هناك حذراً كبير  يحيط في السرية في السفر إلى مصر الذي قام بها الملك عبد العزيز  للقاء ونستن تشرشل والقائد الأمريكي فرانكلين على متن المدمرة مرقى، فلم يكن بيعلم بتوجه هذه الرحلة ولا طبيعتها سوى 5 من الأشخاص في السعودية. وهم الملك نفسه، العميد وليام إدي أول مبعوث أمريكي مطلق الصلاحية في السعودية، وموظف شفرة، سكرتير الملك الخاص والرئيس روزفلت الذي نجح في إخفاء معلومات الاجتماع عن المخابرات البريطانية في حين أنه أبلغ تشرشل فقط بها.

علاقة الملك عبد العزيز مع الدولة البريطانية:

كان عهد الملك عبد العزيز رحمه الله يدخل في أحداث عالمية كبيرةً، ولم تكن المنطقة العربية بعيدة عن تلك الأحداث لذلك تأثرت في ذلك. ففي عصر الملك رحمه الله كانت الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، وكلاهما حرب عالمية حدثت على الإِنسانية الكثير من الأضرار الكبرى في أنحاء المنطقة، وعندما اشتعلت الحرب العالمية الأولى كانت المنطقة العربية في معظمها من المشرق العربي والمغرب العربي تحت سلطان الاستعمار العالمي البريطاني والفرنسي في معظم الأحيان، بينما كانت بعض الدول، مثل ألمانيا تتطلع إِلى الاستفادة من المغانم من منطقة الخليج، ومن شبه الجزيرة العربية.

وعند انتهاء الحرب العالمية الأولى سنة ١٣٣٧ هجري الموافق ١٩١٨ميلادي كان الملك عبد العزيز منشغلاً في توحيد المملكة ومواجهة التقسم والتشتت  التي تمر بها الدولة، إِلى جانب مقاومة النفوذ الأجنبي ممن كان لهم مصالح قائمة أو محتملة في شبة الجزيرة، وكان الأمر يحتاج من الملك إِلى سياسة حكيمة يستفيد منها في تحقيق أهدافه الكبرى التي شغلت حياته كلها، وهي حماية عقيدة التوحيد وإِقامة شريعة الإسلام، والعمل على وحدة المملكة.

ولذلك لم يشغل الملك نفسه في الوقوف بمواجهة البريطانيين حيث كان لهم نفوذاً واسعة في المنطقة، إذ كانوا يسيطرون على مصر والعراق والكويت وغيرها من إِمارات الخليج، ويقومون في بسط نفوذهم في هذه المناطق، ولم يكن من الحكمة أن ياقيهم بالمواجـهة أو العداوة واحتاج ذلك من الملك إِلى الحكمة والصبر والذكاء.

فقد كان البريطانيون يطمعون في أن يقف إِلى جانبهم في الحرب العالمية الأولى كما فعل الشريف حسين، ولكن الملك اتخذ سياسة أحكم فلم يدخل نجد أو المناطق التي يسيطر عليها في أثناء الحرب ولا أغرته الوعود مثل غيره  وكان وقت الحرب منشغلاً براحة شعبه، وتحقيق حاجتهم من متطلبات الحياة، بينما كان العالم في الحرب مهموماً بمآسيها، وكوارثها لعدة سنوات.

تسلسل الأحداث السياسية بين الملك والدولة البريطانية:

تتمثل سياسة الملك المتميزة في الحنكة والذكاء ما ورد في خطبة لنائبه الملك فيصل في موسم الحج عام ١٣٥٩هجري ١٩٤١ميلادي: ” لا يجهل أحد ما فيه العالم اليوم من نكبات ومحن، حتى البلاد التي لم تشترك في الحرب لا تخلو من أزمات اقتصادية وغيرها، أما نحن فلله الحـمد من أسـعد الناس، وهذا لا شك من نعم الله التي تستوجب الشكر “.

إنّ أهم ما يشغل بال الملك هو وضع البلاد العربية وإِنقاذهم مما يعانون، يقول الملك عبد العزيز في خطبة له بمكة سنة ١٣٥٩هـجري: ” كل ما ندعو إِليه هو جمع كلمة المسلمين واتفاقهم، ليقوموا بواجبهم قبل أنفسهم وقبل بلادهم، يهمنا أمر إِخواننا السوريين، وأمر إِخواننا الفلسطينيين، وأمر إِخواننا العراقيين، وإِخواننا المصريين، وأخاطب إِخواننا في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، فأقول لهم: إِن المصلحة واحدة والنفوس واحدة”.

كان البريطانيون منذ علو مكانة عبد العزيز آل سعود يحرصون على مصادقته ويعلل سبب ذلك إِلى إِعجابهم في شخصية الملك وتوقعهم قدراته لزعامته العربية، وقد قام في زيارته في بلاده بعض قادة البريطانيين، حيث أبدوا إِعجابهم في شخصية الملك، كما أرسل الملك ابنه فيصل إِلى بريطانيا في شهر شوال سنة ١٣٦٢هجري ـ ١٩٤٣ ميلادي واستقبل هناك استقبالاً يليق به وبمكانة أبيه، وكان الملك عبد العزيز شأن المسلم الصادق لا يتردد في الاعتراف بما قدمه له البريطانيون من المساعدات في أثناء كفاحه لتوحيد المملكة.

وعندما طلب البريطانيون من الملك أن ينسحب بجيوشه بعد هزيمته على جيش الشريف حسين في عام ١٣٣٧ هجري الموافق ١٩١٩ ميلادي من الخرمة قام  الملك في العودة إِلى الرياض وقد في ذلك سياسة الحكمة، حتى أذن الله بأن يعود إِلى الحجاز كلها وذلك من بعد النظر وتفادي الخطر والابتعاد عن الاصطدام في الأعداء، في وقت كان الملك فيه يملك الكفة الراجحة وتخدمه أيام نصره وتوفيقه.

وهكذا غدت العلاقة بين البريطانيين وبين الملك علاقة تقوم على الاحترام يدفع البريطانيين إِليها الرغبة في حفظ مصالحهم، ويدفع الملك إِليها تجنب عداوتهم والاستفادة من مساعدتهم. ولكن ذلك لم يمنع الملك فيما بعد حين تتعرض مصالح المسلمين، أو العرب للخطر من المواجهة حتى مع الأصدقاء.

موقف الملك عبد العزيز من القضية الفلسطينة:

كان هاري سانت جون فلبي البريطاني على علاقة قوية بالملك عبد العزيز بعد أن قام في الإِسلام، واستقر في المملكة وكان يذهب في زيارة الملك في الرياض ومكة، ورافقه الملك في بعض رحلاته وأسفاره واستشاره في بعض الأمور الخارجية، بعد أن ترك خدمة الحكومة ولكن مع ذلك حين حاول فلبي التوسط في قضية فلسطين، وكانت الأمور لا تزال في بدايتها أخفق في وساطته، وكان سبب الإِخفاق أن الملك عبد العزيز لم يكن ليقبل ما يمس حقوق العرب والمسلمين، ونصح فلبي أن لا يتطرق إِلى هذا الموضوع على الرغم مما بذله الأخير من محاولات لإِثارة اهتمام الملك.

قد كـان الملك يتمتع  في الذكـاء والقوة السياسية والتجارب التي مرت به أكبر من أن يستغله أحد حتى لو كان من مستشاريه إِلى شيء لا يرضاه للعرب والمسلمين، فالمعروف عن الملك أنه كان مصدر المعرفة والتوجيه لمستشاريه وخاصته. وقد التقى الملك عبد العزيز رئيس وزراء بريطانيا السير ونستون تشرشل، كـما التقى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية روزفلت، في الثاني من ربيع الأول سنة ١٣٦٤ هجري في  (٥ فبراير سنة ١٩٤٥ميلادي)، وأُعجب الرئيس الأمريكي أشد الإِعجاب بشخـصية الملك وعبر له عن ذلك صراحة.

وتدل الرسائل التي جرت بين الملك، وبين الرئيس الأمريكي على أنّ الملك مقتنع بالظلم الذي وقع على شعب فلسطين من جراء استيلاء اليهود على أرضهم ودورهم، وأنه رحمه الله مقتنع حينما تحدث إِلى الرئيس الأمريكي بشأن ذلك حديث الواثق بالله، المعتز بإِسلامه والمدافع عن العرب والمسلمين.

وفي هذه الرسائل يبدو أن هناك أمران من الأهمية: الأول: أنّ ما توقعه الملك من اضطراب الأحوال في المنطقة، بسبب عدوان اليهود واعتدائهم على حقوق الشعب الفلسطيني، والإِضرار بمصالح بريطانيا، وأمريكا في المنطقة بسبب الانحياز  إِلى اليهود، قد حدث بحذافيره بعد وفاة الملك، وما زال حتى الآن يحدث كل يوم.

وكان الأمر الثاني هو: أن كتب الملك ورسائله إِلى الرؤساء من البريطانيين والأمريكيين، تناولت المسألة من جذورها وأبطلت كل الحجج التي تسمح  للغرب في مساندة العدوان على المسلمين، والشعب الفلسطيني، وأن الملك كان في رسائله حول المشكلة عربي ومدافعاً كبيراً عن مصالح العرب والمسلمين، وهو طابع لا يجعل من حل القضية كارثة على طرف منها وفائدة محققة بلا ثمن، ولا مسوغ للطرف الآخر.

إِنّ ما قام به الملك في الرسائل التي وجهها إِلى الأمريكيين وكبار الدبلوماسيين والمسؤولين البريطانيين، تعد حتى هذا اليوم أفضل الأساليب وأقواها عند مناقشة المشكلة مناقشة موضوعية تتصف بالعدل. ولكن يبدو أن العالم لم يعد يهتم بالعدل أساساً، وأنّ المصالح والمغانم أياً كانت وسيلة تحقيقها وتحصيلها هي الأساس في التعامل مع قضية شعب فلسطين.


شارك المقالة: