علم الاجتماع عند ألبرت هيرشمان:
تشهد حياة ألبرت هيرشمان على مآسي وهموم جيل ولد في ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، فقد ولد عام 1915، وشهد بالتالي صعود النازية، فهرب من برلين، ها هو في فرنسا بعمر الثامنة عشر سنة طالب في السوربون ثم في مدرسة الدراسات التجارية العالية، وبعدها سجل في مدرسة لندن للاقتصاد قبل أن يحصل على لقب دكتور من جامعة تريست، خدم حينئذ في الجيش الفرنسي قبل أن يلحق عام 1941 بالولايات المتحدة.
كلف هيرشمان كمستشار اقتصادي في مشروع مارشال لدى مجلس الادخار الفدرالي، ثم كخبير في كولومبيا، ومن هاتين التجربتين أصدر كتباً ستؤمن له منذ الخمسينيات شهرة واسعة، أصبح أستاذاً للاقتصاد والعلوم الاجتماعية في أكبر الجامعات الأمريكية، ييل، كولومبيا، هارفارد، ثم أستاذ شرف في جامعة برنستون.
يعتبر هيرشمان أحد رواد اقتصاد النمو في علم الاجتماع، وهو الذي ساهم في بنائه غداة الحرب العالمية الثانية، فمقابل نظرة لنمو خطي ومتوازن، متحرك عن طريق المنظم الذاتي للسوق، تناول هيرشمان على العكس الاقتصاد بتعابير التوتر والخلل وعدم التوازن، وفي كتاب استراتيجيا النمو اللا متوازن، يشير إلى أن سياسة النمو تفترض استثمارات بشكل متقطع، وتتابعات مختلفة حيث يتم التشديد على البنى التحتية والصناعة، وبخصوص النمو في سيرتاو البرازيلية أظهر كيف ترتبط المشاكل في سلسلة، أولاً البنى التحتية من طرقات وسدود، ثم السياسية وهي مقاومة الملاكين الكبار، ثم التقنية.
تقوم استراتيجية النمو غير المتوازن على تشجيع خلق أنشطة من خلال مواجهة مضطردة مع الصعوبات والمآزق في الطاقة وفي المنتجات الصناعية وأيضاً في التكنولوجيا، إذن النمو عملية صراعية وغير مستقرة تترجم احتياجات وبزيادات في النفقات، وتكون تأثيرات التدريب وحلقات التفاعل في قلب دينامية المدى الطويل.
في الواقع إنّ اهتمام هيرشمان بالعلاقات الاقتصادية البحتة أقل من اهتمامه بسلوك الفاعلين وباستراتيجيتهم وبالصراعات بين القوى الاجتماعية، وهكذا فإنّ صاحب مشروع صناعي، يمكن أن يمارس ضغطاً على أصحاب القرار العمومي من أجل بناء طريق يحتاج إليه، في حين أن البيروقراطي الذي يسعى إلى إنشاء الطريق، ليس له فرصة كبيرة لدفع الصناعيين إلى الاستثمار.
يرى هيرشمان أنّ القدرة على اتخاذ القرارات هي الوسيلة الرئيسية النادرة في البلاد قيد النمو، فبعض الأنشطة تجبر الفاعلين على أن يتخذوا القرارات التي تعتبر ضرورية من دون أن يستشفوا ذلك فعلاً وعن طريق ضغوط خلاقة تحرض القدرة على الاستثمار، إنّ النمو غير المتوازن يترك هامشاً كبيراً لقرارات الاستثمار المحرضة وبذلك يوفر ويقتصد الوسيلة النادرة قابلية اتخاذ القرارات.