اقرأ في هذا المقال
على الرغم من أنّ المؤلف بيكاريا كان لديه نظرية واضحة في صياغة القوانين إلّا أننا لم نر اهتمامًا كبيرًا بهذا الموضوع في هذا الحساب لتطور علم الإجرام، وفي حين أنّ نظرية القانون لم تكن محط تركيز علم الإجرام فإن صنع القانون كان، ويهتم علم الإجرام بجميع أشكاله الأولية بخرق القانون، ومع ذلك نحن نعلم أنّ القانون الجنائي ليس مفهوماً علمياً بل بدلا من ذلك هو خلق قانوني أو سياسي، ولا يوجد علم آخر يشبه علم الإجرام من حيث أنّ موضوعه الأساسي للدراسة محدد خارج مجال الدراسة.
مناهج صناعة القانون فب علم الجريمة
لا تحدد الهيئات التشريعية عناصر الذرة أو المجموعات أو التفاعلات أو السلوك الاقتصادي، ولكنها تعرف الجريمة وتختلف هذه التعريفات عبر الزمان والمكان، وبالنسبة لبعض الناس هذا يعني أنّ علم الإجرام غير ممكن، حيث بالنسبة للآخرين فإنّه يحدد ببساطة مجموعة أخرى من القضايا التي يجب على علم الإجرام معالجتها بما في ذلك ما هي الجريمة؟، وتوجد ثلاثة مناهج متميزة للإجابة على هذا السؤال في تاريخ علم الإجرام وهم:
النهج القانوني
خلال معظم الوقت الذي كان يتم فيه تطوير مجال علم الإجرام افترض الناس أنّ الجريمة كانت سلوكًا تم الحكم عليه على أنّه انتهاك للقانون الجنائي أي النهج القانوني، وربما تم التعبير عن هذا بشكل أوضح من قبل بول تابان (Paul Tappan) في عام 1947 عندما لاحظ أنّ الجريمة هي فعل متعمد ينتهك القانون الجنائي (التشريعي والسوابق القضائية)، ويرتكب دون دفاع أو عذر ويعاقب عليه من قبل الدولة كجناية أو جنحة، ويرتبط بهذا النهج لتعريف الجريمة الموقف القائل: “بأنّ المجرم لا يُعرف إلّا عندما تحدد سلطة الدولة المشكلة حسب الأصول، وأنّ الشخص قد انتهك القانون”.
فقط عندما يكون الشخص مدانًا يكون مجرمًا، وبالتالي فإنّ أي سلوك محظور بموجب القانون ويحكم أنّه قد حدث من قبل سلطة مشكَّلة حسب الأصول يعتبر جريمة وموضوعًا لدراسة علم الجريمة، فمن الواضح في هذا النهج من السهل قياس الجريمة تجريبياً ولكنها تعاني من نسبية القانون الجنائي وعمل نظام العدالة الجنائية، ويجب أن تكون تفسيرات الجريمة مرتبطة بالنظام القانوني والفترة التاريخية ولا يمكن أن يكون لها مكانة التفسيرات العلمية (أي العالمية).
النهج الاجتماعي
خلال الفترة التي سيطر فيها علم الاجتماع على علم الإجرام تم اقتراح نهج آخر كان يُعتقد أنّه يتجنب الطبيعة السياسية والنسبية للقانون الجنائي أي النهج الاجتماعي، وأوضح هذا النهج الذي أوضحه ثورستن سيلين (Thorsten Sellin) عام 1938 أنّ علم الإجرام يجب أن يوسع نطاقه ويأخذ في الاعتبار جميع انتهاكات قواعد السلوك، فقد لاحظ سيلين أنّ الحصر في دراسة الجريمة والمجرمين وقبول فئات من أشكال معينة من الجريمة والجريمة كما هو منصوص عليه في القانون يجعل البحث الجنائي باطلاً من وجهة نظر العلم.
كما اقترح أن يسعى علماء الجريمة بدلاً من ذلك إلى فهم أي اختلاف عن السلوك المعياري، وعلى الرغم من أنّ هذا النهج تجنب الطبيعة السياسية للقانون إلّا أنّه أدخل متغيرًا تابعًا أكثر نسبيًا للميدان وأزال جميعًا العلاقة بين دراسات السببية ومنع الجريمة ومكافحتها، وغني عن القول أن هذا النهج لم يتم اتباعه على نطاق واسع في علم الجريمة.
النهج القانوني الاجتماعي
يقدم النهج القانوني الاجتماعي طريقة لتجنب مشاكل النهجين الآخرين لتعريف الجريمة وموضوع الدراسة الجنائية، ويبدأ بملاحظة أنّ بعض السلوكيات يجب أن تسيطر عليها الدولة إذا كان للمجتمع أن يعمل ويوجد، ويجب السيطرة على القتل والاعتداء الجنسي وغير ذلك من أشكال القتل والسرقة بين المواطنين إذا كان المجتمع موجودًا.
كما لاحظ إدوين ليميرت (Edwin Lemert) في عام 1972 أنّه يحدث التفاعل البشري دائمًا ضمن حدود وهي: بيولوجية ونفسية وبيئية وتكنولوجية وتنظيمية، وتفسر هذه الأسباب لماذا يُرجح اعتبار أنواع معينة من السلوك غير مرغوب فيها أكثر من غيرها، وعمليًا ترفض جميع المجتمعات بدرجات وطرق متفاوتة سفاح القربى والزنا والاختلاط والقسوة على الأطفال والكسل وعدم احترام الوالدين والشيوخ والقتل والاغتصاب والسرقة والكذب والغش وما إلى ذلك من سلوكيات غير أخلاقية، ومن المحتمل أن يُحكم على أنواع معينة من الأفعال بأنها ضارة في أي سياق، وليس الأمر أنّ هذه تنتهك القواعد بل إنّها تدمر أو تخفض من مكانة أو تعرض للخطر القيم العالمية بطبيعتها.
فئات القانون الجنائي
يمكن تقسيم القوانين الجنائية إلى فئتين على الأقل وهما:
1- تلك التي تسعى للسيطرة على السلوكيات التي يجب السيطرة عليها إذا كان المجتمع موجودًا (مثل القتل).
2- تلك التي يعكس تنظيمها القيم والقرارات السياسية في مكان وزمان معينين (على سبيل المثال جرائم المخدرات).
لا يهتم علماء الإجرام بأصل الأول ولكنهم مهتمون جدًا بفهم سبب تجريم السلوكيات الأخرى وما إذا كان تجريم هذه السلوكيات يساهم في زيادة أو تقليل الجريمة، ويرتبط بالنهج القانوني الاجتماعي لتعريف الجريمة الادعاء بأنّ أفضل طريقة لقياس الجريمة والمجرمين هي من خلال الملاحظة المباشرة أو الاستجواب، وكفرد مهتم بعل الجريمة لا يجب الاعتماد على نظام العدالة الجنائية لقياس مستوى الجريمة (على سبيل المثال من التقارير إلى الشرطة) ولكن بدلاً من ذلك تسأل الجمهور مباشرة عن تجاربهم مع الجريمة (على سبيل المثال دراسات الإيذاء).
وبالمثل لا يجب تحديد من هو مجرم من خلال عمل نظام العدالة الجنائية (على سبيل المثال الاعتقال أو الإدانة) ولكن بدلاً من ذلك من خلال البحث عن دليل مباشر على السلوك (على سبيل المثال دراسات التقرير الذاتي)، وهذا مهم بشكل خاص لمهمة دراسة التطبيق التفاضلي للقانون على شرائح من السكان، وما يسمى هنا النهج القانوني الاجتماعي للقانون والجريمة هو وجهة النظر السائدة في علم الجريمة اليوم، على الرغم من أنّ الكثير من البحوث الجنائية تنتهك هذا المنظور وتقبل وسائل القياس الأسهل وهو: البيانات الرسمية.
مستقبل علم الجريمة والعدالة الجنائية
خلال الأربعين عامًا الماضية برز علم الإجرام كواحد من أكثر العلوم الاجتماعية ديناميكية وبالتأكيد الأسرع نموًا، واليوم يقف على أسس واضحة للالتزام بالصرامة العلمية ونظرية متعددة التخصصات للجريمة وتحسين عملية وعدالة نظام العدالة الجنائية، كما إنّه يقف بقوة على أكتاف العديد من الأفراد وأهمهم بيكاريا ولومبروسو، وعلى الرغم من أنّ التمويل الفيدرالي للبحوث الإجرامية قد تضاءل في السنوات الأخيرة، إلّا أنّ هناك كل الأسباب للاعتقاد بأنّها ستزداد عندما يصبح دور علم الإجرام في منع الجريمة ومكافحتها من خلال النظريات والأساليب القائمة على الأدلة معروفًا على نطاق واسع ومُحظى بالتقدير.
تم تطوير عدد قليل من المبادرات الرئيسية في القانون الجنائي والعدالة الجنائية خلال هذه الفترة دون تورط جنائي كبير، وضبط الأمن في النقاط الساخنة والشرطة الموجهة لحل المشكلات ورسم خرائط الجرائم وتحليلها وإرشادات إصدار الأحكام والمحاكم المتخصصة وبرمجة مرتكبي الجرائم الجنسية ونماذج فعالة لإعادة التأهيل وبرامج إعادة الدخول، ومشكلات التعرف على شهود العيان وإجراءات تشكيلات الشرطة والاستجوابات ودور الحمض النووي في المحاكم والشرطة والقائمة تطول وتطول، ولكن النقطة المهمة هي أنّ علم الإجرام يحدث فرقًا، وطالما أنّها لا تزال صارمة في الأساليب ومنهجية متعددة التخصصات وتسترشد بالالتزام بالعدالة فإنّها ستزدهر وتستمر في ظهورها كمشروع علمي حيوي.