كوارث مدن العراق في عهد السلاجقة

اقرأ في هذا المقال


انتشار الحرائق في مدن العراق في عهد السلاجقة:

في سنة (451 هجري)،‏ احترق جانب الكرخ من بغداد والذي أدى إلى احتراق خزانة الكتب الحاوية على عشرة آلاف مجلد وأربعمائة في مختلف العلوم منها مائة مصحف لخط ابن مُقلة والتي كانت تُسمى (دار العلم). وفي سنة (458 هجري)،‏ وقع حريق في نهر معلى وتلف من المال والعقار ما لا يحصى.

وفي سنة (467 هجري)،‏ احترقت بغداد وشمل الحريق دور نهر معلى، ومحلة المأمونية والظفرية ودرب المطبخ وباب الأزج ودرب خراسان ونهر طابق والقلائيت وباب البصرة. وفي سنة (485 هجري)،‏‏ احترق عقد الحدادين إلى خرابة الهراس ومات كثير من الناس حرقاً. وترك حريق سنة (487 هجري)،‏‏ البيوت في نهر طابق تلولا من الرماد. وفي سنة (493 هجري)،‏‏ وقع حريق في خرابة ابن جردة وهلك معظم سكانها.

لقد أدت تلك الحرائق التي تناقص أعداد السكان في بغداد وكان لتكرار الحرائق في المكان الواحد وهلاك أعداد كبيرة من سكانها كانت عامل طرد سكاني فأكثر الحرائق كانت متتالية كما حدث في السنوات (458 / 459 / 508 / 509 / 567 / 568 / 569 هجري).

إنَّ تكرارها وخلال فترات زمنية قصيرة قد أربك حياة الناس وجعلهم في خوف دائم فضلاً عن مدى تواطئ السلطة السلجوقية وعدم قيامها بإجراءات وقائية للحد من انتشارها فعملت العامة من السكان مهمة حماية نفسها، وأخذوا يحرسون بيوتهم.

انتشار الأوبئة والأمراض في مدن العراق في عهد السلاجقة:

شهدت هذه الفترة انتشار الأوبئة والأمراض والتي كانت شديدة الخطورة وبِتكرار مستمر في أيام الاحتلال السلجوقية والتي كانت غالباً ما تأتي عُقب المجاعات والحروب. إنَّ احتلال العساكر السلجوقية بغداد وبأعداد كبيرة فضلاً عن الدمار الذي جلبته تلك العساكر للقرى والمدن وتخريب مشاريع الري أدى إلى ارتفاع الأسعار سببت كثير من المجاعات، إنَّ تلك القوات قد شاركت الناس في غذائهم فأدت إلى حدوث زيادة مفاجئة في عدد السكان.

وبالتالي انعكس على توفير المواد الغذائية فزادت أسعارها بشكل مُضاعف فلحق الناس من ذلك أذى شديد وخصوصاً الفقراء، فسببت الوباء والموت وبسبب كثرتها كانت الجثث تدفن بدون غسل ولا تكفين وكانت الحفرة الواحدة تضم من أربع إلى خمسة موتى. انتشرت في مدن العراق العديد من الأوبئة و الأمراض ومات جراء ذلك أعداد هائلة من السكان في واسط والبصرة حتى أنَّ الحفرة الواحدة يوضع فيها ما بين العشرين إلى الثلاثين شخصاً.

إنَّ الأمراض والأوبئة التي حلت بالناس كانت تأتي دائماً عقب المجاعات التي تؤدي إلى موت أعداد كبيرة، من الناس، لقد شهدت فترة الاحتلال السلجوقي حالة من الغلاء الفاحش الذي انعكس على حياة الطبقات الفقيرة وأنَّ غلاء أسعار الأدوية وما يحتاجه المرضى جعلت من تناوله من قبل الفقراء صعب المنال فقد شهدت أعوام (448 / 456 هجري)،‏ زيادة في أسعار الأدوية، فضلاً عن سوء الذي عانى منه الفقراء لا سيما أنها لا تحصل على ما يكفيها من الغذاء فكانت نسبة ما يحصل عليه الفرد من البروتينات قليلة بسبب ارتفاع أسعار اللحوم أضعفت مقاومة الجسم للأمراض وخصوصاً الأطفال.

إنَّ معظم المستشفيات (المارستان)، قد أهملت وخرب أكثرها وكان أشهرها المارستان العضدي الذي استولى عليه الخراب ودثر ولم تفعل السلطة السلجوقية أي مبادرة أو فعل لإصلاحه، فقام أحد شيوخ بغداد أبو منصور بن عبد الملك بن يوسف بتعمير ذلك المارستان وجعل فيه عشرون طبيباً وثلاث من الخزائن واشترى له الأثاث والآلات الخاصة.

إنَّ الإهمال الذي أصاب مشاريع الري والسدود كانت عاملاً مهماً في انتشار الأوبئة والأمراض خصوصاً إنَّ هذه الفترة من الاحتلال شهدت فيضانات مدمرة في بغداد في الوقت الذي بدأت فيه مشاريع الري تضمحل شيئاً فشيئاً. لقد كانت تلك الفيضانات مرتعاً للجراثيم والأوبئة والتي اعتبرت من الأسباب الرئيسة لسوء الصحة العامة، ففي سنة (469 هجري)،‏ زادت دجلة وبلغت واحد وعشرين ذراع. فغرقت بغداد وكان سبباً في انتشار الأمراض فيها وكذلك واسط وقرى السواد وكثر الموت حتى أنَّ غلات أهل القرى بقيت بدون حصاد.

وعندما انفجرت البثوق في الفلوجة جلى أكثر سكان منطقة النيل، نتيجة الوباء ومات خلق عظيم من الناس وبقيت المحاصيل دون جني من جراء ذلك. شهدت بغداد خلال هذه الفترة انتشار مرض الطاعون الذي قضى على محلات كاملة وفرغت من ساكنيها، ففي سنة (476 هجري)،‏ وقع الطاعون في بغداد ومات خلق كثير من أهلها.

وفي سنة (478 هجري)،‏‏ انتشر الطاعون بشكل مُرعب وتعرضت بغداد ونواحيها إلى هذا المرض الخطير وفرغت قُرى من موت الفجاءة ثم انتشر الجدري في أطفالهم ثم تعقبه موت الوحوش في البرية ثم تلاه موت الدواب والماشية ثم قحط الناس وعزت الألبان واللحوم ثم أصاب الناس بعد ذلك الخوانيق والأورام والطحال. واستمر هذا الوباء ستة أيام مات أكثرهم في مساكنهم بقوا بدون دفن.

وعاد مرض الطاعون ليفتك بأهل بغداد سنة (479 هجري)، وكانت الحمى قد انتشرت وراح ضحيتها أعداد كبيرة من الناس. وفي سنة (493 هجري)، كثر المرض بالعراق وانتشرت الأوبئة ومما زاد الأمر صعوبة انعدام العقاقير. وانتشر مرض الجدري في بغداد سنة (498 هجري)،‏ مات فيه أعداد كثيرة من الصبيان وتبعه وباء عظيد.

وقد تعاقب حدوث الأوبئة والأمراض على أهل العراق فقد شهدت سنوات (517 / 518 هجري)،‏ انتشار الأمراض بسبب غلاء الأسعار وحدوث المجاعات والذي شمل مناطق عديدة من العراق من بغداد إلى البصرة.

وشهدت سنوات (530 / 543 هجري)،‏ حالة حصار بغداد أودت بحياة كثير من أهلها بسبب انعدام المواد الغذائية وغلائها، ثم حدوث المجاعة ففي حصار (530 هجري)، شهدت بغداد موجة من الأمراض والأوبئة وكان معدل الوفيات مائتي شخصاً يومياً.

انتشار السرقة واللصوصية في مدن العراق في عهد السلاجقة:

وفي حصار عام (543 هجري)،‏ شهدت العديد من القرى والأعمال أعمال نهب وتخريب من قِبَل عساكر الأمراء السلاجقة أدى إلى انعدام الأقوات في بغداد ثم المجاعة فالموت. وحصل الأمر نفسه في حصار(552 هجري).‏ وعقب ذلك الحصار فيضان بغداد سنة (554 هجري)،‏ الذي دمر الجزء الشرقي من بغداد مُخلفاً بدوره الخراب وحدوث الأمراض.

وفي ظل الاحتلال انتشرت ظاهرت اللصوصية التي وجدت الظروف مؤاتية لها من خلال اضطراب الأوضاع السياسية وفقدان الأمن واتصاف الجند السلجوقي بالفوضوية ومشاركتهم أعمال النهب والسرقة فكثير من اللصوص كانوا واثقين من نجاتهم وذلك مساندة الأمراء السلاجقة لهم والمعلومات الواردة تبين حقيقة ذلك الأمر، ففي سنة (448 هجري)، كثر اللصوص في بغداد يشاركهم في ذلك قوات السلطان السلجوقي فكثرت سرقة الدور والمحاول وكانوا يسرقون علنا في النهار (وخاف الناس خوفاً عظيماً).

وفي سنة (449 هجري)، اشتد خطر اللصوص في بغداد وكانوا إذا عجزوا عن سرق المكان حرقوه وكان صاحب الشرطة الحسن أبو الفضل محمد النسوي بقاسم اللصوص الأموال. حتى أنَّ أهل القرى نتيجة كثرة اللصوص لا يجيؤون إلى بغداد إلا والخفر معهم مخافة السرقة. وفي سنة (450 هجري)، كَثُرَ اللصوص وزاد عبث العساكر السلجوقية حتى كانت العمائم تخطف من الرؤوس.

وكانت هناك مناسبات يستغلها اللصوص والجند على حد سواء لإشاعة الفوضى في بغداد وخاصة عند مرض السلطان أو وفاته وكان الناس في بغداد يخافون ذلك الأمر لِمَا يجلبه من فوضى واعتداء عليهم سنة (485 هجري)،‏ كثر اللصوص في بغداد والمدن الأخرى في العراق نتيجة فقدان الأمن وانتشار الفوضى بسبب وفاة ملكشاه فهجموا على الحجاج وسرقوهم ثم نهبوا الكوفة وقتلوا أهلها. ولمّا توفي بركياروف خاف البغداديون أنّ يحدث اضطراب وحروب مما تهيأ الفرصة لحدوث عمليات سرقة.

وشهدت سنوات (492 / 493 هجري)،‏ ازداد أمر اللصوص وسرقوا أموال الناس حتى أنَّ القاضي أبي عبد الله الدامغاني سُرِِقَت ثيابه. كانت أعمال اللصوصية تصدر بمساندة الأمراء السلاجقة أو بواسطة نوابهم في العراق مما أعطى تلك الأعمال صورتها العلنية، فقد كان اللصوص يلبسون لبس التجار ويمشون في الأسواق معينة فيتبعوه ويسرقوه وكانوا يجتمعون في دار وزير السلطان أو أحد دور الأمراء السلاجقة وقد عظم الأمر على الناس واستغاثوا فلم يجيبهم أحد.

إنَّ هذا الأمر أدى إلى حدوث تنظيمات من اللصوص ويكون عميد كل عصابة واحد من الأمراء السلاجقة ليعطيها صفة مُساندة السلطة وحمايتها من عقوبة القانون، ففي سنة (453 هجري)، كان أصحاب عميد العراق أبا الفتح قد سرقوا أموال الناس حتى أموال الخليفة لم تسلم من السرقة. وفي سنة (497 هجري)،‏ كثر اللصوص في بغداد وسبب ذلك تواطئ قوات الشرطة معهم.

وفي سنة (536 هجري)، زاد خطر اللصوص وكانوا يسرقون بيت الناس ويقومون بعمليات سطوا على الحمامات، ونتيجة تلك الأعمال خاف الناس الخروج وقت المغرب وكانت كثرة العساكر وانتشارها في دور الناس أيضاً سبب في ذلك.

ففي (538 هجري)، قدم السلطان مسعود إلى بغداد ونزلت عساكره في دور الناس مما أدى إلى اضطراب الأوضاع فكثرت اللصوصية وكان زعيمهم أخ زوجة السلطان مسعود وكان له نصيب مما يسرقونه وشاركه ابن الوزير حتى أنَّ شحنه بغداد شكا إلى السلطان (أنَّ الناس هلكوا كان عقيد اللصوص ولد وزيرك وأخا امرأتك فأي قدرة لي على عمل المفسدين.


شارك المقالة: