من القواعد التي قامت عليها سياسة معاوية بن أبي سفيان الداخلية هو الاهتمام المباشر بأمور الدولة بنفسه، وكان يحرص كل الحرص على معرفة كل ما يدور من حوله من صغيرة وكبيرة، وعلى الرغم من أنه عيَّن من أفضل رجالات الدولة ليساعدوه، لكنه لم يكتفي بذلك بل أعطى وقته وجهده كاملين لرعاية الدولة وتوطيد الأمن والاهتمام بشؤون رعاياه.
اهتمام معاوية بن أبي سفيان بالدولة الأموية ومتابعة أمورها نفسه:
1- مجلس معاوية بن أبي سفيان في يومه:
كان معاوية بن أبي سفيان يظهر في اليوم والليلة خمسة مرات، فبعده صلاة الصبح كان يجلس من أجل القصاص، ثم يقرأ جزءاً من القرآن، ومن بعدها يذهب لمنزله ويأمر وينهى فيه، ويصلي بعدها أربع ركعات، ثم يخرج مرة أُخرى لمجلسه، فيأتي برجالاته ويتحدثون، ومن بعدهم الوزراء فيكلمونه بما أرادوا منه، ثم يأتي الغداء الأصغر، ثم يدخل منزله.
وإذا أراد معاوية بن أبي سفيان الخروج نادى: يا غلام، أخرج الكرسي، ويسند ظهره للمقصورة، ويقوم الحرس، ويأتي إليه جميع الضعفاء من رجال وصبيان ونساء، فيقول ظُلمت، فيقول: أعزوه، ويقول: عُدي علي، فيقول: ابعثوا معه، ويقول: صُنع بي، فيقول: انظروا له، حتى لم يبق أي أحد فجلس على السرير، ثم يقول: ائذنوا للناس على قدر منازلهم ولا يشغلني أحد عن رد السلام.
فيقال: كيف أصبح أمير المؤمنين، أطال الله في عمره؟ فيقول: بنعمة من الله، فإذا استووا جلوساً قال: يا هؤلاء إنما سُميتم أشرافاً؛ لأنكم شرفتم الدولة من دونكم بهذا المجلس، ارفعوا حاجة من لا يصل إلينا، فيقوم الرجل فيقول: استشهد فلان، فيقول: افرضوا لولده، ويقول: غاب فلان عن أهله، فيقول: تعاهدوهم وأعطوهم، واقضوا حوائجهم واخدموهم.
ثم من بعدها يؤتى بالغداء ويُحضر الكاتب، فيقوم عند رأسه ويقدم الرجل فيقال له: اجلس على المائدة فيجلس فيمد يده، فيأكل لقمتين أو ثلاث لقم، والكاتب جالس يقرأ كتابه، فيأمر فيه بأمره، فيقال: يا عبد الله أعقب، فيقوم ويتقدم آخر حتى يأتي على أصحاب الحوائج كلهم، ويقدر أن أصحاب الحوائج أربعون شخصاً أو أكثر، ويحضرون الغداء معه، ثم يُرفع الغداء ويذهب الناس، ثم يدخل منزله.
ويأتي ثلث الليل فيجلس في أخبار العرب والملوك العجم، وأخبار الأمم السابقة، ثم تأتيه الطُرف من نسائه، من الحلواء وغيرها، ثم يدخل فينام ثُلث الليل، فيقوم ويحضر الدفاتر وفيها سير الملوك وأخبارها، والحروب والمكائد التي وقعت، ويقرأها عليها غلمان مهمتهم حفظها وقراءتها، وكل ليلة يستمع لجمل من الأخبار والسير.