كيف تحدث الجريمة داخل مجتمع يمتلك ثقافة فرعية محددة

اقرأ في هذا المقال


الثقافات الفرعية هي تلك المجموعات التي لها قيم ومعايير تختلف عن تلك التي تمتلكها الأغلبية، ولذلك حدد المنظرون في علم الجريمة حدود متغيرات التفاعل البيئي والرمزي لنظرية الثقافة الفرعية، ولقد سعوا أيضًا إلى التغلب على ما كان يُنظر إليه على أنّه قيود هذه النماذج والتوسع في نقاط قوتهم الفريدة، وحيث شدد النموذج البيئي على المصادر الهيكلية للسلوك وقدم أفكارًا حول انتقال التوجهات الثقافية، فإنّ نموذج التفاعل على المستوى الفردي يتجاهل إلى حد كبير العوامل الهيكلية ويختار بدلاً من ذلك التركيز بشكل حصري على البعد الرمزي لسببية الجريمة.

علاقة نظرية الاجهاد بالثقافة الفرعية في حدوث الجريمة

تنص نظريات الإجهاد على أنّ بعض السلالات أو الضغوطات تزيد من احتمالية ارتكاب الجريمة، وتؤدي هذه التوترات إلى مشاعر سلبية مثل الإحباط والغضب، وقد اعترض أحد الباحثين ألبرت كوهين الذي كان يعمل في تقليد نظرية السلالة -على الرغم من وجوده داخل فرع ثانوي يُعرف باسم منظور تكوين التفاعل- على حقيقة أنّ نظرية الإجهاد لا تركز على دور المجموعة وتلك النظريات الثقافية الفرعية -التي تعد العلامات التجارية البيئية والتفاعلية- وأهملت في تفسير أصول الثقافة الفرعية، ولا سيما محتواها ووجودها غير المتناسب في الطبقة العاملة.

كما جادل كوهين بأنّ نموذج الإجهاد يفسر القيود المتصورة للنماذج الثقافية الفرعية السابقة في نظرية الإجهاد، تلك التي تشير إلى الثقافة التقليدية الأوسع باعتبارها القوة الكامنة وراء السلوك الجانح، وبحكم التكوين الاجتماعي في أسر من الطبقة العاملة فإنّ الشباب غير مؤهلين بشكل جيد للالتزام بمعايير وجود الطبقة الوسطى (على سبيل المثال الاعتماد على الذات والزهد الدنيوي وممارسة التفكير والأخلاق والتواصل الاجتماعي)، وتُترجم أوجه القصور الهيكلية للطبقة العاملة أيضًا إلى عجز ثقافي لأنّ المعايير الثقافية للطبقة الوسطى يستخدمها الجميع لتقييم قيمة الفرد.

ينتج عن العجز ضغوط نفسية اجتماعية ويترتب على ذلك رد فعل، فيجد الشباب ذوو الوضع المتشابه أرضية مشتركة ويتحدون في النهاية معًا لرفض قيم الطبقة الوسطى، كما إنّهم يبتكرون بشكل جماعي نظام مكانة بديل يقلب مبادئ وجود الطبقة الوسطى، وفي النظام البديل تمنح الثقافة الفرعية الاحترام لأولئك الأعضاء الذين يتفوقون في القتال، والذين يتسمون بالعدوانية الجسدية والذين يظهرون تجاهلاً شاملاً لمعايير الطبقة الوسطى، وبسبب نبذهم للثقافة التقليدية واعتمادهم العميق على بيئتهم الاجتماعية الخاصة من أجل المكانة فإنّ أعضاء الثقافة الفرعية الجانحين يطورون اعتمادًا قويًا على نظامهم للهوية، وتساعد هذه السمة في الحفاظ على درجة مميزة من دوامها عبر السياقات.

دور الثقافة التقليدية في حدوث الجريمة

يؤكد منظرو علم الاجتماع أنّه في الثقافة الأوسع يعتمد الفاعلون على الإنجازات التعليمية الكبيرة، والتقدم المهني واكتساب العناصر المادية النادرة أو باهظة الثمن لإثبات النجاح الملحوظ على طول الخطوط التقليدية، فجادل كوهين بأنّ إظهار النفور من المعايير التقليدية يصبح نهاية قيّمة للطبقة الدنيا بنفس الطريقة مثل الأهداف التقليدية لمن هم أكثر حظًا: فتُعرف مجموعة قيم الطبقة الدنيا من خلال ما يعتبره تفاعلًا قائمًا على الطبقة، والاعتماد على المجموعة كمحفز للنماذج الثقافية الفرعية القائمة على إجهاد السلوك يدمج بشكل فعال المكون التفاعلي للنماذج السابقة مع معالجة القيود الذرية لنظرية الإجهاد.

في الوقت نفسه يحدد النموذج القائم على الإجهاد المسببات للثقافة الفرعية الجانحة المعاصرة كتكوين رد فعل جماعي وعنيف ضد الثقافة التقليدية، كما يتوسع في عمل مدرسة شيكاغو مفترضًا أنّ خزان الهوية الذي توفره الثقافة الفرعية يؤدي إلى انتقالها.

نظرية الفرصة للثقافات الفرعية في علم الجريمة

قام المنظرين الآخرين في التقليد القائم على الإجهاد لنظرية الثقافة الفرعية يعترضون على فكرة أنّ الأفراد المحبطين يرفضون أهداف النجاح ويصوغون نظام وضعهم الخاص، وشكك اثنان من المنظرين ريتشارد كلوارد ولويد أولين في فكرة انتشار رد الفعل العنيف بين الطبقة الدنيا، وفي المقابل طوروا نوعًا مختلفًا من نموذج الإجهاد وسمي نظرية الفرصة للثقافات الفرعية، حيث افترضوا أنّ الشباب الذين يواجهون ضغوطًا يبحثون عن حلول غير قانونية (على سبيل المثال الصخب والسرقة) في بيئتهم الاجتماعية التي تسمح لهم بتحقيق النجاح التقليدي.

ما يميز هذا النموذج عن نظرية كوهين الثقافية الفرعية هو الفكرة القائلة بأنّ ظروف جوار الفاعلين تحدد مدى توافر فرص توليد الدخل غير المشروعة والنجاح في النهاية بوسائل غير مشروعة، وبالتالي فإنّ القواعد التي تؤيد النجاح من خلال وسائل غير قانونية يتم وضعها محليًا وفقًا لنموذج الفرصة، ومع ذلك فإنّ نقل القيم التي توحي بالجريمة بالوسائل المناسبة يتوقف على مدى كونها ملكية راسخة في الجوار، ولذا بهذا المعنى تنتقل الثقافة من خلال التفاعل الاجتماعي، ومع ذلك فإنّ الجوار يوفر بشكل أو بآخر البروتوكولات الثقافية الفرعية، ويشير التضمين المنطقي إلى أنّه بينما يتضاءل المجمع الثقافي الفرعي في شدته بمرور الوقت -إذا حدث في الواقع- يجب أن يكون السلوك الذي يعاقب عليه كذلك.

دور محتوى المخاوف المحورية في حدوث الجريمة داخل المجتمع

غالبًا ما يشير علماء الاجتماع إلى النماذج المفاهيمية التي تم تأطيرها حول وضع الطبقة بالطريقة التي تمت الإشارة إليها سابقًا على أنّها نظريات الحرمان النسبي، وعلى النقيض من ذلك يدعي فرع بديل من نظرية الثقافة الفرعية أنّ معقد القيمة الثقافية الفرعية هو الجانب الرمزي لبنية طبقية معينة ولا ينشأ من الاختلافات الطبقية ولا ينشرها بوعي، وبدلاً من ذلك فإنّ الثقافة الفرعية هي ببساطة جزء من الطبقة نفسها وإلى المدى الذي يكون فيه هذا صحيحًا تنشأ الثقافة الفرعية من موقع الشخص المطلق في الهيكل الطبقي.

تم طرح نموذج ثقافي فرعي بارز يركز على أهمية الموقف الهيكلي المطلق في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي من قبل والتر ميلر، ووفقًا لميلر فإنّ النظام الثقافي للطبقة الدنيا مميز في محتواه الرمزي أو ما يشار إليه بالمخاوف المحورية، وتتشابه الاهتمامات المحورية مع القيم بمعنى أنّها تمثل مكونات ثقافة وأنّ كل منها يجتذب انخراطًا عاطفيًا عميقًا، وتشمل الاهتمامات (أو القيم) المحورية المتاعب والصلابة والذكاء والإثارة والقدر والاستقلالية، والسمة الفريدة للحياة الاجتماعية بين الطبقة الدنيا هي مجموعة ركن المراهقين في الشوارع.

علاقة نظرية الفرصة في محتوى المخاوف المحورية

يوفر التكتل الاجتماعي أحادي الجنس درجة معينة من الموارد العاطفية والمادية التي لم تتم تلبيتها في ظل الغياب الواسع النطاق لوحدة الأسرة المكونة من والدين، ويتم إضفاء الطابع الاجتماعي على المشاركين على السلوك المعياري لدور الجنس الذكوري وهي فرصة غير متوفرة في محيطهم، وهناك شاغلان محوريان إضافيان -الانتماء والمكانة- لهما أهمية حاسمة لمجموعة الأقران من الطبقة الدنيا، وكل منها هو نتيجة ثانوية للالتزام بالمجموعة العامة من الاهتمامات المحورية التي تحتفظ بها الطبقة الدنيا.

يشير مفهوم الانتماء إلى الانشغال بالعضوية في المجموعة ويشير الاهتمام بالمكانة إلى رغبة الشباب في تحقيق مكانة جيدة بين أعضاء المجموعة، وتُكتسب الحالة الشخصية أو الرتبة من خلال إظهار المهارات في السمات السلوكية للصلابة والذكاء، ويؤدي إظهار البراعة الجسدية في مواجهة مجموعة منافسة إلى سمعة المتانة وهي الجودة التي تولد مرتبة عالية في المجموعة، ولكي يتوافق شباب الطبقة الدنيا بشكل وثيق مع الضرورات المعيارية لمجموعتهم فإنّهم يتصرفون بطريقة تتعارض مع القيم التقليدية للمجتمع الأوسع.

فيما يتعلق باستمرارية الثقافة الفرعية للطبقة الدنيا اقترح ميلر أنّ ثقافة الطبقة الدنيا تنتقل بمرور الوقت إلى الحد الذي يطمح فيه أفراد الطبقة الدنيا إلى العضوية في مجموعات ركن الشوارع، والعضوية مرة أخرى تُمنح لأولئك الذين يلتزمون صراحة بتركيز الاهتمامات، ومع ذلك فإنّ الدور السببي للمكونات الثقافية والهيكلية لنموذج ثقافة ميلر الفرعية غير دقيق.


شارك المقالة: